في الوقت الذي شكل فيه ترشيح الشيخ والقاضي السابق والمحامي عبد
الفتاح مورو، من قبل حزب
النهضة لخوض
الانتخابات الرئاسية، مفاجأة في الأوساط
العربية والدولية إلا أن الأمر لم يكن كذلك في أروقة مجلس شورى حزب النهضة الذي
كان قد حسم الأمر بأغلبية مريحة في السادس من آب/ أغسطس الجاري. لكن:
ماذا
جرى في كوليس النهضة؟
وما
هو الشيء الذي استجد حتى تبدل النهضة موقفها؟
وما
هي حظوظ الشيخ مورو الانتخابية؟
1- ماذا جرى في كواليس النهضة؟
اجتمع
مجلس شورى حزب النهضة يوم الثالث من آب/ أغسطس الجاري بحضور 89 عضو من أصل 150
عضو، وبغياب بلغ 61 عضو بسبب السفر وإجازات الصيف، حيث إن وفاة القائد السبسي فرضت
نفسها على رزنامة الانتخابات الرئاسية المبكرة في
تونس. ناقش مجلس الشورى المجتمع
الخيارات التي تقدم بها المكتب التنفيذي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، وموقف حركة
النهضة منها. وكان المكتب التنفيذي قد طلب رأي مجلس الشورى بترشيح شخص من داخل
النهضة أو دعم مرشح من خارج الحركة.
كان
الشيخ راشد الغنوشي قد ألمح في أكثر من مناسبة إلى أنه مع التوجه في اختيار مرشح
من خارج النهضة، وقال في تصريح سابق له إنه "يبحث عن العصفور النادر"،
ويعتبر أن
الرئاسة ورقة يجب استثمارها لتعزيز التوافق وحماية المسار الديمقراطي
وتحقيق التوافق الذي يعبر بتونس إلى مرحلة الأمان في التحول الديمقراطي. وكان
الحديث والتهامس يدور عن دعم الشيخ راشد لرئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد (عن
حزب تحيا تونس) المنشق عن حزب نداء تونس، والذي بدأت تتسرب أخبار عن نيته الترشح
لموقع الرئيس مبكرا، وقبل رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي.
اتخذ
مجلس الشورى قرارا لم يكن يتوقعه المتابعون للمشهد التونسي، إذ انحاز أعضاء الشورى
إلى ترشيح شخص من داخل النهضة، بواقع 45 صوتا، في حين صوت 44 عضوا لصالح دعم مرشح
من خارج النهضة، وهو الخيار الذي كان يدعمه ويتبناه الشيخ راشد الغنوشي.
ونظرا
للتقارب في الأصوات، اعتبر مجلس الشورى نفسه في حالة انعقاد دائم حتى مزيد من
التدارس والمشاورات لاتخاذ القرار وتحقيق الأغلبية المريحة حول أي من هذه
الخيارات. خلال تلك الفترة كان الشيخ راشد الغنوشي يسبر ردود فعل القوى المؤثرة في
المشهد الداخلي والخارجي، ليدخل إلى مجلس الشورى يوم 6 آب/ أغسطس ويعلن، بحكم
الصلاحيات الممنوحة له وبناء على قرار مجلس شورى النهضة السابق بترشيح شخص من داخل
الحركة، ترشيحه الشيخ عبد الفتاح مورو لمنصب رئيس الجمهورية، ليحصد التنسيب موافقة
98 عضوا، فيما امتنع ثلاثة أعضاء عن التصويت, وبذلك جاء القرار بأغلبية مريحة،
وذهبت حركة النهضة شبه موحدة للانتخابات التشريعية والرئاسية.
الأطراف
القريبة من الشيخ راشد الغنوشي ترى أن الشيخ تنازل عن رأيه في مسألة دعم مرشح من
خارج النهضة، لرغبته في عدم التغول على قرار مجلس الشورى، ولإنهاء حالة التململ
الذي أصاب قواعد حركة النهضة من قرارات المكتب التنفيذي الخاصة بقوائم الانتخابات
التشريعية، وما رافقها من عدم رضى، إضافة إلى رصده ردات الفعل في الساحة المحلية،
وخصوصا اتحاد الشغل الذي لا يجد في الشيخ مورو شخصية مستفزة، وكذلك عدم ورود أي
تحفظ من الأطراف المؤثرة دوليا في المشهد التونسي على شخصية الشيخ عبد الفتاح
مورو. كما أن الشيخ راشد رغب أن تخوض النهضة الانتخابات البرلمانية، وهي
الانتخابات المؤثرة وصانعة السلطة الحقيقية في البلاد، هي موحدة الصف، حيت إن أكثر
من 85 في المئة من الصلاحيات التنفيذية هي بيد الحكومة المنبثقة عن البرلمان.
2- دوافع قرار شورى النهضة
في
الوقت الذي تعيش فيه حركات الإسلام السياسي في جميع بلدان العالم العربي هواجس جرح
التجربة المصرية، جاء قرار النهضة التونسية لينكأ جراح الإسلام السياسي ويثير
تخوفاته من إعادة تكرار التجربة المصرية بكل تفاصيلها وحيثياتها. وإن كان حزب
النهضة يعلن أنه غادر مربع الإسلام السياسي إلى مربع الإسلام الديمقراطي، إلا أنه
يبدو أن للنهضة حسابات وظروفا أخرى نجملها بالتالي:
- يرى
شورى حركة النهضة أن المنصب الرئاسي في تونس هو منصب بروتوكولي شرفي، يملك أقل من
15 في المئة من السلطات الفعلية في البلاد، وأنه بذلك يختلف عن النموذج المصري
الذي تتركز كل السلطات التنفيذية فيه بيد الرئيس. إذ إن النظام السياسي في تونس هو
نظام هجين بين نظام برلماني ونظام رئاسي منزوع السلطات التنفيذية المؤثرة.
- كما
أن التجربة التونسية الديمقراطية مضى عليها تسع سنوات، وهي مدة كافية لترسيخ قواعد
اللعبة السياسية لتقبل مرشحا بمكانة الشيخ عبد الفتاح مورو، صاحب الكاريزما
المقبولة من جميع أطراف اللعبة السياسية الداخلية، والذي يمتاز بالاعتدال والقبول
من الجميع.
- لم
ترد للنهضة أي تحفظات دولية على ترشح شخص من داخلها لمنصب الرئاسة؛ من الأطراف
الإقليمية المؤثرة في المشهد التونسي (أمريكا فرنسا والجزائر).
- كما
أن قوى الثورات المضادة غير مؤثرة في الساحة التونسية، وهي لم تعد تعمل بذات
الدافعية التي كانت تعمل بها بعد ثورات الربيع العربي مباشرة.
- كما
يرى شورى النهضة أن الجيش التونسي مؤسسة مختلفة عن جيوش الدول الأخرى. فالجيش
التونسي مؤسسة بعيدة عن السياسية، ولم تكن يوما من الأيام جزءا من المشهد والعملية
السياسية. ويعود ذلك إلى المبادئ التي أرساها الحبيب بورقيبة، حتى أن ابن علي
عندما استولى على السلطة جاء من الداخلية ولم يأت من الجيش. كما أن الجيش التونسي
يؤكد دائما أنه يعمل بعيدا عن السياسية ولا يرغب في اقتحامها.
- شورى
النهضة يرى أن من الحكمة السياسية ترشيح شخص من داخل الحركة بعد تقديم موعد
الانتخابات الرئاسية، بسبب رحيل الباجي السبسي الذي غير رزنامة الاستحقاقات
الانتخابية في تونس، مما يجعل ترشح شخص من داخل النهضة تقوية لحظوظها في
التشريعية، بالاستمرار في الإمساك بورقة الرئاسة لتعزيز فرص التفاوض وعقد الصفقات
السياسية في تشكيل الحكومة ورئاسة المجلس التشريعي، خاصة أن الانتخابات الرئاسة
غالبا سوف تذهب للدور الثاني، والذي سيكون بعد الانتخابات التشريعية.
3- حظوظ النهضة في الرئاسة
أشارت
مجلة لوبان الفرنسية، بعد يوم من إعلان ترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو، إلى استطلاع
رأي أجرته حركة النهضة في تونس واستهدف عينة من 4000 تونسي من مختلف المناطق
التونسية؛ أعطى النهضة تفوقا متواضعا في الانتخابات التشريعية على باقي الأحزاب
والقوى السياسية، حيث إنها ستحصل على 23 في المئة من أصوات الناخبين، في حين ستحصل
قوائم نبيل القروي، والذي يحسبه البعض على بقايا نظام ابن علي، على 15 في المئة من
أصوات الناخبين.
يبدو
أن حظوظ الشيخ عبد الفتاح مورو ستكون جيدة في الجولة الأولى، إذ يُتوقع أن يحصد
مورو ذات الكتلة التصويتية التي تمنحها استطلاعات الرأي لحزب النهضة في الانتخابات
التشريعية، أي أن يمكن أن يحصد 25 في المئة من الأصوات الرئاسية في الجولة الأولى،
مما سيمنحه فرصة كبيرة في الصعود إلى الدور الثاني. لكنه بكل تأكيد سيكون عاجزا عن
حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى في ظل ترشح حمادي الجبالي، أول رئيس
للحكومة عن حزب النهضة بعد الثورة، والذي غادر حزب النهضة في 2015، أيضا مع ترشح
المنصف المرزوقي، أول رئيس منتخب بعد الثورة، والذي صعد للجولة الثانية في
الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2014) وحصل على 39 في المئة من أصوات التونسيين،
بمواجهة الرئيس التونسي الراحل قايد السبسي.
تدرك
النهضة أن حصتها في الانتخابات التشريعية لن تمنحها أريحية في تشكيل حكومة نهضوية،
وأن البرلمان سيكون برلمانا معلقا تعجز فيه كل الأحزاب عن تشكيل حكومة بمفردها،
وسيكون خيار الحكومة الائتلافية هو الخيار الوحيد الموجود على الطاولة.
تعلم
حركة النهضة أن جميع السلطات التنفيذية هي بيد الحكومة المنبثقة عن البرلمان، وأن
المعركة الانتخابية الحقيقية هي على مقاعد المجلس التشريعي لا على كرسي الرئاسة،
رغم أهمية الصلاحيات الممنوحة للرئيس. كما تدرك النهضة أن القوى السياسية جميعها
تعاني بعد أن عجزت عن تحقيق أي تقدم في الملفات التي تمس حياة الناس مباشرة، وأنها
بحاجة إلى سلطات تنفيذية حقيقية بيدها حتى تستطيع ترميم صورتها وجدية مشروعها على
النهوض بالواقع التونسي.
شورى
النهضة أراد من ترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو تحقيق عدة مكتسبات سياسية، فاستخدم
ورقة الترشح للمنصب الرئاسي ورقة قوية لإجراء المفاوضات على تشكيل الحكومة ورئاسة
المجلس التشريعي بعد انتهاء الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/ أكتوبر القادم.
كما أرادها ورقة لتحقيق التوازن في حالة الفوز بمقعد الرئاسة؛ إذا لم ينجح
البرلمان القادم (المتوقع أن يكون برلمانا معلقا) في تشكيل حكومة ائتلافية،
وبالتالي الذهاب إلى خيار الانتخابات المبكرة كما ينص الفصل 89 من الدستور التونسي.
وهواجس
الهيمنة على كل مفاصل الدولة من حزب النهضة غير واردة لدى خصوم النهضة، من خلال
النتائج التي تعطيها استطلاعات الرأي، والتي لا تعطي الأغلبية في المجلس التشريعي
لأي من القوى والأحزاب السياسية. فالتوافق سيكون هو سيد الموقف، لذلك تريد النهضة
أن تكون لها اليد العليا في هذه التوافقات والصفقات السياسية.