ما إنْ اندلعت الاحتجاجات في
سوريا منتصف آذار/ مارس 2011 م، حتى كان لحركة المقاومة الإسلامية (
حماس) موقفٌ متعاطف مع الحراك الشعبي، ودفعت الحركة ثمنا كبيرا بسبب هذا الموقف، وربما دفع جزءٌ كبير من فلسطينيّي سوريا ثمن هذا الموقف أيضا، باعتبار أنّ الحركة تمثل شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، وتُدير عدة مكاتب ونشاطات في مخيم اليرموك، عاصمة الشتات في سوريا، وقد تمّ إغلاق مكاتبها وملاحقة كوادرها من قبل السلطات السورية؛ التي اعتبرت هذا الموقف نكرانا للجميل وللدعم الوفير الذي قدمته الحكومة السورية للحركة على الصعد كافة. ومع دخول الحرب في سوريا مرحلة السلاح الثقيل، اتهِمَت الحركة بضلوعها المباشر بالقتال إلى جانب المعارضة السورية، الأمر الذي زاد من سخط دمشق على الحركة.
وبعد قطع العلاقات بشكل نهائي بين الطرفين، أبقت حركة حماس الباب مفتوحا أمام حزب الله وإيران؛ لعلهما يؤديان دورا ما في إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، إذ تداولت بعض وسائل الإعلام والمواقع مؤخرا خبرا يقول بنجاح الوساطة التي قام بها الجنرال الإيراني قاسم سليماني وحزب الله، بين حماس ودمشق، فيما كتب الإعلامي الإيراني محمد صادق الحسيني، على صفحته في فيسبوك، أنّ حماس عادت إلى دمشق وتمّت إعادة العلاقات بين الطرفين بعد انقطاع دامَ لسنوات طويلة، الأمر الذي سارعت دمشق إلى نفيه نفيا قاطعا، مُعلّلة ذلك بأنّ حماس هي امتداد للإخوان المسلمين ولا يمكن الوثوق بها. وقد تلى هذا البيان بيانٌ آخر من القيادي البارز في حركة حماس نايف الرجوب، الذي نفى هو الآخر في حديث لموقع الخليج أولاين مساعي حركة حماس لإعادة العلاقات مع دمشق، بعدما شنّ هجوما لاذعا على الحكومة السورية، ليعود بعد ساعات ويُدلي بتصريح جديد مفاده أن تصريحاته هذه هي تصريحات شخصية لا تمثل الموقف الرسمي للحركة.
وبناء عليه، لا بد من التنويه إلى النقاط التالية:
أولا، إنّ هذا التضارب في التصريحات الصادرة عن مسؤولي حركة حماس يعتبر أمرا سلبيا جديدا؛ هو الأول من نوعه في تاريخ الحركة، وقد واجه هذا التضارب حملة انتقادات واسعة في الأوساط المناصرة للحركة، ويمكن أن يدل على أنّ الحركة منقسمة على نفسها فيما يخص الملف السوري. فبعض المسؤولين يريدون عودة العلاقات مع دمشق ويرون في ذلك ضرورة، والبعض الآخر لا يريدون ويعتبرون ذلك انتحارا سياسيا. ولا يوجد حتى اللحظة موقف رسمي ثابت يؤكد أو ينفي سعي حركة حماس إلى إعادة العلاقات مع دمشق.
ثانيا، إنّ هذا التضارب في التصريحات لهو انزلاق خطير يؤدي إلى انخفاض شعبية الحركة لدى طرفي الصراع في سوريا، فكثيرةٌ هي الصفحات المحسوبة على الحكومة السورية تهاجم اليوم حركة حماس، بعد الأنباء التي تحدثت عن قُرب التوصل إلى اتفاق بينهما، معتبرةً أن الحركة منخرطة تماما في "المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف سوريا"، وفي المقابل، شنّ عدد من المعارضين السوريين والنشطاء في الخارج هجوما عنيفا على الحركة بعد هذا النبأ، معتبرا ذلك ارتماء في الحضن الإيراني، وقد أبدى بعض المعارضين شماتتهم الكبيرة بالحركة بعدما رفضت دمشق عودة العلاقات مع حماس، وقد صرّحوا بذلك في مواقع التواصل الاجتماعي.
ثالثا، مطلوبٌ من الحركة اليوم توخي الحذر الشديد في إصدار التصريحات وبناء المواقف فيما يتعلق بأزمات المنطقة ولا سيما الأزمة السورية، وضرورة الانتباه إلى أنّ هناك ما يقارب 300 ألف لاجئ فلسطيني، ما يزالون يعيشون في سوريا، وربما يدفعون ثمن أي موقف تتخذه الحركة، ومن ثم ليس من الحكمة بمكان أنْ تعيد حماس الخطأ الفادح الذي ارتكبته منظمة التحرير الفلسطينية في أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991م، عندما ناصرت الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في غزوه لدولة الكويت، حيث تحمّل الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في الكويت ظلما واضطهادا بسبب هذا الموقف، حتى العام 2004، عندما قدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اعتذارا رسميا لدولة الكويت عن موقف ياسر عرفات.
ولكنّ حسم الحركة لموقفها في الوقوف مع واحد من الأطراف المتصارعة أهون بكثير من ازدواجية التصريحات والمواقف والمعايير؛ لأنها في الحالة الأولى تخسر طرفا وتربح طرفا آخر، أمّا في الحالة الثانية، وهي الحالة التي عليها الحركة الآن، فإنّ الحركة سوف تستيقظ ذات يوم لتجد نفسها قد خسرت الطرفين معا.
رابعا، هناك بعض مسؤولي الحركة يتخذون من قطر وتركيا مركزا لهم، وهما دولتان ما تزال الحكومة السورية تعتبرهما شريكتين في دعم المعارضة السورية، وكثيرا ما يهاجم أنصار الحركة في هاتين الدولتين الحكومة السورية، ومن ثم يتساءل مراقبون عن مصير هؤلاء في حال أعادت الحركة علاقاتها مع دمشق، وما هو مصير الكم الهائل من الانتقادات التي كانت تُوجَّه إلى دمشق من قبلهم؟ وفي المقابل هناك بعض المسؤولين في الحركة يتخذون من الضاحية الجنوبية لبيروت مركزا لهم، وهي المعقل الرئيسي لحزب الله اللبناني، إذ يقول البعض بأنهم هم من يُحرّك ملف عودة العلاقات مع دمشق بين الفينة والأخرى، في حين أبدى البعض تخوفه على حياة القادة الحمساويين في حال نقلوا أماكن إقامتهم إلى سوريا، وذلك بسبب إمكانية استهدافهم من قبل الطيران الإسرائيلي الذي لا يتردد في استهداف المواقع العسكرية في العمق السوري.
وبين هذه التساؤلات الأربعة، تُبقِي حركة حماس الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الانتقادات اللاذعة التي تطال الحركة من الطرفين، بينما يطالبها البعض بضرورة كسر جدار الصمت وازدواجية التصريحات، والخروج بصيغة نهائية تحدد خلالها حركة حماس موقفا ثابتا من الأزمة السورية.