تصاعدت المكايدات السياسية بشكل غير مسبوق بين الإسلاميين في السودان وخصومهم في الحزب الشيوعي، بعد اندلاع تظاهرات تطالب حكومة الرئيس عمر البشير بالتنحي، ما يهدد باختزال الحراك الثوري في هيمنة "الخصومة التأريخية" بين التيارين، والتأثير على رهان ومستقبل التغيير.
ولوحظت على وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية مخاشنات واتهامات متبادلة بشأن ما يجري في البلاد من تحولات سياسية، إذ يتهم الإسلاميون خصومهم في اليسار بالهيمنة على حراك التغيير، وتوجيهه نحو أجندة لا تناسب توجهات غالبية أهل السودان، بينما يرى الطرف الآخر أن تجربة حكم الرئيس البشير لنحو 30 عاما كافية للتأكيد على فشل الإسلام السياسي.
وأبلغ "عربي21" عباس محمد إبراهيم، أحد الناشطين الإعلاميين البارزين في دعم الشباب الثائر، أن هذه المخاشنات محاولة لاختزال ما يجري في السودان، منذ كانون أول/ ديسمبر 2018، بأنه صراع يمين / يسار، ما يعدّ نوعا من الحيل الباحثة عن مخرج للنظام السياسي الحاكم.
وأوضح أن نظام الرئيس البشير المستمر، منذ حزيران/ يونيو 1989، لم يجد حائطا يحتمي خلفه من مطالب السودانيين المتمثلة في حياة كريمة (صحة، تعليم) وإيقاف الحروب، وفشل دولتهم المتسارع، سوى اتهام غريمه الأيديولوجي بالوقوف خلفها.
ويضيف إبراهيم أن المراقب لما يجري في السودان لن يغفل عن نذر التغيير، التي بدأت تتشكل في البلاد منذ انفصال جنوب السودان عن شماله، وإقامة دولة مستقلة، موضحا أن أبرز سمات هذه المرحلة شيوع مفهوم التغيير وسط مجموعات شبابية غير محسوبة ضمن حلبة الصراع التاريخي في السودان بين اليسار واليمين، معتبرا بأنه في الأصل صراع موجود في كتب التاريخ السياسي. أما على أرض الواقع، فهو غير نشط، ويتم الرجوع إليه في المواجهات من أجل الاستقطاب والاصطفاف.
ورأى أن الثورة المتواصلة في السودان حاليا ستفرز تحولات وتكوينات جديدة، قد تلعب فيها المؤسسات الحزبية القديمة دورا، لكن بشروط أن تجري مراجعات وتعيد قراءة المشهد.
في الإطار ذاته، يقول محمد الواثق أبو زيد، نائب رئيس اتحاد الشباب الوطني، لـ"عربي21"، إن المؤسسة الحزبية القديمة صارت لا تلبي طموحات ورغبات عدد كبير من الشباب يمثلون نحو 64% من سكان البلاد، وإن القوى السياسية القديمة تآكلت نتيجة انتشار الوعي الذي ساهمت فيه ثورة التعليم.
ويرى أن الظروف الاقتصادية التي تواجه السودان صاحبتها حالة من انسداد الأفق، وسط القوى المعارضة والحاكمة التي لم تقدم أطروحة جديدة تخاطب أجيالا جديدة يمثلون النسبة الأكبر من السكان (دون الأربعين).
اقرأ أيضا: تجدد احتجاجات السودان والشرطة تفرق المتظاهرين (شاهد)
لكن الباحث السياسي، الدكتور النور حمد، في حديث مع "عربي21"، يلاحظ وجود تأثير للقوى السياسية في عملية التغيير الجارية حاليا في السودان، ويحذّر من وجود تضارب في أجندة القوى السياسية بشأن اقتلاع النظام، ويرى أن عملية التغيير تتطلب إجماعا شاملا، ووحدة صلبة ملتفة حول برنامج واضح تلتزم به كل الأطراف، مبينا أنه لن يتحقق هذان العنصران إلا إذا تخطى الوعي العام حالته الراهنة، وخرجت القوى السياسية من أساليب الكيد، والكيد المضاد، وعرفت التوافق العابر لأجندة الانتماء الحزبي، أي العمل الحزبي المشترك، موضحا أن أي مرحلة انتقالية مقبلة سوف تفشل إن لم يتحقق هذا المستوى من الوعي.
ووفقا للنور حمد، فإن تجمع المهنيين الذي يقود الشباب في حراك التغيير في البلاد حاليا ليس جهة سياسية، وإنما تجمع لكيانات مطلبية، ويحوي في داخله مختلف التوجهات السياسية، وهو بهذا الوصف عرضة لـ"الفركشة" في أي منعطف حادّ جديد. وأعرب عن خشيته من أن يكون تجمع المهنيين سائرا على النسق ذاته، المفاهيم القديمة ذاتها للمؤسسات الحزبية اليمينة أو اليسارية.
ودعا إلى ضرورة التغيير في الممارسة السياسية، وعدم استنساخ كل الفترات السابقة منذ استقلال البلاد، التي لم تكن سوى سيرك سمته اللامبدئية، بل والتهريج السياسي، وديماغوجية الخطاب.
ورأى حمد أن محاولات التقسيم بين يمين ويسار من إرث الكبار الذين لا يزالون منحبسين عقليا في نماذج تغيير قديمة، موضحا أن هؤلاء هم من يظنون أن الهبة الجارية الآن سوف تسير على النسق ذاته الذي سارت عليها ثورتا أكتوبر 1964، وأبريل 1985. وأنها سوف تمضي وفق السناريو ذاته، وأضاف قائلا: "لو هي سارت على نسق أكتوبر وأبريل، فإن حالنا سيصبح: "وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جئنا".
وفي تحليليه لهذا التصعيد، يرى أبو بكر عبد الرازق، أحد المثقفين الإسلاميين البارزين في السودان، في حديث مع "عربي21"، أن كل هذه المشكلات نتيجة لما أصاب التوجهات الفكرية للمؤسسات السياسية القديمة التي تضررت من عدم توفر مناخ الحرية.
ويؤكد أن الشباب المنتمين لتيار الإسلام السياسي منفتحون على الآخرين دون سقوف، وأن الوضع بشكل عام يحتاج للحرية، وأن الشباب الثائر انسد أمامه الأفق، ويبحث عن التجديد، واستهداف الحيوية بنبض جديد يستهدف ما هو أفضل، متجاوزا التصنيفات السياسية القديمة.
ورأى أن وضع الأجيال الجديدة من السودانيين في مقاربة تاريخية يظلمهم، لأنه جيل لم يعش إلا في حقبة الإنقاذ (حكومة الرئيس عمر البشير)، وتذوق إيجابيات النظام السياسي الموجود، ولا يبالي بتصورات الأجيال القديمة للواقع.
لماذا يحتج الجزائريون على النظام الحاكم؟ (تحليل)
بعد قرارات بوتفليقة.. كيف سيسير الحراك الشعبي بالجزائر؟
هكذا ينظر الجزائريون لتحول الحراك الشعبي إلى عصيان مدني