نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية بيشا ماجد، تقول فيه إنه مع استقرار البلاد بالكاد بعد 16 عاما من الصراع، فإن العراقيين المنهكين من الحرب يخشون اندلاع هجمات جديدة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القوات المدعومة من إيران داخل البلاد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما قامت طائرة مسيرة بقتل عنصرين من قوات الحشد الشعبي يوم الأحد -وألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن بلاده قد تكون خلف الهجوم- كان ذلك المؤشر الأخير من العراقيين المتعبين من الحرب بأنه لا يمكنهم الاستراحة، ففي الوقت الذي بدأ فيه العراقيون الوقوف على أرجلهم ثانية أصبحت العراق ساحة حرب للأجانب.
وتلفت ماجد إلى أن قوات الحشد الشعبي هي عبارة عن مزيج من الكتائب شبه العسكرية، كثير منها مرتبط بإيران، ساعدت على طرد تنظيم الدولة في أواخرا عام 2017. ومنذ ذلك الحين ورئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، وبضغط من أمريكا، يحاول دمج تلك القوات في الجيش العراقي؛ أملا في أن تستقر البلد أخيرا بعد أن مزقتها الحرب على مدى 16 عاما من الصراع منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
وتستدرك المجلة بأن إسرائيل الآن، في إشارة إلى أن نتنياهو يصعد بشكل كبير مع إيران، تبدو مستعدة للقيام بعمليات في العراق، لأول مرة منذ أن قامت بقصف مفاعل أوسيراك النووي عام 1981، لافتة إلى أن أمريكا، التي اتخذت موقفا أكثر تصلبا تجاه إيران تحت حكم الرئيس دونالد ترامب، أشارت إلى أنها تدعم الحملة الأوسع ضد العناصر المدعومة إيرانيا في العراق وسوريا ولبنان.
ويجد التقرير أنه من خلال استهداف إحدى أقوى المجموعات في العراق، فإن الضربة تهدد استقرار الحكومة العراقيةـ وتجعل الموازنة والحياد بين امريكا وإيران صعبا جدا، مشيرا إلى أن العراقيين يعلمون أنهم لا يستطيعون إلا فعل القليل، إلا أن ذلك لا يقلل من غضبهم ويأسهم.
وتنقل الكاتبة عن الزميلة في المركز الدولي لدراسات التطرف في جامعة كنغز في لندن، إنا ردولف، قولها: "لقد وجد هناك مزاج عام بين الشعب العراقي وشيء من الضجر من التدخل الأجنبي، سواء كان الأمريكي أم الإيراني.. وأعتقد أن من المهم للمسؤولين الأمريكيين أن يتابعوا عن كثب خطاب الشعب العراقي، وألا يقللوا من شأن هذا التركيز على السيادة العراقية".
وتقول المجلة إن "هذا القصف قد يؤدي إلى إضعاف حكومة مهدي، خاصة إن قررت قوات الحشد الشعبي الرد بضرب أهداف أمريكية أو حتى إسرائيليةـ فمهدي لا يستطيع أن يتحدى أمريكا أو إسرائيل، لكنه يعتمد على قوات الحشد الشعبي للحفاظ على موقعه في السلطة، فالمجموعة حصلت على المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية، وأيدت الائتلاف الذي جاء بمهدي للرئاسة".
ويفيد التقرير بأنه من الناحية السياسية، فإن الوضع يصبح أقل استقرارا مع كل هجوم جديد على الأراضي العراقية، فقبل خمسة أيام من الضربة يوم الأحد في القائم بالقرب من الحدود السورية، كانت هناك غارات استهدفت موقعا لقوات الحشد الشعبي، بالقرب من قاعدة بلد الجوية شمال بغداد، وتسبب الهجوم بانطلاق الصواريخ المخزنة في الموقع إلى القرى القريبة، ما اضطر المزارعين للهروب من بيوتهم، مشيرا إلى أنه قبل أسبوع من ذلك وقع انفجار غامض في مخزن أسلحة تابع لقوات الحشد الشعبي في بغداد، متسببا بحريق كبير ومقتل شخص وجرح حوالي 29، فيما سقطت قذيفة من الجو في أواخر تموز/ يوليو وسط مخزن أسلحة تابع لقوات الحشد الشعبي، متسببة بانطلاق الدخان منها ومقتل مهندسين إيرانيين.
وتنوه ماجد إلى أن نتنياهو ألمح بعد تلك الهجمات في عدة مقابلات بأن إسرائيل تقف خلفها، فردا على سؤال من القناة الإسرائيلية التاسعة حول ما إذا كانت إسرائيل ستتحرك ضد أهداف إيرانية في العراق، فإن نتنياهو قال: "نعمل في أكثر من مكان ضد دولة تسعى إلى القضاء علينا.. فطبعا منحت قوات الأمن حرية الفعل، وأصدرت تعليماتي لهم لفعل ما هو لازم لإحباط خطط إيران"، بالإضافة إلى أن مسؤولين أمريكيين أكدوا في مقابلات مع "نيويورك تايمز"، دون ذكر أسمائهم، في 22 آب/ أغسطس، مسؤولية إسرائيل.
وتذكر المجلة أن الهجمات وقعت في العراق بالتزامن مع هجمات في لبنان وسوريا، استهدفت المجموعات المدعومة من إيران، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي قد يظهر فيه هذا التصعيد مفاجئا للمراقبين الخارجيين، إلا أنه يأتي بعد أشهر من التوتر المتزايد بين أمريكا وإيران، ويتزامن مع التحضير للانتخابات الإسرائيلية التي يواجه فيها نتنياهو معارضة شديدة.
ويورد التقرير نقلا عن الزميل غير المقيم في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط حارث حسن، قوله: "لبنيامين نتنياهو مصلحة في تصعيد الوضع الآن حيث يذهب للانتخابات.. ويعتقد أن المزيد من الاستقطاب سيساعده على طرح نفسه بأنه الشخص الذي يدافع عن إسرائيل ضد أعداء كثر".
وتقول الكاتبة إن الهجمات في العراق أصابت عقدة توتر سياسي يتنامي على مدى أشهر، في الوقت الذي يكافح فيه البلد لموازنة المصالح المتضاربة لأمريكا وإيران مع إبقاء الحياد، مشيرة إلى أن القصف في العراق جاء بعد أن فرضت أمريكا عقوبات ضد عدد من قيادات قوات الحشد الشعبي البارزين، وتحذير وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من أن موت حتى جندي أمريكي واحد سيتسبب برد عسكري.
وتشير المجلة إلى أن هجمات الطائرات المسيرة استهدفت بشكل عام مخازن الأسلحة، التي يشك بأنها تحتوي على أسلحة إيرانية، وتسيطر عليها قوات الحشد الشعبي التي تربطها علاقات بإيران، لافتة إلى قول حسن: "لا يمكن أن أتخيل أن الإسرائيليين أقدموا عليها (الغارات) دون استشارة الأمريكيين".
ويلفت التقرير إلى أن واشنطن مارست على مدى الأشهر القليلة الماضية ضغوطا على الحكومة العراقية لجلب قوات الحشد الشعبي تحت السيطرة الحكومية تماما، وأصدر مهدي مرسوما في بداية تموز/ يوليو أعلن فيه أن مع قوات الحشد الشعبي مهلة شهر واحد حتى تندمج في القوات العراقية المسلحة.
وتنقل ماجد عن المحلل العراقي حسن، قوله إن الزعيم الرسمي لقوات الحشد الشعبي فالح الفياض يدعي أنه يرحب بالدمج، ولكن تلك الكتائب تحاول الاحتفاظ باستقلاليتها، وأضاف: "قادة تلك الفصائل.. يريدون الاستفادة من العلاقة مع الحكومة.. لكن في الوقت ذاته لا يريدون أن يكون الدمج بالقوة التي تجعل تلك القوات خاضعة للتسلسل القيادي (للجيشٍ)".
وتنوه المجلة إلى أن قوات الحشد الشعبي عام 2014 تكونت من خليط من المليشيات الشيعية التي دعا لتشكيلها آية الله علي السيستاني لمحاربة تنظيم الدولة، وأدت هذه القوات دورا في تحرير المدن العراقية، واعتمد هذا الخليط بعد هزيمة تنظيم الدولة من المنظمات شبه العسكرية على الأنشطة الاقتصادية والسياسية.
ويورد التقرير نقلا عن الباحثة في مركز "تشاتام هاوس" في لندن ريناد منصور، قولها: "بشكل عام اكتسب الحشد شيئا من النفوذ والسلطة، وأعلم أن هناك مخاوف بالذات في أمريكا بأن الحكومة الحالية في العراق غير قوية بما فيه الكفاية لمقاومة الحشد".
وتؤكد الكاتبة أنه برغم مرور المهلة التي سمح بها مرسوم مهدي في نهاية تموز/ يوليو، إلا أن الفصائل داخل الحشد الشعبي رفضت تسليم مواقع أمنية رئيسية، مشيرة إلى أن هناك قلقا بأن قوات الحشد الشعبي ستستمر في عملها خارج التسلسل القيادي للجيش.
وتقول منصور للمجلة: "المشكلة هي أن الأمريكيين لا يعتقدون أن الحكومة العراقية الحالية قادرة، أو كما يعتقد بعض الأمريكيين، مستعدة للقيام بفعل تجاه الحشد.. وهذا مبعث قلق كبير".
وتنوه المجلة اعتقاد حسن أن أمريكا ستستخدم الغارات للدفع ووضع حدود أكبر لنفوذ قوات الحشد الشعبي، فقال: "أفترض أن الأمريكيين سيحاولون التوصل إلى نوع من التبادل، مثل أن يقولوا حسنا سنفعل ما بوسعنا مع الإسرائيليين وعليكم أن تفعلوا ما بوسعكم مع الحشد الشعبي، وإن لم يكن بإمكانكم السيطرة على قوات الحشد الشعبي لا نستطيع أن نسيطر على الإسرائيليين عندما يعدون أفعال وعمليات ونشر قوات الحشد الشعبي تهديدا لهم".
ويبين التقرير أن تصريحات مهدي حول الانفجارات قد صيغت بحذر لشجب الهجمات ذاتها دون توجيه اللوم إلى دولة أو كيان، وقال في بيانه بعد الهجوم يوم الأحد على القائم إنه "يشجب هذا الخرق العدواني الفاضح للسيادة العراقية"، لكنه تردد في توجيه الاتهام لأي بلد بالذات بالقيام بالهجوم.
وتذكر ماجد أن زعيم قوات الحشد الشعبي الحقيقي أبا مهدي المهندس، أصدر بعد الهجوم على قاعدة بلد الجوية بيانا، حمل فيه مسؤولية الهجوم لأمريكا وإسرائيل، وقال إنه سيحمل القوات الأمريكية نتيجة ما سيحصل من ذلك اليوم، ثم تبعت تصريح المهندس بيانات متضاربة لزعيم الحشد الشعبي فياض، فقال إن التحقيقات جارية في من يتحمل مسؤولية الهجمات، وبأن المهندس لا يمثل الرأي الرسمي للحشد، وأضاف أن الحشد ستمارس الضغط على تلك القيادات كلها لتضع حدا للغارات، وإن لم تستطيع فإن الحشد ستدفع نحو تغيير في السلطة، أو في أسوأ الأحوال تبدأ هجماتها الخاصة بها.
وتستدرك المجلة بأن مهدي فشل إلى الآن في وقف الهجمات، مشيرة إلى أن كثيرا من العراقيين ينتقدون كلا من واشنطن وطهران لتدخلهم في الشؤون العراقية، لكن بعض العراقيين ينتقدون علاقة الحشد الشعبي بإيران، فتقول منصور: "إذا استمر الأمريكيون في ضرب الحشد فإن العراقيين، حتى الذين بدأوا في انتقاد الحشد، سيقولون: (لماذا يضرب الأمريكيون العراق؟)".
ويجد التقرير أنه "كلما استمرت الهجمات يصبح من الصعب على مهدي البقاء محايدا دون أن يظهر ضعيفا، وسيكون من الأصعب له أن يتجنب شجب إسرائيل دون فقدان ماء وجهه، وبعد هجوم الطائرات المسيرة أطلقت الكتلة البرلمانية التي تمثل الحشد تصريحات قوية حملت فيها أمريكا المسؤولية عن الهجمات، ودعت لانسحاب القوات الأمريكية من العراق".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول حسن من كارنيغي بأن المزيد من الهجمات سيزيد من إحراج الحكومة العراقية، فلا يمكن أن تستمر تلك الهجمات وتبقى الحكومة صامتة، لكنه قال إنه لا يعتقد أن أيا من الأمريكيين أو الإيرانيين يريدون أن تخرج هذه المناوشات عن السيطرة وتتحول إلى حرب مفتوحة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: هل يكون العراق الجبهة الجديدة لنزاع إسرائيل ضد إيران؟
MEE: طائرات إسرائيلية ضربت الحشد الشعبي بمخطط سعودي
"البايس": هذه تفاصيل "الحرب الإسرائيلية- الإيرانية" بالعراق