نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا طويلا أعدته آن برنارد، عن سجون سوريا السرية، وكيف سحق رئيس النظام السوري بشار الأسد المعارضة.
وتبدأ برنارد تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، من غازي عينتاب، حيث التقت مع مهند غباش، الذي اعترف عندما اعتقلته السلطات الأمنية في مدينة حلب بأنه شارك في تظاهرات سلمية، ولم يشفع له الاعتراف، بل استمر التعذيب لمدة 12 يوما، ولم يتوقف إلا عندما كتب اعترافا بأنه كان يخطط لزرع قنبلة.
ويشير التقرير إلى أن هذه كانت هي البداية، ثم نقل إلى قاعدة المزة الجوية، حيث علقه الحرس مع زملائه المعتقلين بسلك عراة، ورشوا عليهم الماء البارد في الليالي القارسة، وقام ضابط، يطلق على نفسه هتلر، من أجل الترفيه على زملائه في أثناء تناولهم الطعام، بالطلب من المعتقلين تقليد الكلاب والحمير والقطط وضرب من لم يستطيعوا النباح أو المواء أو النهيق.
ويقول غباش للصحافية إنه شاهد في المستشفى العسكري ممرضة تصفع وجه مريض رجاها أن تعطيه مسكنا، وأحصى في سجن آخر 19 زميلا ماتوا من المرض والتعذيب والإهمال في شهر واحد، ويضيف غباش: "كنت محظوظا"، فنجا من عذاب تجربة 19 شهرا بعد رشوة قاض للإفراج عنه.
وتقول الصحيفة إن الطريقة التي عامل فيها الأسد المعتقلين في السجون تظل عاملا مهما في انتصاره الذي يقترب من تحقيقه، فقد قام الجيش التابع له بالتعاون مع حلفائه باعتقال ورمي عشرات الآلاف من المعارضين في أقبية السجون، وتعرضوا للتعذيب والقتل، فيما اختفى 128 ألف شخص، ولم يظهروا أبدا من الأقبية، ويعتقد أنهم إما ماتوا أو إنهم أحياء في السجون، مشيرة إلى أن هذه هي أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان والجماعات المستقلة التي تحتفظ بأرقام شبه دقيقة.
وتفيد الكاتبة بأن حوالي 14 ألف معتقل ماتوا تحت التعذيب، فيما فقد الكثيرون حياتهم نتيجة لظروف رهيبة وصفتها الأمم المتحدة بعملية "الإبادة"، مشيرة إلى أن عمليات الاعتقال السرية والإعدامات لم تتوقف رغم خفوت وتيرة الحرب، وعودة العلاقات بين النظام والدولة، ومحاولة التطبيع معه.
ويلفت التقرير إلى أن أكبر حملات الاعتقال قد تمت في الأيام الأولى من الثورة، إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجلت العام الماضي اعتقالات جديدة بـ5607 أشخاص، ووصفتها بالتعسفية، مشيرا إلى أن معتقلين أرسلوا قبل فترة تحذيرات من داخل السجون، قالوا فيها إن الكثير من المعتقلين أرسلوا إلى سجن صديانا، فيما قال الذين أفرج عنهم إن عمليات القتل في تزايد.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي اهتم فيه العالم بعمليات القتل والاختطاف التي قام بها تنظيم الدولة، فإن ما قام به النظام يتفوق على ممارسات الجهاديين، لافتة إلى أن نسبة الذين اختفوا في سجون النظام تصل إلى 90% من أرقام الشبكة السورية.
وتنوه برنارد إلى أن الحكومة السورية نفت وجود انتهاكات في السجون، إلا أن الأدلة المكتشفة، والمذكرات التي كتبها مسؤولون، علاقتهم مباشرة مع الأسد، تثبت أنهم أمروا بعمليات قتل جماعية ومذابح جديدة، مشيرة إلى أن محققين يعملون مع المنظمة غير الحكومية "المفوضية للعدالة والمحاسبة الدولية" عثروا على مذكرات حكومية أمر فيها المسؤولون بالقمع، وناقشوا قتل المحتجزين، ووقع على تلك المذكرات كبار المسؤولين، بينهم أعضاء اللجنة المركزية لإدارة الأزمة، التي ترتبط مباشرة بالأسد.
ويكشف التقرير عن أن مذكرة للاستخبارات العسكرية تصف حالات وفاة نتيجة للتعذيب والأوضاع القذرة التي عاش فيها المعتقلون، فيما تتحدث بعض المذكرات عن وفيات داخل السجون، مشيرا إلى أن مصورا في السجن هرب آلافا من الصور التي أظهرت هياكل عظمية وجثثا مرقمة.
وتذكر الصحيفة أن هناك مذكرتين تطالبان بممارسة التعذيب القاسي على معتقلين حددتهم، لافتة إلى أن مدير الاستخبارات العسكرية رفيق شحادة تحدث في مذكرة كتبها عن مخاوف المسؤولين من المحاكمة في المستقبل، ولهذا طلب من الضباط كلهم إبلاغه بالوفيات كلها، واتخاذ الخطوات كلها للتأكد من "الحصانة القضائية" للمسؤولين الأمنيين.
وتشير الكاتبة إلى أن الأسد شكك في مقابلة في قصره العثماني في دمشق عام 2016، في صحة كل المعلومات التي قدمها الناجون وعائلات المفقودين، وعندما سئل عن حالات بعينها فإنه قال: "هل تتحدثين عن اتهامات أمام حقائق؟"، وأشار إلى أن العائلات كذبت عندما قالت إنها شاهدت قوات الأمن تجر أعزاءها، وقال إن الانتهاكات هي أخطاء لا يمكن تجنبها في الحرب "تحدث هنا وفي العالم كله وفي أي مكان.. لكنها ليست سياسة".
وبحسب التقرير، فإن صحيفة "نيويورك تايمز" قابلت على مدى السنوات الماضية الناجين من المعتقلات، واطلعت على كم هائل من الوثائق والمذكرات، وفحصت مئات الصفحات من شهادات شهود قدمت لمنظمات حقوق الإنسان، وكانت قادرة في هذه الحالة على رسم صورة عن نظام السجون في أثناء الحرب التي اندلعت عام 2011 ولم تتوقف منذئذ.
وقدمت الصحيفة شهادات للناجين، قالت إنها تشبه ما ورد في مذكرات المسؤولين، وتتطابق مع الصور التي هربت من داخل السجون السورية، وهو ما يؤكد أن نظام السجن كان جزءا مهما وحيويا من جهود الأسد لسحق المعارضة المدنية، ودفع المعارضة لمواجهة مسلحة ليست قادرة على الفوز فيها، مشيرة إلى أن الحكومة اعترفت في الأشهر الأخيرة ضمنيا، وبضغط من الروس، بوفاة المئات في سجونها وبدأت بإرسال شهادات وفيات لعائلات المفقودين.
وتورد برنارد نقلا عن فاضل عبد الغني، مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قوله إن شهادات الوفاة هي رسالة واضحة "لقد انتصرنا، وفعلنا هذا ولن يعاقبنا أحد".
ويجد التقرير أن هناك أملا قليلا بمعاقبة المسؤولين في نظام الأسد، إلا أن هناك تحركات متنامية تسعى إلى تحقيق العدالة في أوروبا، خاصة في ألمانيا وفرنسا، لتقديم المسؤولين للمحاكم الأوروبية، وأصدر المسؤولون الألمان والفرنسيون مذكرات اعتقال لمسؤول الأمن القومي علي مملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل الحسن.
وتستدرك الصحيفة بأن الأسد وجنرالاته لا يزالون في السلطة، تحميهم القوات الروسية والفيتو الروسي في مجلس الأمن، في الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، مشيرة إلى أن دونالد ترامب يخطط لسحب ألفي جندي من شمال شرق سوريا.
وترى الكاتبة أن "مشكلة الحصانة من العقاب ليست محلية، بل إن هناك حاجة لإصلاح أمني ليعود الخمسة ملايين سوري، الذين لجأوا إلى دول أوروبا ودول الجوار، دون خوف من اعتقال تعسفي، ففي عصر الديكتاتورية الجريئة، من أوروبا اليمين المتطرف إلى السعودية، أظهر الأسد أن استخدام أقسى أنواع العنف هو في حد ذاته استراتيجية انتصار".
ويلفت التقرير إلى أن نظام السجن السوري توسع عن ذلك النظام الذي بناه والده حافظ الأسد، الذي سحق معارضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، مدمرا معظم أحيائها، واعتقل جنوده آلافا من الأشخاص، إسلاميين ويساريين أو بشكل عشوائي، واختفى على مدى عامين 17 ألف شخص، حيث استخدم المحققون أساليب المستعمرين الفرنسيين وطغاة المنطقة والنازيين، مشيرا إلى أنه عندما وصل الأسد إلى السلطة فإنه أبقى على نظام السجون كما هو.
وتنوه الصحيفة إلى أن لدى الأجهزة الأمنية الأربعة، العسكرية والسياسية والجوية وأمن الدولة، فروعها داخل البلاد، ومعظمها يدير سجونه الخاصة، لافتة إلى أنه منذ بداية اعتقال فتيان كتبوا شعارات معادية للأسد على جدران درعا عام 2011، تدفقت أعداد من المعتقلين الذين انضموا للمعتقلين في سجن صديانا.
وتنقل برنارد نقلا عن المواطن التركي رياض أيالا، الذي سجن 20 عاما لمقابلته في سن التاسعة عشرة سوريين حول مجزرة في السجن، قوله إن المعتقلين كانوا "من جامع النفايات إلى فلاحين ومهندسين وأطباء ومن طبقات المجتمع السوري كله"، وزاد التعذيب، كما يقول، وانتهك السجناء الجدد جنسيا، وضربوا على أجهزتهم الحساسة، وأجبروا على ضرب وقتل الآخرين.
ويفيد التقرير بأنه من غبر المعلوم عدد الذين مروا بالسجون السورية، وتتراوح التقديرات من آلاف الأشخاص إلى مليون، مشيرا إلى أن المليشيات وأجهزة الأمن بدأت مع ازدحام السجون تدير سجونا مؤقتة في القواعد العسكرية والمدارس والملاعب.
وتقول الصحيفة إنه بالنظر للسرية ولأنه لا أحد يعلم عدد الذين ماتوا فيها، إلا أن مصورا اسمه "قيصر" وثق وفيات وصور 6700 جثة، صدمت العالم، وظهرت في عام 2014 صور الوثائق على مكتب رئيسه.
وتبين الكاتبة أن غباش عانى من التعذيب في 12 سجنا، بشكل جعل المتظاهر السلمي "دليل تعذيب"، وبدأت رحلته في 2011، عندما كان في سن الـ22، وقد ألهمت التظاهرات غباش، وهو ابن متعهد حكومي، لتنظيم تظاهرة في حلب، على شاكلة تظاهرة في داريا، قرب دمشق، واعتقل في حزيران/ يونيو 2011، وأفرج عنه بعد تعهده بالتوقف عن التظاهر، ويقول: "ولم أتوقف"، ثم اعتقل في آب/ أغسطس، وتعرض للتعذيب قبل الإفراج عنه بتحذير صارم: غادر البلد.
ويستدرك التقرير بأنه رغم أن المسؤولين أطلقوا سراح المتشددين من سجن صديانا لتخريب الثورة، فإنه لم يغادر واعتقل مرة ثالثة، وهذه المرة فبرك المحققون له عملا إرهابيا، وعذب ووضع في عجل ورش بالماء البارد، وقلعت أظافره التي يحتفظ بها معه، وبعد 12 يوما من التعذيب اعترف بحسب ما أراده المحققون، وقال له المحقق ماهر: "اكتبه بطريقة مقنعة.. شعرت أن لدي موهبة بالكتابة"، خاصة أنه طلب منه تأليف قصة عن عملية التفجير.
وبحسب الصحيفة، فإن غباش نقل في آذار/ مارس 2012 إلى سجن المزة جوا، ودخل زنزانة صغيرة مزدحمة، كان أفرادها ينامون بالدور، وزادت حملات التعذيب وحشية مع تقدم المعارضة ضد النظام، ويصف محاكمته بالمهزلة التي اتهم فيها بالإرهاب أمام قاض عسكري، ولم تستمر إلا نصف دقيقة.
وتقول برنارد إن التعذيب أو التنقل بين السجون والأقبية في القواعد العسكرية لم يتوقفا، مشيرة إلى أن غباش يقول بطريقة فلسفية: "قلدت الكلب، لكن غيري قتل واغتصب".
ويشير التقرير إلى أنه تم اغتصاب النساء والأطفال دون سن الخامسة عشرة في 20 فرعا للمخابرات، وهو ما يعد عارا بالنسبة للنساء اللاتي تعرض بعضهن للقتل من عائلاتهن، لافتا إلى أن مريم خليف (23 عاما) تعرضت لاغتصاب متكرر لأنها ساعدت المتظاهرين، وقدمت وصفا للتحقيق معها في فرع المخابرات في حماة، وكيف تم اغتصابها عدة مرات على يد المحقق الذي كان يأكل الفستق، وعندما خرجت رفضتها عائلتها وطلقها زوجها.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن التعذيب كان جزءا من نظام السجن، فهناك القذارة والعفن وعدم توفر الحمامات، حيث كان لا يسمح للمعتقلين إلا لمدة ثوان في الحمام، وعانى الكثيرون منهم من الإسهال والتهاب البول، أما الطعام فلم يكن سوى لقيمات عبارة عن طعام متعفن.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: هؤلاء هم الأكثر تأثرا بقرار أمريكا تخفيض عدد اللاجئين
واشنطن بوست: التصعيد في إدلب ينذر ببداية المعركة الأخيرة
صحيفة: هل سئم الروس من تواجد قوات بلادهم في سوريا؟