أحزاب اليمين المتطرف كفيلة بأن تتسبب في فقدان الثقة، والتسبب في كوارث لأي ائتلاف توجد به. فالحكومات التي ضمتها، والتي انهار آخرها في إيطاليا، مؤخرا، دليل على ذلك، وتحذير لكل من يسير على دربها.
سيكون «الديمقراطيون
المسيحيون» في تيار يمين الوسط بولاية سكسونيا الألمانية على ما يرام حال انتبهوا
لذلك، ومن الممكن أن يشكلوا حكومة أقلية يدعمها حزب «البديل من أجل ألمانيا» بعد
الانتخابات المقررة في الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي.
خلال العشرين عاما الماضية،
دخلت الأحزاب اليمينية المتطرفة أحيانا في الحكومات، أو دعمت إدارات الأقليات في
تيار يمين الوسط. يمكن القول إن تلك الصفقات نجحت بصورة ملحوظة في حالتين فقط: في
إيطاليا؛ حيث حصل حزب «رابطة الشمال» على ثلاث أو أربع حقائب في سلسلة من الحكومات
بقيادة سيلفيو برلسكوني، وفي الدنمارك حيث دعم حزب «الشعب» الدنماركي، المناهض
للمهاجرين، حكومات الأقليات بقيادة أندري فوغ راسموسين.
ولكن في كلتا الحالتين، جرى
الإبقاء على تيار اليمين المتطرف على مسافة من مركز السلطة، فقط للحصول على فرصة
لدفع بعض سياساتهم المفضلة.
فشلت التجارب الأكثر طموحا فشلا ذريعا. في هولندا، على سبيل المثال، استمر ائتلاف عام 2002 الذي ضم حزب
«قائمة بيم فورتوين» المناهضة للمهاجرين لمدة 87 يوما فقط، وكانت المحاولة
الثانية للتعاون تلك التي وافق فيها خيرت فيلدرز على دعم حكومة رئيس الوزراء
الليبرالي مارك روتي عام 2010، وانهارت بصورة مذهلة بمبادرة فيلدرز. ولم يحاول
روتي تشكيل تحالف مماثل بعدها.
في النمسا، في العقد الأول من
القرن الماضي، ترأس المستشار فولفجانج شوسل حكومة مزقتها الفضيحة، مع حزب «الحرية»
اليميني المتطرف، الذي لم يدم لفترة تشريعية كاملة. وبعد ذلك، خلال الدورية
الثانية للتحالف، تفكك حزب «الحرية». في عام 2017، حاول سباستيان كروز مجددا العمل مع حزب «الحرية» اليميني، لكنها انتهت بفضيحة مذهلة في وقت سابق من ذلك
العام.
في فنلندا، دخل حزب
«الفنلنديين الوطنيين» في الحكومة عام 2015، فقط ليغادر الائتلاف في عام 2017 بعد
الانقسام إلى حزبين.
ويستحق ماتو سالفيني مكانا شرفيا في هذه القائمة، إذ إن زعيم حزب «الرابطة» الإيطالي طعن شركاءه في ائتلاف
«حركة فايف ستارز» المناهضة للمؤسساتية في وقت سابق من هذا الشهر، وبعدما بات من
الواضح أن «حركة فايف ستارز» يمكن أن تشكل حكومة بديلة مع «الحزب الديمقراطي» من
يسار الوسط، توسل إليهم للعودة، وعرض على زعيمهم لويجي دي مايو منصب رئيس الوزراء.
ومع ذلك، أشك في أنهم سوف يرغبون في اللعب مرة أخرى، وعلى الأرجح، سيشطبون
سالفيني، كما طرد روتي فيلدرز من قبل.
عام 2003، ناقش العالم السياسي
النمساوي راينهارد هاينش، جذور الأداء المؤسف لليمين المتطرف في المناصب العامة،
في ورقة بعنوان «النجاح في المعارضة - الفشل في الحكومة».
كتب راينهارد هاينش يقول «إن
طبيعتها كأحزاب غير مؤسساتية نسبيا موجهة نحو الشخصيات الكاريزمية، وتعمل كمؤسسات
تسعى إلى الحفاظ على شخصية الحركة مع الانخراط في أشكال مميزة من التقديم الذاتي،
ولذلك هي ليست سوى نموذج هش للمناصب العامة»، وأضاف أن «الأحزاب الشعوبية تفتقر في
كثير من الأحيان إلى الآليات المناسبة لحل النزاعات داخل الأحزاب وصانعي السياسة،
ذوي الخبرة القادرة على ترجمة جدول الأعمال البرامجي إلى سياسة. وعادة ما يتفاقم
الوضع إذا ما تم إجبار مثل هذه الحركات على التحالف».
بطريقة أو بأخرى، فإن إخفاقات
الأحزاب اليمينية المتطرفة كلها تتعلق بالتنفيذ، فهم يجدون صعوبة في تنفيذ ما
يعظون به، ويفتقر قادتهم الكاريزميون إلى الضوابط والتوازنات لمنع سوء التقدير، في
حين أن صراعاتهم الداخلية عامة للغاية وعاطفية للغاية. إن قلة الاعتدال
الآيديولوجي تترجم إلى عدم الاستقرار وإلى أخطاء في الاستراتيجية. وما يساعد هذه
الأحزاب على الفوز في الانتخابات هو العلاقة العاطفية التي تربطها بالناخبين
وبساطة شعاراتهم، وهي نفسها ما تضعفهم في الحكومة.
لقد تذكر هاينش مؤخرا ورقته
القديمة فيما يتعلق بأفكار اليمين المتطرف النمساوي والإيطالي، التي قال فيها «كل
ذلك يجب أن يكون تحذيرا لـ(الاتحاد المسيحي الديمقراطي) الذي ترأسته المستشارة
أنجيلا ميركل في ساكسونيا». فالدولة الألمانية الشرقية هي موطن لبعض أنصار حزب
«العدالة والتنمية»، الأكثر صخبا، كما يواجه حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»
تحديا قويا من «الحزب القومي» المناهض للمهاجرين.
وتظهر آخر استطلاعات الرأي أن
حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» قد تقدم بشكل أو بآخر. ولكن حتى إذا فاز، لا
توجد طريق مريحة لتشكيل تحالف الأغلبية. وفيما يعتبر إقامة تحالف مباشر مع تحالف
القوى الديمقراطية أمرا مستحيلا، لأن القيادة المركزية لحزب «الاتحاد الديمقراطي
المسيحي» لن تسمح بذلك أبدا، فإن الطرفين تربطهما علاقات وثيقة على المستوى
المحلي. في العمق، يتعاطف العديد من مؤيدي حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، الأكثر
تحفظا، مع الكثير من أجندة التحالف. ويمكن أن يؤدي تشكيل «الاتحاد الديمقراطي
المسيحي» إلى تشكيل إدارة للأقلية يجري «التسامح معها» من قِبل وحدة الدفاع عن
الديمقراطية، على غرار حكومات راسموسن الدنماركية أو تجربة روتي 2010 في هولندا.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية