نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعدته كارلوتا غال، تحت عنوان "تركيا كانت دائما ملجأ آمنا للاجئين السوريين وهي تقوم بترحيلهم إلى بلدهم"، حول المضايقات التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن تركيا، التي رحبت قبل ثمانية أعوام بملايين اللاجئين السوريين، غيرت اليوم من موقفها، وبدأت في الأسابيع القليلة الماضية بإجبار آلاف منهم على مغادرة المدن الكبرى، ونقل العديد منهم في حافلات بيضاء إلى الحدود مع سوريا.
وترى غال أن "الرئيس رجب طيب أردوغان يدفع باتجاه حل راديكالي للمشكلة، من خلال إعادة توطينهم في منطقة واسعة تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد، ولو لم يحدث هذا فإنه يهدد بفتح الباب أمامهم للهجرة إلى أوروبا".
وتلفت الصحيفة إلى أن الرئيس أردوغان كثيرا ما طالب بمنطقة عازلة على الحدود السورية مع تركيا؛ لإبعاد الأكراد السوريين الذين يعدهم تهديدا أمنيا، مستدركة بأنه أعاد تغليف فكرة المنطقة الآمنة بصفتها مكان توطين للاجئين السوريين الفارين الهاربين من الحرب، في وقت تزايدت فيه مظاهر السخط ضد مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الفارين باتجاه الحدود مع تركيا.
وينقل التقرير عن أردوغان، قوله في خطاب ألقاه أمام قادة حزب العدالة والتنمية: "هدفنا هو توطين مليون من إخواننا وأخواتنا السوريين المقيمين في بلدنا في هذه المنطقة الآمنة"، وأضاف في خطابه الذي ألقاه في أنقرة: "لو احتجنا فإننا سنقوم بدعم من أصدقائنا ببناء مدن جديدة لتكون صالحة لعيش إخواننا السوريين".
وتقول الكاتبة إن القوى المشاركة في الحرب السورية لا توافق بشكل كامل على الفكرة، مشيرة إلى أن مطالب أردوغان تتمثل بالحصول على منفذ للمنطقة، ويهدد بأخذها عنوة لو لم تتم الاستجابة له، وقال إن لم يحدث ذلك فـ"سيفتح الأبواب" لأكبر عدد من المهاجرين للوصول إلى أوروبا كما فعل عام 2015.
وتلفت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي منح تركيا منذ ذلك الوقت 6.7 مليارات دولار لتساعد في السيطرة على المهاجرين، إلا أن تركيا، التي استقبلت 3.6 ملايين لاجئ سوري، تقول إن المشكلة تزايدت أضعافا مضاعفة، وقال أردوغان: "إذا لم تكن هناك منطقة آمنة، فلن نستطيع التغلب على هذا الأمر".
وينوه التقرير إلى أن السوريين وجهوا نظرهم مرة أخرى نحو أوروبا، وقال المسؤولون الأتراك والدوليون في مجال الهجرة إن هناك زيادة نسبية في عدد المهاجرين واللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من تركيا، ومعظمهم سوريون يحاولون الهروب من إسطنبول بسبب قمع الشرطة، مشيرا إلى أن 500 من اللاجئين وصلوا إلى الجزيرة اليونانية ليسبوس على متن قارب الأسبوع الماضي.
وتفيد غال بأنه نظر لأردوغان على أنه مدافع عن اللاجئين السوريين، مستدركة بأن موقفه المتشدد يأتي في أعقاب هزيمة حزبه في انتخابات إسطنبول في حزيران/ يونيو، وتعمق حالة الركود، وزيادة نسبة البطالة والتضخم، ما أدى إلى مفاقمة المشاعر المعادية ضد السوريين بين الأتراك.
وتستدرك الصحيفة بأن المسؤولين يقومون بملاحقة السوريين الذين يعملون بطريقة غير شرعية، أو من ليست لديهم أوراق إقامة رسمية، ويفرضون غرامات على أصحاب المحلات والمعامل التي تشغل السوريين، مشيرة إلى أنه في الإعلام المؤيد للحكومة زادت حدة النقد ضد السوريين، فيما بدأ أصحاب البيوت بزيادة أجور البيوت، وانتشرت التعليقات المعادية للسوريين على منصات التواصل الاجتماعي.
ويذكر التقرير أن المسؤولين المحليين في حزب أردوغان نفوا ما قيل بأن الحكومة تقوم بترحيل اللاجئين، لكنهم دعموا حملة الملاحقة، قائلين إن على السوريين الالتزام بالقانون، مشيرا إلى أن التغير في المواقف يبدو واضحا في مناطق عمالية مثل إيسنيورت في إسطنبول.
وتنقل الكاتبة عن المتحدث باسم المنطقة فاتح يلماز، قوله إن البلدية توفر حافلات لنقل 100 شخص كل أسبوع لإعادتهم إلى سوريا، وأضاف أن الترحيل أرضى المواطنين، وإن كان محلا لغضب أصحاب البيوت الذين خسروا مستأجرين، والمعامل الذين خسروا عمالا.
وتقول الصحيفة إن التغير في السياسة بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في تركيا يعد صدمة مؤلمة، فيقول الناشط السوري محمد غباش، الذي يعمل مع منظمة غير حكومية في مدينة غازي عينتاب: "هي كارثة للشعب السوري"، وأضاف أنه تم إخبار العمال السوريين بأنهم مطالبون بالحصول على إذن عمل، ودفع الضمان الاجتماعي الذي لا يستطيعون توفيره، وحتى لو كان لديهم فإنهم يخشون من سياسات جديدة، مثل القانون الذي يشترط توظيف خمسة أتراك مقابل كل سوري.
وبحسب التقرير، فإن الشرطة في غازي عينتاب زارت محلات الحلويات والبقالة السورية، وطلبت من أصحابها نزع اليافطات المكتوبة باللغة العربية وإلا تعرضوا للغرامات، في محاولة لتطبيق القانون الذي تم تجاهله خلال السنوات الثماني الماضية، مشيرا إلى أن السوريين استجابوا لذلك، فأزالوا الأسماء العربية، وعلقوا الأعلام التركية، إلا أن بعضهم عبروا عن غضبهم لأنهم يخشون من خسارة تجارتهم.
وتورد غال نقلا عن محمد العازور، الذي كانت عائلته تدير محل حلوى معروفا في حلب، قوله إنه قام بتغطية بيت شعر للرومي، وأضاف: "غرامة واحدة من الشرطة قد تنهي عملي.. أنا لست عبئا، وحضرت ومالي معي، لكن لا تخنقني ودعني أعيش".
وتلفت الصحيفة إلى أن السوريين في غازي عينتاب يشكلون ما نسبته 20% من عدد السكان، وأحضروا معهم رأس المال والخبرات، وحولوا المدينة ووفروا العمالة الرخيصة، وجاء معظمهم من مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، التي كانت عاصمة التجارة، مشيرة إلى أن السوريين بنوا حيا لصناعة النسيج في غازي عينتاب، حيث تشترك الشركات السورية والتركية في البنايات والعمال، فيما هناك المئات من المطاعم والمقاهي ومحلات الحلوى التي تخدم السوريين.
وينوه التقرير إلى أن الحجارين السوريين قاموا بترميم المعالم الأثرية المتداعية في المدينة القديمة، فيما وجد النحاسون من حلب مكانا إلى جانب الحرفيين الأتراك، وعملوا معا في طرق النحاس وتشكيل الأطباق والأباريق في المحلات الصغيرة.
وتنقل الكاتبة عن إبراهيم نهلاس (55 عاما)، المعروف بأشغاله اليدوية في الشرق الأوسط، قوله إن لديه علاقات قديمة مع الحرفيين الأتراك، "يجب أن تحصل على الاحترام وعندها لن تواجه مشكلة".
وتقول الصحيفة إن نور موصللي، الذي فقد مصنع نسيج في حلب، قيمته 12 مليون دولار؛ بسبب الحرب، جلب العمال وقاعدة زبائن في الشرق الأوسط، حيث بدأ مصنعا في غازي عينتاب لصناعة الملابس الداخلية الرجالية، وقال: "لدينا شركاؤنا الدوليون، وفي أي مكان رميتنا فيه نعمل".
ويورد التقرير نقلا عن أصحاب الأعمال الكبيرة من السوريين، قولهم إنك تستطيع العمل في تركيا لو اتبعت القوانين، رغم أن هامش الربح ليس كبيرا، مستدركا بأن الذين اشتكوا هم أصحاب الأعمال الصغيرة والعمال، الذين يقولون إنهم لا يستطيعون دفع المطلوب ولا الغرامات الكبيرة، ولهذا أجبروا على إغلاق محلاتهم.
وتنقل غال عن عمدة المدينة فاطمة شاهين، وهي عضو بارز في حزب أردوغان، التي دعمت اللاجئين السوريين بسبب ما يقدمونه من دعم للاقتصاد، قولها: "ما نقوله للسوريين هو أن هناك قواعد يجب اتباعها وعليكم تطبيق القانون".
وتستدرك الصحيفة بأن السوريين، مثل عبد الكريم الرحمون، الذي يدير فرع محل عطور معروف في حلب، يقول إن هذه السياسات تهدف لإقناعهم للذهاب إلى المنطقة الآمنة.
وبحسب التقرير، فإن الحافلات والسيارات الصغيرة المحملة باللاجئين تصل كل ساعة إلى بلدة كلس الحدودية، مشيرا إلى أنه رغم أن عدد السوريين المرحلين لا يمثل إلا جزءا صغيرا من السوريين في تركيا، إلا أنه يبعث رسالة من أردوغان لمعارضيه بأنه يعمل شيئا، ويقول للأوروبيين والأمريكيين إنه يريد حلا.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول عمدة غازي عينتاب، إنها تدعم المنطقة الآمنة، وتتوقع أن يرحل إليها نصف السوريين البالغ عددهم 500 ألف سوري في منطقتها، وأضافت: "سيذهب نصفهم لو تمت تهيئة الظروف، وبدأت المدارس في العمل".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
صحيفة روسية: من سيساعد أردوغان على امتلاك أسلحة نووية؟
فورين بوليسي: هذه وسيلة الضغط الوحيدة لإنقاذ سوريا
FP: هل يمكن لتركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد؟