انعقد مؤتمر حزب حركة "نداء تونس" يومي 6 و7 نيسان (أبريل) الجاري بمدينة المنستير بحضور حوالي عشرة آلاف من منتسبي الحزب من بينهم 1800 مؤتمر.
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مؤسس الحزب كانت له كلمة الافتتاح عبر فيها عن عدم رغبته في الترشح للرئاسة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة نهاية العام الجاري، قائلا بأن في تونس رجالا، مضيفا و"لكنهم ليسوا موجودين هنا وإنما في الخارج"، كما دعا إلى إعادة يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي إلى حضيرة الحزب قائلا إنه ابن النداء.
المؤتمر حضره سفراء عديد الدول الأجنبية والعربية ولم يُدع إليه أمناء ورؤساء الأحزاب الوطنية التونسية.
المتابع لهذا الحدث يمكن أن يتوقف عند العديد من الملاحظات والاستنتاجات:
1 ـ المنستير والرمزية البورقيبية:
انعقاد مؤتمر حركة "نداء تونس" في مدينة المنستير له رمزية المكان، كون المنستير هي مدينة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أول بانٍ للدولة التونسية بعد الاستقلال، وقد أدى الباجي قائد السبسي زيارة إلى ضريح الزعيم بورقيبة وقرأ الفاتحة وأدلى بكلمة أشاد فيها بخصال الزعيم الراحل.
الباجي منذ تأسيس حركة "نداء تونس" عام 2012 ظل وفيا لمحاولاته "تقمّص" شخصية الزعيم الراحل سواء في ترديد مفرداته أو حتى في وضع نظارتيه السوداويتين ومحاولة البكاء بحضرة امرأة لم تأكل اللحم لمدة ثلاثة أشهر، راهن الباجي على رمزية بورقيبة واستثمر في ما حققه من مكاسب للمرأة التونسية لذلك يقال إن الباجي فاز في رئاسية 2014 بفضل أصوات مليون امرأة من النساء التونسيات، وهو ما سيجعله يحرص على تمرير قانون "المساواة في الميراث" بين الرجل والمرأة، وقد ذكّر بهذه الفكرة في كلمته عند افتتاح مؤتمر حزبه حين قال: "إن بورقيبة مات وفي قلبه غُصّة أنه لم يحقق مساواة المرأة مع الرجل في الميراث".
في منافسة الحزب الدستوري الحر
حزب "النداء" الذي أراده الباجي وريثا للبورقيبية يجد اليوم منافسة جدية من حزب عبير موسى "الحزب الدستوري الحر" وهي امرأة لا تكف عن التذكير بكونها الممثل الوحيد للمدرسة البورقيبية وتخوض باسمه معارك شرسة خاصة ضد من تعتبرهم "إخوانا" وتعني بهم تحديدا حركة "النهضة"، تتهمها بالمسؤولية عن كل الأعطاب وتتوعد مناضليها إذا ما تمكنت من الحكم بالسجون والاستئصال، عبير موسى تبني كل مشروعها على معاداة حركة "النهضة" وتتحرك تحت عنوان البورقيبية ولا تخفي وفاءها للرئيس الهارب بن علي.
الباجي منذ تأسيس حركة "نداء تونس" عام 2012 ظل وفيا لمحاولاته "تقمّص" شخصية الزعيم الراحل سواء في ترديد مفرداته أو حتى في وضع نظارتيه السوداويتين ومحاولة البكاء بحضرة امرأة لم تأكل اللحم لمدة ثلاثة أشهر،
تراجع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن عهدة خامسة واضطراره للاستقالة تحت تأثير الحراك الشعبي الهادر هو الذي جعل الباجي "يرتدع"
كما أن آخر عملية سبر للأراء كشفت على أن الباجي يحتل مراتب متأخرة بعد الشاهد وقيس سعيد والغنوشي وهو خلاف ما كان عليه في 2014، حيث كان يتصدر دائما نوايا التصويت، ولعل لهذه التوقعات دخلا في "ارتداع" الباجي.
3 ـ دعوة إلى "اختطاف" الشاهد عقابا "للنهضة"
ما لفت انتباه المتابعين هو دعوة الباجي قائد السبسي قادة حزب "النداء" إلى استعادة يوسف الشاهد رئيس الحكومة إلى الحزب بعد أن تم تجميد عضويته منذ أن استعصى عليه وعلى الحزب.
لماذا دعا الباجي إلى استعادة الشاهد إلى حزب النداء؟ أليس هو الذي ظل يضغط لتنحيته من رئاسة الحكومة؟ أليس بسبب تمسك "النهضة" به فك الباجي توافقه معها؟
في السياسة يقال عادة: "لا وجود لصداقات دائمة ولا لعداوات دائمة" رغم أن هذه القولة قد تبرر مواقف لا أخلاقية وانقلابات وعمليات غدر ونكث لعهود، ولكنها حقيقة تتكرر دائما ولعل بعض السياسيين يعتبرونها علامة دهاء وحنكة وقدرة على الحركة والتجدد، وذاك مبحث آخر في علاقة السياسة بالأخلاق والقيم.
يرى مراقبون أن يوسف الشاهد مدين لحركة "النهضة"، إذ تمسكت به رئيسا للحكومة و"ضحّت" لأجله ولأجل استقرار تونس السياسي بتوافقها مع الباجي قائد السبسي، حيث لم يكن لها من خلاف معه إلا حين رفضت مجاراة "شهوته" في استبدال الشاهد برئيس حكومة آخر.
ولعل الشاهد ردّ جميلا "للنهضة" خلال فترة رئاسته للحكومة، إذ ظلت في وضعية مريحة رغم ما تعرضت إليه من تحريض ومن افتعال ملفات خطرة يُقال إن الباجي نفسه في علاقة بها خاصة تلك المتعلقة بـ "الجهاز السري" و"الغرفة السوداء" وقد تابع المراقبون استقباله في القصر لـ "هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي" وأيضا دعوته "مجلس الأمن القومي" إلى النظر في ما تقدمه تلك الهيئة من معطيات، وهو ما فُهم على أنه نوع من الضغط على "النهضة" ومن "معاقبة" لها على استعصائها إذ لم تجاره في تنحية يوسف الشاهد من رئاسة الحكومة.
يسعى الباجي حثيثا في عملية "اختطاف" للشاهد من مساره وموقعه و"عتبته" الجديدة يريد أن يُنقذ به حزبه ويعاقب به خصمه في آن.
على وقع محاكمات التيك توك في تونس.. الحرية الأخلاقية والمسؤولية (2-2)