إن أصعب اللحظات وأخطرها تلك التي تسبق تحقيق الأهداف.. فحينما يصبح المناضلون من أجل قضاياهم الحقة على ثقة بالفوز يصيبهم بعض التراخي فينشدون إلى مناقشة قضايا ثانوية ويفقدون سلم الأولويات وتضيع منهم البوصلة.. وهنا تكون فرصة لكل الشياطين لاختراق الصفوف والتلويح بأهداف أخرى بديلة عن تلك التي من أجلها ضحت الجموع، ويكون المستعمر قد جهز لكل مرحلة رجالا وأدوات تخترق الصفوف وتثير الارتباك إن لم تستطع حرف المسيرة إلى غايات أخرى.. هنا بالضبط يصبح على العقلاء التدبر في إبعاد تلك الدعاوى المشتتة وكشف الزيف والضلال وتوجيه الناس دوما إلى المقصد الحقيقي والجوهري.
في تاريخ الشعوب والأمم كثيرة تلك الدروس التي تم فيها اغتيال ثورات الشعوب وكفاحها وانتهى كل شيء إلى مصلحة العدو المتربص ولم تنل من كفاحها في أكثر من مكان إلا مزيدا من الدم والمعاناة.. ولا توجد تجربة معصومة من هذه الفيروسات القاتلة لذا وجب التنبيه وتقوية عوامل الدفاع الذاتي والمناعة لصد تلك الفئات المقتاتة على أطراف الموائد منتظرة فرصة التراخي والاطمئنان التي تصيب الزخم الثوري فتسقطها أرضا.
إن المصلحة الحقيقية لأي شعب تكمن في أن يكون سيدا يمتلك ثرواته وينميها ويرتقي بحياته وأن يكون هو من يقرر لا أن يقرر بالنيابة عنه أي أحد أو أي حزب.. وهذا يعني أن تترك لجموع الناس وعامتهم فرصة الاختيار الحر النزيه لأن الشعب هو من يضحي وهو من يحمي البلاد من خلال أبنائه في القوات المسلحة ومؤسسات الدولة والجامعات وقطاعات العمل المتعددة ومن هنا فإن الرجوع إلى الشعب بعمومه في المراحل الخطرة والحساسة يكون هو الخطوة الضرورة للخروج من التيه.
إن شعوبنا مجبولة على الكرامة والعزة وهي إن خيرت فلن تختار إلا الكرامة والعزة وهي جاهزة لدفع ثمنها كاملا بلا نقصان هكذا جربها التاريخ في ثورة الجزائر العظيمة وفي كفاح الشعب الفلسطيني المتواصل ولولا الشعب في الحالتين لما كانت هناك ثورة ولما كان هناك كفاح..
هذه مبررات منطقية وتاريخية لضرورة الإسراع نحو أخذ رأي الشعب فيمن يحكمه فذلك قرار الشعب وحقه في تنصيب من يريد والطريق الذي يريد نحو المستقبل.. فليس لأحد أن يدعي أنه يمتلك الحكمة والصوابية والوعي والثقافة والسياسة والعلاقات فيصبح بديلا عن الشعب.. إنها أبواب الاختراق التي يحسن التصرف فيها الأجنبي.. الشعب والشعب وحده هو من يقرر مصيره، فمن أراد أن يخدم الشعب وأن يكون في الاتجاه الصحيح فعليه أن يسرع من تمكين الشعب في الاختيار وأن يلتزم بخيار الشعب حتى لو عارض رغبته.
أمتنا لن تختار إلا الأفضل والأكرم والأعز فهل يرتقي الساسة إلى مستواها؟
عن صحيفة الشروق الجزائرية