1- شهيد.. وأزمة قلب الرئيس
رحم الله الشهيد المهدي الزمالي، وهو مهندس مساعد انتُدِب حديثا في شرطة البيئة، اختطفته يد الغدر صبيحة 27 حزيران/ يونيو الماضي، في عملية إرهابية بقلب العاصمة التونسية، قرب سيارة شرطة في مفترق نهج شارل ديجول وشارع الحبيب بورقيبة.
بعد لحظات من التفجير الأول، كان خبر ثان عن عملية إرهابية أخرى استهدفت الباب الخلفي لمقر شرطة القرجاني بالعاصمة.
وفيما الناس يتحسسون "جسد" البلاد وسلامة أهلها، نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية خبرا عن "تعرّض رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي لوعكة صحيّة حادة استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري بتونس".
هل كان التزامن عاديا أم كان مرتبا مُسبقا؟ هل ثمة جهات داخلية وخارجية تعمل على إحداث هزة أمنية ونفسية في البلاد لتحقيق أهداف سيئة في زمن سياسي مهم بالنسبة للتونسيين، وهم يستعدون لانتخابات تشريعية يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر القادم وانتخابات رئاسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر؟
هل ثمة جهات داخلية وخارجية تعمل على إحداث هزة أمنية ونفسية في البلاد لتحقيق أهداف سيئة في زمن سياسي مهم بالنسبة للتونسيين، وهم يستعدون لانتخابات؟
إن ما قد يسمح باستنتاج وجود نوايا سيئة هو إسراع بعض وسائل إعلام عربية إلى
إعلان "وفاة" الرئيس التونسي، تزامنا مع تهويل الحادثتين الإرهابيتين.
معلوم أن رئيس الجمهورية هو من سيدعو إلى
الانتخابات، وسيكون ذلك قبل 6 تموز/ يوليو القادم، ووفاته (لا قدر الله) أو عجزه عن أداء مهامه يعنيان الدخول في مسار آخر؛
تتأجل بمقتضاه الانتخابات في انتظار حل مشكلة الشغور (الوقتي أو الدائم)، وفق ما ينص عليه الدستور.
2- تنقيحات القانون الانتخابي أو زرع الألغام
قبل هذه الحوادث كانت البلاد قد دخلت في طقس سياسي ساخن بسبب تعديل البرلمان التونسي للقانون الانتخابي، حيث صادق النواب بموافقة 124 صوتا؛ على التنقيح في الفصل "20 مكرر" الذي ينص على أنّه "لا يقبل الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص أو قائمة تبيّن للهييئة قيامه أو استفادته خلال الـ12 شهرا التي تسبق الانتخابات؛ بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم عدد 87 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، على الأحزاب السياسية أو مسيريها، أو تبيّن قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي، كما يعرّفه الفصل 2 من المرسوم 116 لسنة 2011".
كما تمت المصادقة بـ123 صوتا على القانون المتعلق بمنع من الترشح "كل مرشح يمجد سياسات الديكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان، وكل من يثبت استخدامه لخطاب لا يحترم الدستور ويهدد النظام الجمهوري ويدعو للعنف والتمييز"، وهو فصل يخص الترشح للانتخابات الرئاسية.
ثمة من رأوا أنفسهم معنيين بهذه التنقيحات، واعتبروا أنفسهم مقصودين بالإقصاء، منهم صاحب قناة نسمة نبيل القروي؛ الذي أعلن عزمه الترشح للرئاسة، وهو المقصود بالاستفادة من الأعمال الخيرية كونه صاحب جمعية "خليل" التي توزع المساعدات وتبثها على الهواء مباشرة في قناته.
رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، معنية أيضا بهذه التنقيحات، فهي التي لا تخفي عداءها لحركة النهضة، وتتوعد باستئصال مناضليها وإعادتهم إلى السجون ومحاكمة قادتها وحل حزبهم، وهي المقصودة بتمجيد الاستبداد وبرفض المسار الديمقراطي.
جمعية "عيش تونسي" التي تترأسها ألفة التراس هي في مرمى هذه القوانين؛ لكونها جمعية تتخفى تحت شعار ثقافي لتتسرب إلى عالم السياسة، بل وإلى الحياة الخاصة للمواطنين، من خلال عمليات الاتصالات الهاتفية بهم وفتح حوارات مباشرة معهم. وقد تساءل مراقبون عن مصادر حصول الجمعية على أرقام هواتف المواطنين المُستجوبين.
هذه التنقيحات كما لاقت ترحيبا في صفوف أنصار خطاب الثورة، لاقت أيضا رفضا في صفوف عدد من دعاة الديمقراطية وعدد من الحقوقيين، بل وحتى بعض المعروفين بالثورية
ألفة التراس لها علاقات بشخصيات نافذة في الداخل والخارج، وزوجها هو الصديق الشخصي للرئيس الفرنسي الحالي ماكرون، وهذا ما يجعل عددا من المتابعين للشأن التونسي لا يُخفون انزعاجهم من مثل هذه الجمعية (عيش تونسي) ومن يقف وراءها في الداخل والخارج.
هذه التنقيحات كما لاقت ترحيبا في صفوف أنصار خطاب الثورة، لاقت أيضا رفضا في صفوف عدد من دعاة الديمقراطية وعدد من الحقوقيين، بل وحتى بعض المعروفين بالثورية، مثل النائب ياسين العياري، ابن الشهيد العسكري الطاهر العياري، إضافة طبعا إلى من يجدون أنفسهم مستهدفين بتلك الإجراءات.
51 نائبا أمضوا على عريضة اعتراض على تلك التنقيحات، وهو ما يسمح قانونا بتعطيلها حاليا، في انتظار مرورها بإجراءات أخرى تمنع نشرها بالرائد الرسمي لتكون سارية المفعول.
3- وعي التونسيين وفخرهم
التونسيون أبدوا هدوءا كبيرا وتعاملوا مع الأحداث بوعي عال وببرودة أعصاب عاقلة، فلم ينقادوا إلى التهويل الإعلامي، سواء في ما يتعلق بالعمليتين الإرهابيتين، أو في ما يتعلق بصحة الرئيس وإشاعة خبر وفاته.
أبدى أغلب التونسيين نضجا سياسيا ورقيا أخلاقيا حين تساءلوا إن كان الإرهابيون يشتغلون وفق أجندات سياسية، وحين تعاطفوا مع رئيس الجمهورية وأكدوا أنه رئيسهم الشرعي المنتخب
أبدى أغلب التونسيين نضجا سياسيا ورقيا أخلاقيا حين تساءلوا إن كان
الإرهابيون يشتغلون وفق أجندات سياسية، وحين تعاطفوا مع رئيس الجمهورية وأكدوا أنه رئيسهم الشرعي المنتخب، وأنه كان وما زال الضامن للانتقال الديمقراطي، ولمنع كل محاولات الانقلاب، وكل إغراءات الداخل والخارج بإيقاف التجربة الديمقراطية.
ما يفخر بها التونسيون اليوم هو أن بلادهم لم تكن ولن تكون حاضنة للإرهاب وقد هزمته في ملحمة بن قردان يوم 7 آذار/ مارس 2016، حين تصدى المواطنون بصدور عارية للإرهابيين، ملتحمين بقوى الأمن والجيش الوطني، كما يفخر التونسيون بأن رئيس دولتهم لم يغادر أرض الوطن ليعالج في المستشفيات الأوروبية، وإنما اختار أن "يُسلّم" قلبه لأطباء من أبناء شعبه؛ يتولون علاجه، وهو مطمئن إلى أنهم وطنيون إنسانيون وذوو كفاءة عالية.