دعا الكاتب والسياسي والديبلوماسي
التونسي السابق أحمد القديدي، الدولة التونسية إلى تحمل مسؤولياتها الإنسانية تجاه الرجال الذين خدموها وأسهموا في تأسيسها، وذلك من خلال توفير العناية اللازمة لهم في مرضهم.
وناشد القديدي، في رسالة مفتوحة بعث بها اليوم إلى الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر ونشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، التدخل لرفع مظلمة بحق
السياسي التونسي محمد مواعدة الراقد في المستشفى العسكري هذه الأيام من دون أن تكون لديه الإمكانيات المادية اللازمة لذلك.
ورأى القديدي أن مواعدة تعرض وما زال يتعرض لمظلمة من الدولة التونسية بحقه، وقال: "أنت سيدي الرئيس تتمتع إلى حين بكل سلطات الرئيس فلا تسكت عن مظلمة بإمكانك رفعها وهي أن تأذن بتولي الدولة مصاريف علاج أحد رجال تونس البررة، عرفناه أنا وأنت حين انحزنا كما انحاز هو إلى الخيار الديمقراطي صلب حزب بورقيبة، وأذكر أنه جمعتنا معا أحداث جسيمة في السبعينيات كان لك أنت فيها مع دستوريين أحرار موقف الوطني الحر، واليوم أنت رئيس لجمهورية يعلم الله أنك ومحمد مواعدة وآخرين ضحيتم من أجل قيامها واستقرار مؤسساتها ضد من اختار التصلب وانفراد حزب واحد بالسلطات".
وأضاف: "اليوم يقيم أخوك وأخي ابن قفصة محمد مواعدة في المستشفى العسكري مثقلا بأمراض عديدة، شفاه الله وعافاه، وهو لا يملك ثمن الإقامة والدواء".
وأكد القديدي، "أن الدولة ليست ماكينة صماء تعمل بتقنيات قانونية باردة بل مؤسسة إنسانية قبل كل شيء تراعي وتحمي رجالا ونساء خدموها ولم يستخدموها ثم حط بهم الدهر لأنهم مثل محمد مواعدة لم يحسبوا لهذا اليوم حسابا".
ووصف القديدي محمد مواعدة بأنه "مناضل وشهم"، وقال: "بدأ مواعدة حياته كاتبا عاما للجنة التنسيق بقفصة ثم تدرج في المسؤوليات الحزبية إلى أن كان تقريبا الوحيد (من وراء البلايك) الذي ساند أحمد المستيري والمستقيلين من الحكومة الملتحقين بأول حركة جريئة تصحيحية داخل الحزب الدستوري في أيام عزه لا في أيامنا الرديئة التي نعيشها اليوم".
وأضاف: "اسلم يا محمد مواعدة لكل من عرف فيك المواقف الرجولية الصامدة حين نالك القمع أيام الاستبداد وتوفيت زوجتك في ظروف صعبة لكنك أورثت أولادك شرف الصبر والتمسك بالقيم الوطنية التي تعلمتها أنت في جبل سيدي عيش، وكنت أنت من بين القلائل الذين يسألون عن الدستوريين المنفيين الذين لا يخشون إلا الله ولا يناصرون إلا الحق".
ودعا القديدي كل من يتعاطف معه في نصرة مواعدة أن يوقع معه الرسالة الموجهة إلى الرئيس محمد الناصر بهذا الغرض.
من جهته وصف الكاتب والإعلامي التونسي كمال بن يونس في حديث مع
"عربي21" رسالة القديدي إلى الرئيس محمد الناصر بشأن السياسي والمفكر محمد مواعدة، بأنها لفتة إنسانية، ودعا إلى التعاطي معها بإيجابية من الجهات الرسمية في تونس، وأيضا من كافة التخب السياسية.
وقال ابن يونس: "محمد مواعدة واحد من بناة الدولة التونسية، ناضل بصدق في تأسيس الدولة، وعارض بمبدئية أيام الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة ثم ابن علي، كان واحدا من أبرز مؤسسي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وأسهم بفاعلية في مختلف المؤسسات العربية والفكرية الجادة، وكانت له علاقات جيدة مع كل القيادات السياسية التونسية".
وأضاف: "عارض مواعدة ابن علي ودفع الثمن باهظا، وتوفيت زوجته بعد معاناة شديدة مع
المرض، وتعرض للهرسلة، ربما كان له اجتهادات في تسعينيات القرن الماضي اختلف معه البعض فيها، لكنه ظل مبدئيا في كل مراحل حياته"، على حد تعبيره.
ومحمد مواعدة المولود عام 1938، هو سياسي وجامعي تونسي وثاني أمين عام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين بعد أحمد المستيري. عارض الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي سجنه بسبب مجموعة من الرسائل المفتوحة وجهها له منذ 1994. واعتقل مرات عدة.
سُجن محمد مواعدة للمرة الأولى في تشرين أول (أكتوبر) 1995 بتهمة إقامة علاقات استخبارية مع عناصر في ليبيا. وحُكم عليه في 1996 بـ 11 سنة سجنا بتهمة "التعامل مع الخارج". ثم صدر بعد ذلك قرار بالإفراج المؤقت عنه. ثم اُلغي القرار وسُجن مرة اُخرى منذ 19 حزيران (يونيو) 2002 بتهمة إقامة علاقات مع حزب النهضة المحظور آنذاك.
وأصدر في تموز (يوليو) 2014، كتابا بعنوان "قصتي مع ابن علي أو في صناعة الطاغية"، عن منشورات "كارم الشريف"، نشر فيه جزءا من تاريخه السياسي، لا سيما على رأس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وعلاقته بنظام ابن علي السابق التي تراوحت بين الكر والفر، وضمنها جملة من الوثائق التاريخية، التي توثق لمرحلة سياسية من أهم المراحل التاريخية التي عرفتها تونس في العهد الحالي، وهي المرحلة التي سبقت ثورة أواخر العام 2010، التي كانت فاتحة لما بات يُعرف في الأدبيات السياسية بـ "الربيع العربي".