نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في القدس ديفيد هالبفنغر، يقول فيه إن إسرائيل دأبت على توفير المعلومات الاستخباراتية حول الهجمات الإيرانية المحتملة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو جعل من طموحات إيران الاستراتيجية شغله الشاغل، ولوح بفكرة الحرب مع إيران في شباط/ فبراير الماضي.
ويستدرك هالبفنغر بأن المحللين والمسؤولين العسكريين والأمنيين السابقين يقولون إن الحكومة الإسرائيلية لا تهدف إلى حرب شاملة بين أمريكا وإيران، حيث يخشى المسؤولون الإسرائيليون أن مثل هذه الحرب يمكنها جر إسرائيل وحزب الله إلى حريق يدمر الجانبين.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللين، قولهم إن الضغط الملح على إيران هو للحصول على اتفاقية نووية أكثر صرامة من الحالية، أو خلق أجواء سيئة لدرجة اضطرار الإيرانيين للإطاحة بحكومتهم.
وينقل التقرير عن ضابط المخابرات العسكرية المتقاعد عاموس يادلين، الذي يدير مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب، قوله: "لا أحد يفكر في تغيير النظام عسكريا، ولكن لإضعاف النظام، وإضعاف الاقتصاد الإيراني، ولجعل الناس في إيران يغيرون النظام، هذا ما اعتقد أنه الهدف النهائي.. ونتيجة أخرى ستكون إيجابية هي اتفاقية أفضل".
ويلفت الكاتب إلى أن إسرائيل أدت بصمت دورا فعالا في تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، وحذرت المخابرات الإسرائيلية، في اجتماع في واشنطن وتل أبيب على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أمريكا من أن هناك تخطيطا لمهاجمة أهداف أمريكية في العراق، تقوم به إيران أو وكلاؤها، بحسب مسؤول استخباراتي كبير في الشرق الأوسط، وحذرت إسرائيل أيضا من هجمات إيرانية ضد السعودية والإمارات.
وتذكر الصحيفة أن رد إدارة ترامب للتهديدات المتوقعة كان من خلال تحريك حاملة طائرات ومجموعة قاذفات بي-52 وبطارية صواريخ باتريوت الدفاعية إلى الخليج، بالإضافة إلى تحديث خطط البنتاغون الحربية ضد إيران.
ويجد التقرير أن تجمع هذه الغيوم يبدو متماشيا مع أجندة نتنياهو، فهو الذي كاد أن يدخل إسرائيل في حرب مع إيران عام 2010، عندما فكر في شن غارات ضد المنشآت النووية الإيرانية، وبقي يدفع نحو ضغط أشد على إيران منذ قبل توقيع الاتفاقية النووية عام 2015، التي شجبها ووصفها بأنها رخوة جدا.
ويفيد التقرير بأن نتنياهو عمل بجد مع إدارة ترامب على استراتيجيتها لفرض عقوبات اقتصادية قوية لاضطرار إيران للعودة إلى طاولة التفاوض، وقال نتنياهو علنا في شباط/ فبراير، إن اجتماع وارسو، الذي حضره هو ومجموعة من الدبلوماسيين العرب السنة، كان يهدف إلى "الدفع بالمصلحة المشتركة في الحرب مع إيران".
ويقول هالبفنغر: "لكن إن أسفرت عن المواجهة الأمريكية الإيرانية حرب شاملة، أو حتى سيناريوهات أخرى أقل من ذلك، فإن إسرائيل تجلس مباشرة على خط النار، فإن اعتقد النظام الإيراني أن وجوده مهدد، أو حتى إن أراد التصعيد دون حرب مباشرة مع أمريكا، يظن أنها ستحاول أن تجر إسرائيل إلى القتال".
وتنوه الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يحتجون بأن الاشتباكات التي وقعت مع المتطرفين في غزة هذا الشهر كانت إيران وراءها، ويقولون إن إيران لها تأثير قوي على حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي التي قام قناصتها بقتل جنديين إسرائيليين، فوجهت إسرائيل إليها التهمة بالتحريض على العنف.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل قد تواجه هجوما أكثر فعالية من سوريا، حيث دابت لعدة سنوات على التحليق في الأجواء السورية، ومهاجمة الأهداف الإيرانية؛ محاولة منع إيران من تثبيت نفسها عسكريا في سوريا، أو نقل الصواريخ الموجهة بدقة إلى لبنان، مشيرا إلى أن سيطرتها على الأجواء لم تكن دون ثمن، فعندما أسقطت إسرائيل ما قالت إنه طائرة مسيرة إيرانية دخلت الحدود الإسرائيلية في شباط/ فبراير 2018، تم إسقاط طائرة "ف-16" تابعة لها بصاروخ سوري.
ويقول الكاتب إن هناك تهديدا محتملا آخر تحدث عنه المسؤولون الإسرائيليون في غرب العراق، حيث قامت إيران بنقل مجموعة من الصواريخ التي يمكنها وصول إسرائيل إلى القوات التي تدعمها إيران في منطقة بحيرة الرزازة.
وتشير الصحيفة إلى أن عضوا في الحكومة الأمنية الإسرائيلية، وزير الطاقة يوفال ستينتز، طرق هذا الاحتمال في مقابلة تلفزيونية يوم الأحد، وقال إن إيران ستحاول إطلاق صواريخ من أراضيها ضد إسرائيل، لافتة إلى أن مكتب نتنياهو رفض التعليق لهذا التقرير.
ويذهب التقرير إلى أنه يمكن أن تقوم شبكة الدفاعات الجوية التي تكمل أنظمة القبة الحديدية، المصممة للصواريخ قصيرة المدى، ومقلاع داود للصورايخ متوسطة المدى ونظام أرو للصواريخ طويلة المدى، بصد عدد من الصواريخ.
ويستدرك هالبفنغر بأنه "ليس هناك رد إيراني مخيف أكثر لإسرائيل من أن تقوم طهران بإطلاق العنان لترسانة حزب الله، الذي يسيطر على مساحات واسعة من لبنان، حيث تقول إسرائيل إن لدى حزب الله حوالي 130 ألف صاروخ، أكثر مما يحتاج الأمر لإغراق الدفاعات الجوية، وتعد إيران تلك الصواريخ أكبر ردع استراتيجي لإسرائيل".
وتنقل الصحيفة عن كبير ضباط الاستخبارات ومستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، ياكوف أميدرور، قوله: "إذا استخدموا حزب الله فإن ذلك سيكون مدمرا.. لا أدري كم بناية في تل أبيب سيتم تدميرها".
ويلفت التقرير إلى أن لإسرائيل تجربة سيئة من تداعيات حروب الشرق الأوسط، ففي 1991 أطلق العراق عشرات صواريخ سكود على إسرائيل، بعد أن وقعت بغداد تحت غارات التحالف الذي تقوده أمريكا، لكن تم إقناع إسرائيل بعدم المشاركة في الحرب.
ويقول الكاتب إن إسرائيل ترى نفسها اليوم أكثر من قادرة على الدفاع عن نفسها، مشيرا إلى أنه في موازنة تضمن الدمار المتبادل، هددت إسرائيل بمسح بيروت وكثير من البنية التحتية ردا على أي هجوم صاروخي قوي من حزب الله، بالإضافة إلى أن حزب الله منهك من تراجع الدعم المالي الإيراني، ولمشاركته الطويلة في الحرب الأهلية السورية، بحسب المحلل السياسي لـ"هآرتس" أموس هاريل، وأضاف: "حوالي ثلث قوتهم الفاعلة وقعت ضحية".
وترى الصحيفة أن لا أحد يبدو راغبا في الحرب، فقال الزعيم الروحي لإيران، آية الله علي خامنئي يوم الثلاثاء: "لا نسعى نحن للحرب ولا هم يسعون لها"، فيما قال الرئيس ترامب لوزير الدفاع بالوكالة، باتريك شاناهان، يوم الأربعاء، إنه لا يريد الذهاب إلى حرب مع إيران.
ويجد التقرير أنه بالرغم من تلك النوايا المعرب عنها، إلا أن الخبراء يقولون إنه من غير المتوقع أن تبقى إيران مكتوفة الأيدي بينما تدمر العقوبات اقتصادها، بالإضافة إلى أن أمريكا لن تكون مستعدة لتحمل الاستفزازات الإيرانية.
ويورد هالبفنغر نقلا عن الخبراء الإسرائيليين، قولهم دون أي دليل واضح، بأن إيران تقف خلف الهجمات الأخيرة، حيث قالت الإمارات يوم الأحد إن أربع ناقلات نفط أصيبت بأضرار جراء هجوم قبالة ميناء الفجيرة جنوب مضيق هرمز، مشيرا إلى أن الحوثيين، الذين تدعمهم إيران، قاموا يوم الثلاثاء بتبني هجمات بالطائرات المسيرة على أنبوب النفط السعودي الموصل للبحر الأحمر.
وتنقل الصحيفة عن المحللين الإسرائيليين، قولهم إنه إذا كانت إيران خلف تلك الحوادث فإن من الممكن قبل أن تستسلم إيران للعودة إلى طاولة المفاوضة أو تنهار تحت الضغط الاقتصادي، أن تحاول أن يكون لذلك ثمن.
ويورد التقرير نقلا عن زميل معهد واشنطن للسياسة الشرق الأدنى المقيم في إسرائيل إيهود يآري، قوله: "شعار الإيرانيين، إن كنتم ستمنعونا من تصدير النفط، وأن تخفضوا من إنتاجنا وتصديرنا إلى نصف مليون برميل في اليوم أو أقل، الذي هو كارثة اقتصادية لإيران، فسنقوم بالتدخل بصادرات الدول الأخرى من النفط".
وقال أميدرور للصحيفة إن الحادثتين، اللتين اتهمت إيران بالوقوف خلفهما، تستحقان ردا أمريكيا قويا، وأضاف: "إنهم يختبرون أمريكا.. ولا شك في ذلك"، وأضاف: "إن تصرف الأمريكيون وكأن شيئا لم يحدث -أي أن يقولوا إن إيران لم تبصق علينا إنما كان ذلك مطر- فإن ذلك كارثة؛ لأن ذلك يعني القول لإيران إننا لن نتدخل".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول أميدرور، إن ما يمكن لإسرائيل فعله هو انتظار كيف ستتصرف أمريكا في مواجهة التحرشات الإيرانية إن زادت، ومدى استعداد أمريكا للوقوف مع حلفائها وضد خصومها، وتساءل قائلا: "أي شرق أوسط سنواجه.. عندما يصبح الأمر واضحا للدول الأخرى أن أمريكا ليست مستعدة للوفاء بما يتوقع الناس أن تفعله؟".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
واشنطن بوست: لماذا تبنت الرياض لهجة تحريضية ضد طهران؟
بمناسبة نقل السفارة للقدس.. سفير أمريكا: إسرائيل مع الله
إيكونوميست: مغامرة روسيا بسوريا تؤتي أكلها.. لكن إلى متى؟