نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا، أعده كل من ليزي بورتر وريتشارد سبنسر، يتحدثان فيه عن اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب الأهلية من بلادهم هاربين إلى لبنان.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الطفل جمعة، البالغ من العمر أربع سنوات، كان يرتدي قميصا برتقاليا يحمل عبارة "Wild Tiger"، وكان يتراقص على أنغام الرسوم المتحركة على التلفزيون في شقة متهالكة في بيروت.
ويقول الكاتبان إنه كان يرفع مجموعة مفاتيح إلى أذنيه يستمع إلي صوتها عندما يحركها، ويتلمس بفضول غلاف جهاز "آيفون"، وينفعل لسماع صوت غلاف قطع البسكوت، لكنه لا يستطيع رؤية أي شيء من هذه الأشياء الممتعة.
وتفيد الصحيفة بأن جمعة فقد بصره عندما أصابت قذيفة الشاحنة التي كانت العائلة تستقلها فارة من قريتها في شمال سوريا في شهر آذار/ مارس العام الماضي، مشيرة إلى أنه واحد من عشرات الآلاف من الأطفال الذين قتلوا أو جرحوا في حرب متعددة الأطراف قبل ثماني سنوات.
ويلفت التقرير إلى أنه "يعيش في لبنان في أمان إلى الآن، ولكن الأمان ليس أملا للمستقبل، وهو ما بدأ يتبخر تدريجيا لستة ملايين لاجئ مثله، عالقين في دول الجوار، لا يستطيعون العودة إلى وطنهم، ولا التقدم في حياتهم".
وينوه الكاتبان إلى أن تقريرا لـ"هيومان رايتس ووتش" أظهر كيف يقوم النظام في سوريا باعتقال اللاجئين السوريين الذين يتم ترحيلهم من لبنان إلى بلدهم، لافتين إلى أن الأمم المتحدة تحث دول الجوار على عدم إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، وتقول إن البلد ليس آمنا.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من هذا، فإن تركيا بدأت بمحاولات إعادة بعض اللاجئين، الذين يبلغ عددهم 3.5 مليون لاجئ، مشيرة إلى أن إسطنبول تحديدا تقوم باعتقال اللاجئين والمهاجرين غير المسجلين بشكل سليم، ما أدى إلى موجة من المهاجرين الذين يعبرون المياه إلى اليونان، فسجل المسؤولون اليونانيون في آب/ أغسطس زيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف في أعداد المهاجرين -معظمهم أفغان لكن هناك أيضا غير ذلك- الذين يقومون بالهجرة من خلال رحلات عبر البحر الأبيض، وهي رحلة تسببت بمقتل المئات من الرجال والنساء والأطفال.
ويشير التقرير إلى أنه قبل أربع سنوات انتشرت صور آلان كردي، وهو طفل سوري كردي، مثل جمعة، فنبهت العالم إلى حجم الكارثة الجارية في البحر قبالة السواحل التركية، لافتا إلى أن عمره كان ثلاث سنوات فقط.
ويذكر الكاتبان أن المهاجرين بدأوا يعبرون الحدود السورية إلى لبنان وتركيا والأردن بمجرد أن بدأت الحرب عام 2011، إلا أن الهجرة الجماعية بدأت تتسارع عندما تفاقم القتال في المدن عام 2012، مشيرين إلى أنه كانت هناك موجة أخرى عندما بدأ النظام يستخدم البراميل المتفجرة ضد المناطق السكنية، ومع استيلاء تنظيم الدولة على مناطق واسعة من البلد، وما تلا ذلك من قصف للتحالف الغربي.
وتقول الصحيفة إن عائلة جمعة كانت ضحية لشريك آخر في الحرب، فقد أصيب جمعة في غارة جوية تركية بالقرب من السيارة التي كانت تسافر فيها العائلة هاربين من عفرين، وهي جيب كردي في شمال سوريا كان يديرها وقتها وحدات حماية الشعب الكردي التي تنتمي لحزب العمال الكردستاني.
وينقل التقرير عن أم جمعة، فوزية عبد القادر، قولها: "في إحدى الليالي كان القصف لا يحتمل، فقررنا الساعة الخامسة صباحا أن نفر.. وفي الساعة الثامنة والنصف ضربت غارة جوية السيارة، عندما حصل ذلك ظننت أن ابني في حضني، لكن عندما تنبهت ونظرت وجدت أنها رجل امرأة أخرى، دفعت الرجل وذهبت لأبحث عن ابني، ووجدنا بعيدا جدا عن السيارة".
ويفيد الكاتبان بأن تركيا أطلقت عملية عسكرية للسيطرة على عفرين قبل ذلك بشهرين، مشيرين إلى أن أنقرة كانت تخشى من أن تشكل المليشيات الكردية قطاعا متواصلا من الأراضي السورية على الحدود.
وتقول الصحيفة إن جروح جمعة تظهر آثار الحرب الدائمة، التي ستستمر حتى بعد أن تصمت البنادق، فهناك حوالي 1.5 مليون سوري مثله يعيشون بإعاقات دائمة تسببت بها الحرب، بحسب تقرير يونيسيف في 2018.
وبحسب التقرير، فإنه بعد غارة آذار/ مارس، قامت سيارة إسعاف بأخذ جمعة إلى مستشفى في حلب للعلاج، وقضت عائلته، المكونة منه ومن والديه وأخيه محمد، البالغ من العمر ثلاث سنوات، وأخته الرضيعة ياسمين، عاما في سكن مؤقت في شمال سوريا، مشيرا إلى أن خمسة أشخاص قتلوا في الغارة، وفقد أبوه، الذي كان يعمل مزارعا، أصابع رجليه كلها عدا اثنين، وأصيبت زوجته بشظايا في ذراعيها.
ويورد الكاتبان نقلا عن أم جمعة، قولها: "في البداية لم أصدق أنه ابني، وعندما رأيته بالضمادات وكل شيء قلت إن هذا ليس ابني".
وتذكر الصحيفة أن هناك صديقا قام بمساعدة العائلة للوصول إلى لبنان، سعيا للحصول على علاج أفضل لعيني جمعة؛ أملا في أن يرى بعينيه يوما ما، مستدركة بأن الحياة في بيروت صعبة، وتعيش العائلة في شقة كئيبة، تتألف من غرفتين، حيث يقوم جارهم بالطرق بصوت عال على الجدران، وتنقطع الكهرباء باستمرار، و"من الواضح أن الأطفال في حالة عصبية سيئة".
وينقل التقرير عن الأب، قوله: "يصاب جمعة بالملل، ويطلب مني دائما أن أخرج به للخارج.. وإن قلنا له لا تفعل هذا أو لا تلمس هذا يمكن أن يصبح عدوانيا ويبدأ برمي الحاجات من النوافذ، أو يطرق على الأبواب".
ويقول الكاتبان إن العائلة قليلا ما تغادر الشقة، فكونهم أكرادا من منطقة نائية، ولا يتحدثون اللغة العربية إلا قليلا، فهم لا يستطيعون التواصل مع اللبنانيين، وحتى في كثير من الحالات مع غيرهم من اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى أن الأبوين لا يستطيعان القراءة.
وتبين الصحيفة أنه في المناسبات القليلة التي يخرجون فيها، فإنه يكون على العائلة أن تتعامل مع ردود فعل الناس تجاه وجه جمعة المشوه، مشيرة إلى قول عبد القادر: "طبعا يزعجنا، الناس يشفقون علينا، ومن الصعب عليهم أن يروا ذلك.. لكن ماذا علي أن أفعل، إنه ابني ولن أغطيه".
وينوه التقرير إلى أن الحكومة اللبنانية تشجع المهاجرين على العودة إلى بلدهم، بالرغم من تحذيرات الأمم المتحدة، وأعلنت في أيار/ مايو أن أي شخص وصل بطرق غير عادية بعد 24 نيسان/ أبريل هذا العام ليس لاجئا، ورحلت إلى الآن 2731 شخصا.
ويورد الكاتبان نقلا عن لما فقيه من "هيومان رايتس ووتش"، قولها هذا الأسبوع: "لبنان يضع السوريين في خطر كبير من خلال إعادتهم إلى البلد الذي فروا منه، وتسليمهم لحكومة مسؤولة عن جرائم جماعية".
وتقول الصحيفة إن عائلة عبد القادر آمنة من مثل هذا المصير نظريا، فوصل أفرادها في شهر شباط/ فبراير، قبل شهرين من تاريخ القطع، ويأملون أن يبقوا ويجدوا طبيبا يعالج جمعة، والبحث إن كان بالإمكان إعادة بعض الرؤية له، إلا أن تكاليف العلاج في لبنان باهظة.
وبحسب التقرير، فإنهم ليس لديهم الكثير للتطلع للمستقبل، بالإضافة إلى أنه تم إخبارهم بأن البيت الوحيد الذي بإمكانهم العودة إليه في سوريا تمت سرقة محتوياته والاستيلاء عليه.
وتختم "التايمز" تقريرها بالقول إنه على أي حال فإن فكرة العودة مخيفة، ويقول عبد القادر: "نريد أن نعيش حياة جيدة.. ونريد أن نبتعد بأكبر قدر ممكن عن المكان الذي حصل فيه هذا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: هل يمكن لتركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد؟
مونيتور: الغارات على سوريا ولبنان والعراق رسالة لسليماني
التايمز: لهذه الأسباب أرسلت إسرائيل طائرات مسيرة إلى بيروت