بورتريه

أبو الفتوح.. ينتظر مصير مرسي بـ"القتل البطيء" (بورتريه)

أبو الفتوح

يرفض أن يحسب على تيار "الإسلام السياسي"، داعيا إلى فصل العمل "الدعوي" عن العمل الحزبي والمنافسة على السلطة.

رجل طيب الخلق، دمث الأخلاق، كما يقول من خبروا الرجل وعرفوا سيرته عن قرب.

البعض يؤكد أنه "ليبرالي إسلامي"، منفتح، خارج عن منظومة التيار الإسلامي التقليدي المحافظ، وصاحب "مشروع نهضة" مغاير لمشروع جماعة " الإخوان المسلمين".

ينتقده الكثيرون بأنه بقي في المنطقة المحايدة بين المعسكرات والتيارات والقوى المختلفة، ولاؤه بقي دائما لمنطقة رمادية حذرة وكتومة، فهو ابن "الجماعة" ثم وقف ضد مرشحهم محمد مرسي وساند الحملة ضد "الرئيس الشرعي".

بالنسبة للإعلام المصري الرسمي فهو يخفي انتماءه وولاءه لهذه "الجماعة الإرهابية" تحت قناع خادع.

عبدالمنعم أبو الفتوح المولود في القاهرة عام 1951 والحاصل على بكالوريوس طب "القصر العيني"، وماجستير إدارة المستشفيات من كلية التجارة في "جامعة حلوان"، حُرم من التعيين بسبب نشاطه السياسي، واعتقل عام 1981 بسبب موقفه الرافض لمعاهدة "كامب ديفيد" ولسياسات الرئيس الراحل محمد أنو السادات.

تميز بنشاطه الطلابي أثناء دراسته الجامعية فكان طالبا فصيحا شجاعا، فشغل منصب رئيس اتحاد كلية طب القصر العيني التي كانت في ذلك الوقت رائدة في العمل الإسلامي، ثم أصبح بعد ذلك رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة.

انضم في فترة دراسته الجامعية إلى "الإخوان المسلمين" وشغل فيما بعد منصب عضو مكتب الإرشاد ما بين عامي 1987 و2009.

اعتقل في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وسجن لمدة خمس سنوات لنشاطه السياسي، وكانت فرصة له للحصول على بكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة.

عقب تخرجه شغل العديد من المناصب السياسية والنقابية، مثل منصب أمين عام "نقابة أطباء مصر" ومنصب أمين عام "اتحاد الأطباء العرب"، وامتد عمله العام إلى العمل الإغاثي والإنساني من خلال رئاسته للجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب.

عقب ثورة إسقاط مبارك أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 وقوبل القرار بالترحيب من بعض القوى السياسية إلا أنه لاقى اعتراضا من قبل مكتب إرشاد "الإخوان المسلمين"، فكانت الانتخابات نقطة الطلاق الرسمي بينه وبين "الجماعة".

نجح أبو الفتوح في تشكيل ائتلاف متنوع التوجهات لدعمه، فوقفت إلى جانبه مجموعة من الشخصيات "الشبابية الثورية". وحاز أيضا على تأييد العناصر الأكثر محافظة مثل حزب "النور" و"الدعوة السلفية" وانضم كذلك "حزب الوسط" وحزب "البناء والتنمية" الذراع السياسية لـ"الجماعة الإسلامية" إلى مجموعة مؤيديه.

في تلك الفترة أصيب أبو الفتوح في هجوم من قبل ثلاثة من المسلحين أثناء عودته من مؤتمر جماهيري عقده في محافظة المنوفية ما أحدث له ارتجاجا في المخ، لكنه تعافى منه سريعا. وادعى المتورطون أنهم لم يعلموا أنه عبد المنعم أبو الفتوح وأن كل الذي كانوا يقصدونه هو سرقة السيارة.

ترشح للرئاسة ضد مرشح "الإخوان" محمد مرسي، وحل رابعا في انتخابات الرئاسة بجملة أصوات تقترب من أربعة ملايين صوت وبنسبة 18 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى.

وعلى هامش الانتخابات قام بـتأسيس حزب" مصر القوية" وهو من أحزاب "يسار الوسط"، وبالتالي نأى بنفسه عن "الجماعة" منذ ذلك الحين، نافيا أن يكون جزءا من تيار "الإسلام السياسي" الذي "يخلط العمل الديني والدعوي بالعمل السياسي" بحسب قوله.

 

اقرأ أيضا: "مهندس الفضاء" وسيادة الرئيس يدفن بصمت ودون تأبين (بورتريه)

ما لبث حزب أبو الفتوح أن انضم إلى حملة الانتقادات الإعلامية التي ارتفعت ضد رئاسة محمد مرسي، كما أنه شارك في مظاهرات عام 2013 والتي تم توظيفها لإضفاء الشرعية على الانقلاب العسكري، واعتقال الرئيس المنتخب.

لكن أبو الفتوح سرعان ما عاد إلى خطه الأصيل فأدان الانقلاب العسكري على مرسي، وأعرب عن إرادته في المساهمة في العودة إلى المسار الديمقراطي، ورغم ذلك يرى أن ثمة عملية "غسيل دماغ" يقوم بها الإعلام المصري، موضحا أن "هناك فاشية إعلامية ضد كل ما هو ديني".

تصريحاته وضعته بوضوح في معسكر المعارضة لتورط الجيش في السياسة، ومع ذلك لم يلتحق حزب "مصر القوية" بـ"جبهة الدفاع عن الشرعية" التي كان يقودها "الإخوان" للمطالبة بعودة مرسي إلى الرئاسة وإلغاء التدابير التي فرضها الجيش.

ومع كل استحقاق انتخابي، أو استفتاء 2014 حول الدستور الجديد، أو الانتخابات الرئاسية لعامي 2014 و208 أو الانتخابات التشريعية لعام 2015، كان حزب "مصر القوية" يؤكد أن الحل الوحيد هو "المقاطعة".

وضمن خطه الناقد للانقلاب العسكري، يوضح أبو الفتوح في تصريحات صحافية سابقة، أنه لم يكن يتوقع تدخل الجيش، يقول: "قبل يوم واحد من الإطاحة بالرئيس مرسي واختطافه بهذا الشكل المهين، كنت مع أحد القيادات الكبيرة التي استبعدت إمكانية حدوث انقلاب عسكري. لكن ما حدث هو انقلاب عسكري مدعوم بمؤسسات دينية، في الحقيقة لم يحدث انقلاب عسكري فحسب، بل وبالنظر إلى المجازر التي ارتكبت، تحول إلى انقلاب عسكري دموي أيضا، بغض النظر عن من هو المتسبب في هذه المجازر، والمهم أن هناك سلطة سياسية تتحمل المسؤولية".

تصريحاته وضعته في دائرة الاستهداف من قبل السلطة الحاكمة في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة للأجهزة الأمنية بعد يوم واحد من عودته من لندن إثر زيارة أجرى خلالها مقابلة مع قناة الجزيرة، انتقد فيها عبد الفتاح السيسي.

أوقف أبو الفتوح في أحد سجون القاهرة منذ شباط/ فبراير عام 2018 على ذمة التحقيق معه في تهم نفى صحتها، بينها قيادة وإعادة إحياء جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، ومن بين التهم الموجهة إليه الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين "المحظورة".

ونفي أبو الفتوح صحة الأنباء التي نشرت، والتي زعمت أنه التقى بنائب مرشد "الإخوان المسلمين" إبراهيم منير خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة البريطانية لندن قبل اعتقاله.

وقال إنه شارك في "ندوة الإسلام والديمقراطية" بدعوة من معهد "تشاتم هاوس" إضافة لحضور أكثر من مائة باحث وإعلامي.

ومنذ أن اعتقل وحتى اليوم فقد وضع في زنزانة انفرادية، تعرض خلالها لذبحة صدرية كادت أن تودي بحياته، قبل أن يسعف نفسه بنفسه، وفقا لعائلته.

ورغم أن أبو الفتوح يعاني من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري وانزلاق غضروفي، إلا أن الأجهزة الأمنية تواصل الرفض المستمر لخروجه لإجراء الكشف وعمل فحوصات طبية، وتواصل عزله في سجن انفرادي حرم من خلاله من كل شيء، وهو ما تعتبره العائلة "تعمدا للقتل البطيء".

وأعادت وفاة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وهو في قاعة المحكمة، المخاوف بالنسبة لعائلة أبو الفتوح بأن يكون مصيره مثل مصير مرسي وغيره من قيادات الجماعة الذين ماتوا وتعمدت السلطات تدميرهم صحيا ونفسيا وجسديا لإيصالهم إلى مرحلة "الموت البطيء".