مع انطلاق الحراك الجزائري واندلاع الثورة في السودان في وقت متقارب أمكن القول بأن المنطقة العربية تعيش ظروف الموجة الثورية الثانية بعد تلك التي دشنتها تونس في نهاية سنة 2010. يمكن القول بذلك تحليليا لكن يمكن كذلك الحديث عن عودة نسق الاحتجاجات وتواصله في الدول التي لم تعرف ثورات شعبية مع بداية العشرية التي توشك على النهاية.
مهما كانت طبيعة القراءة فإنه لا يمكن الفصل نظريا أو عمليا بين الموجات الثورية التي انطلقت من تونس وإن تباعدت زمنيا لكن ذلك لا يعني إلغاء الفوارق التي تميز كل تجربة عن سابقاتها. إن ما يحدث في الجزائر والسودان اليوم يحمل نفس الشعارات والمطالب التي رفعتها ثورات الربيع في مرحلتها الأولى وهو ما يسمح بالقول بأن المحرك الأساسي لأمواج الجماهير هو نفسه في كلا الحالتين.
حراك الجزائر والسودان
في الجزائر لا يزال الحراك متواصلا رغم سقوط واجهة النظام وانسحاب الرئيس بوتفليقة من المشهد تحت ضغط الشارع أولا وأساسا ولم تنجح الدعوات إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في أوانها بعد أن رفضها الشارع رفضا قاطعا. هذا الأمر يجعل من الصعب الحكم على مصير الاحتجاجات الجزائرية التي لا تزال تتفاعل وهو نفس الأمر الذي يصدق مع الثورة السودانية. فبعد رحيل البشير تحت ضغط الشارع واعتصام القيادة العامة لا يزال الوضع متأرجحا وخطيرا خاصة مع سيطرة المجلس العسكري على السلطة وتحالفه الوثيق مع القوى الانقلابية في اللإقليم.
باستثناء ثورتي مصر وسوريا فإن ثورات الموجة الأولى في تونس وليبيا واليمن لم تكن ثورات إقليمية التأثير
تشترك السودان والجزائر في نقاط كثيرة لعل أهمها الثقل الجغرافي والبشري لكلا البلدين إذ يشكلان أكبر الدول مساحة عربيا وقاريا. من جهة أخرى يمتلك البلدان ثروات طبيعية يصعب حصرها وهو ما يرشحهما لأن يكونا قوى إقليمية واعدة إذا ما نجحا في الخروج من دائرة الاستبداد والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات ووضع أسس نهضة حقيقية تقضي على الفساد وتفكك منظومات نهب الثروات وتبديدها. بناء عليه فإن المراهنة على إفشال هذه الثورات أو إنجاحها لا يقل قيمة عن إنجاح ثورة مصر أو إفشالها لأنها دول عملاقة يتجاوز تأثيرها حدودها الإقليمية ليتعداها إلى جوارها المباشر وغير المباشر.
أما سياسيا فإنّ النموذج السياسي الحاكم في كلا البلدين هو نظام عسكري يسيطر فيه العسكر على مفاصل القرار السياسي وعلى كل المجالات الأخرى بما فيها الاقتصاد والثروة والمجتمع. هذه الهيمنة العسكرية هي التي تفسر أولا سبب انسداد الأفق السياسي الذي كان من ضمن أهم محركات الاحتجاجات وهي التي تفسر ثانيا انهيار الاقتصاد في دول هي من بين الأغنى عربيا وإفريقيا.
ثورات مفصلية حاسمة
باستثناء ثورتي مصر وسوريا فإن ثورات الموجة الأولى في تونس وليبيا واليمن لم تكن ثورات إقليمية التأثير أي أن فعل التغيير فيها لا يتجاوز محيطها المحلي المباشر وحدودها بشكل عام. أما ثورة مصر التي انتهت بانقلاب عسكري وثورة سوريا التي تحولت إلى حرب إبادة جماعية فإنهما ثورتان إقليميتان على قدر بالغ من الخطورة بسبب قدرة كل واحدة منهما على تغيير المشهد الإقليمي المحيط بها إن هي نجحت أو أجهضت.
دليلنا على ذلك هو أن قوى الثورات المضادة في الإقليم وخاصة دول الخليج أو القوى الغربية قد دعمت بقوة مشاريع إفشال هذه الثورات فمولت الانقلاب العسكري في مصر رغم كل المجازر التي ارتكبها العسكر ورغم كل الانتهاكات التي لم يتوقف عن ارتكابها هناك. أما سوريا فإن المجتمع الدولي قد تحرك بقوة من أجل الحفاظ على نظام الأسد من السقوط لما قد يعنيه ذلك من تغير في موازين القوى في المنطقة وليس السكوت عن الجرائم البشعة بما فيها استعمال الأسلحة الكيماوية إلا دليل فاضح على تورط النظام الدولي في المجازر السورية.
تأسيسا على ما تقدم فإن ثورتي الجزائر والسودان هما أقرب إلى النموذج المصري والسوري بسبب الوزن الإقليمي لكلا الدولتين والقدرة على التأثير في الجوار المباشر. ثم إن النموذج السياسي في النماذج الأربعة يكاد يكون نفس النموذج بسبب سطوة المؤسسة العسكرية وسيطرتها على الدولة والمجتمع. من هنا يتحدد الخطر الكبير الذي يواجه الموجة الثورية الثانية في قدرتها على إنجاح ما لم تنجح فيه الموجة الأولى من الإطاحة بنظام الحكم العسكري المباشر رغم كل قوته ورغم البطش الشديد الذي عرف به.
المخاطر والمنزلقات
رغم أن المشهد في الجزائر والسودان لم يكتمل بعد وهو ما يجعل من المجازفة التحليلية الحكم على مصيرها النهائي إلا أن مؤشرات كثيرة تسمح باستقراء حركة الفواعل الأساسية في المشهدين. هذه الحركة تسير باتجاه متواز في الدولتين رغم خصوصية كل بلد منهما.
ففي الجزائر حاولت الدولة العميقة التشبث برأس النظام مدة من الزمن وكذا فعلت دولة السودان لكن الضغط الشعبي فرض التضحية برأس السلطة. أما اليوم فإن كل المساعي تسير نحو محاولة استنساخ النظام بثوب جديد يغطي عوراته السابقة ويخفي طابعه الدموي القديم. وهو ما تعمل عليه المؤسسة العسكرية في كلا البلدين بمباركة مباشرة ودعم سخي من قبل عرابي الانقلابات في المنطقة وخاصة نظامي السعودية والإمارات.
لا يقتصر الأمر على الجزائر والسودان لأن ما يحدث في ليبيا من دعم للمشروع الانقلابي العسكري على يد الجنرال المتقاعد حفتر يمثل فعلا مفصليا في التأثير على كلا التجربتين. فنجاح التجربة الانقلابية هناك سيمثل دعما إقليميا صريحا للسلطة الانقلابية في مصر وستشجع المشروع العسكري الجديد في السودان والجزائر كذلك وهو ما يجعل المشهد العربي مشهدا متكاملا لا يمكن الفصل بين أجزائه.
خطر انتشار الفوضى في المغرب العربي يمثل تحديا أساسيا للمجتمع الدولي اليوم
السودان + البرهان = فوهة بركان
هل يتكرر السيناريو في السودان؟
عسكر الخرطوم والطبع الذي يغلب التطبُّع