بعد حملة انتخابية ضخمة، وإصرار على تفنيد استطلاعات الرأي التي وضعته بالمرتبة الرابعة بين المنافسين على الرئاسة، وجد رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد نفسه خامسا بسحب النتائج الأولية الرسمية، ما أثار تساؤلات عن العوامل التي أدت إلى ذلك "الفشل".
ووفق نتائج أولية رسمية، تصدر المرشح المستقل قيس سعيّد، السباق بـ18.4 بالمئة من الأصوات، يليه نبيل القروي، مرشح حزب "قلب تونس" (ليبرالي)، بـ15.58 بالمائة من الأصوات، فيما حل مرشح حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، ثالثا بنسبة 12.88 بالمائة من الأصوات، أما الشاهد، فحل خامسا بـ7.38 بالمئة من الأصوات.
رأى مراقبون أن التركيز على الشاهد لا ينبع من موقعه الحزبي، باعتباره رئيسا لحزب "تحيا تونس" (ليبرالي)، وإنما من صفته رئيسا للحكومة، وهي الصفة الطاغية له في أذهان الرأي العام المحلي، وهذا ما يعتبر أحد الأسباب الجوهرية في هزيمته، لأن الناخبين "عاقبوه" على أداء حكومته، بدل تقييمه على أساس برنامجه الانتخابي.
وأفاد خبراء استطلعت وكالة "الأناضول" آراءهم بأن "سقوط" الشاهد يعود إلى أربعة أسباب رئيسية: محصلة أداء حكومته، والتجاذبات داخل حزبه و"تذبذبه" السياسي، إضافة إلى نفور الناخبين من الأحزاب والمنظومة الحاكمة بشكل عام، والاستياء الشعبي الذي خلفه توقيف المرشح نبيل القروي.
المحصلة الحكومية
من أهم الأسباب التي أطاحت بالشاهد، المحصلة الهزيلة لحكومته التي يقودها منذ 27 أغسطس/ آب 2016، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
ففي الأشهر الثمانية الأولى من 2018، ارتفع العجز التجاري لتونس (الفرق بين الصادرات والواردات) 5.7 بالمئة على أساس سنوي، وفق أرقام رسمية صادرة عن المعهد التونسي للإحصاء (حكومي).
وبذلك، يرتفع العجز التجاري إلى نحو 12.864 مليار دينار (4.497 مليار دولار) في الفترة بين يناير- أغسطس من العام الجاري، مقارنة بـ12.160 مليار دينار (4.251 مليار دولار) بالفترة نفسها من 2018.
عجز تجاري رافقته قرارات حكومية متواترة، بزيادة أسعار البنزين وبعض السلع الأساسية، والترفيع في الضرائب على السيارات والاتصالات الهاتفية والإنترنت والإقامة في الفنادق وبعض المواد الأخرى، في إطار إجراءات تقشف اتفقت عليها الحكومة مع المانحين الأجانب، لكنها فاقمت، في الجانب الآخر، من معاناة التونسيين.
تقشف أصاب الطبقة الوسطى والفقيرة بالإحباط، خصوصا في ظل ارتفاع معدل التضخم (أسعار المستهلك)، والذي بلغ في أغسطس/ آب الماضي 6.7 بالمئة، مقابل 6.5 بالمئة في يوليو/ تموز السابق له، بحسب بيانات رسمية.
تقشف واحتقان شعبي تضاف إليه ملفات عالقة متوارثة عن نظام ما قبل ثورة 2011، كان لا بد أن يقود نحو إشكالات هيكلية حادة تعصف بالاقتصاد، وتدفع بمؤشراته الكلية نحو الهبوط، وسط ضغوطات متزايدة من المقرضين الدوليين لفرض إصلاحات لخفض العجز في الميزانية وإصلاح المالية العمومية.
اعلية العلاني، الأكاديمي والباحث التونسي في القضايا الاستراتيجية، اعتبر أن الجانب الاقتصادي والاجتماعي كان محوريا في هزيمة الشاهد.
وقال العلاني، في حديث للأناضول، إن الناخبين عاقبوا الشاهد رئيس الحكومة، وليس الشاهد المرشح الرئاسي، "لأنه لم يوفر للطبقة الوسطى إمكانية تدارك ما خسرته من طاقة شرائية منذ 2011 إلى اليوم".
وأضاف: "رغم أن الشاهد لم يكن مسؤولا عن الفترة السابقة لرئاسته للحكومة، لكن في الانتخابات يحمل الناخب المسؤولية لمن يباشر الحكم في ذلك الحين".
التذبذب السياسي
المحلل السياسي التونسي، يوسف الوسلاتي، رأى من جانبه، أن التجاذبات الداخلية التي يشهدها "تحيا تونس"، حزب الشاهد، جعلته عاجزا عن استقطاب شخصيات ذات ثقل أكاديمي أو سياسي، يمكنه من التأثير على القواعد الشعبية والناخبين بشكل عام.
وفي حديث للأناضول، تطرق الوسلاتي أيضا إلى "تذبذب الشاهد الذي انضم إلى حزب نداء تونس، قبل أن يغادره في وقت قصير، ويؤسس حزب تحيا تونس الذي ترشح عنه للرئاسية، ما صدر رسالة فيها الكثير من عدم الاستقرار في أعين الناخبين، وأثر بالتالي على نتائج الصندوق".
حزب الشاهد الذي أراده زعيمه أن يفتك بالقواعد الانتخابية لحزب "نداء تونس"، فشل حتى في طرح نفسه بديلا مقنعا، وهذا ما جعل هزيمته حتمية، وفق الخبير.
اقرأ أيضا: رئيس الحكومة التونسية: نحترم نتائج الانتخابات الرئاسية
النفور من الأحزاب
عماد الدين الحمروني، أستاذ الجغرافيا السياسية بأكاديمية العلوم السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس، اعتبر أن نتائج الاقتراع تضمن رسالة حملها الشعب التونسي فحواها أنه "لم تعد لديه ثقة في الفاعل السياسي، وفي الطبقة السياسية الحاكمة".
وأضاف الخبير التونسي، في حديث للأناضول، أن "من قاطعوا الاقتراع بعثوا أيضا بنفس الرسالة: لماذا نصوت طالما أننا سنمنح أصواتنا لنفس الأشخاص والبرامج أي استمرار ذات الإشكالات".
من جهته، عاد العلاني ليؤكد أن التونسيين ملوا الأحزاب والمنظومة الحزبية السائدة بأكملها، سواء الحاكمة أو المعارضة.
كما أن الشباب خاب أمله في الأحزاب وفي حكومة الشاهد، ولذلك أسقطه، مؤكدا أن رئيس الوزراء "لم يكن الوحيد الذي سقط بل سقطت منظومة حكم بأكملها".
وتابع: "نحن اليوم أمام انتفاضة جديدة في تونس لا تقل أهمية عما حصل في 2011، انتفاضة دستورية ترنو إلى تفعيل أحكام دستور 2014 التي لم يطبقها الحكام".
توقيف القروي
من أبرز الملفات التي أثرت بشكل كبير على نوايا التصويت، ولئن تصدر القروي استطلاعات الرأي حتى قبل توقيفه، إلا أن الزج به وراء القضبان قبل فترة قصيرة من الاقتراع، فجر استياء عارما، ومخاوف من الالتفاف على نتائج الانتخابات، وهو ما أثر بشكل واضح على التصويت.
الوسلاتي قال إن قسما واسعا من التونسيين يرون في توقيف القروي "محاولة غير بريئة" من الشاهد لقطع الطريق عليه في الانتخابات، في ضوء تصدر مرشح حزب "قلب تونس" لاستطلاعات الرأي.
فبغض النظر عن الحيثيات القانونية، إلا أن توقيت التوقيف لم يكن مناسبا بالمرة، وفق المحلل السياسي، وفُهم على أن الشاهد يوظف حملته التي أطلقها على الفساد بشكل انتقائي، لتصفية كل من يهدد مروره إلى قصر قرطاج، وهذا ما التقطه الشعب وعاقبه عليه بالتصويت لصالح القروي.
تونس: رفض الإفراج عن القروي.. أسباب سياسية أم قضائية
حملات تونس الرئاسية تتصاعد.. وتباين بتفاعل الناخبين
إثارة المناظرات الرئاسية المتلفزة بتونس تنافس دوريات الكرة