وافقت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية الأحد الماضي على نموذج العقد الابتدائي والنظام الأساسي لشركة بورصة العقود الآجلة، حيث ستتولى البورصة الجديدة الإشراف على نشاط تداول العقود الآجلة، بالإضافة إلى تنظيم ومراقبة عمليات التداول والقيد.
وقد جاء إنشاء بورصة العقود المستقبلية بعد انتهاء الهيئة العامة للرقابة المالية، في تموز/ يوليو الماضي، من التعديلات الأخيرة في اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال، والتي فتحت المجال لإصدار أدوات تمويلية جديدة، مثل السندات الخضراء والصكوك.
ستتولى البورصة الجديدة الإشراف على نشاط تداول العقود الآجلة، بالإضافة إلى تنظيم ومراقبة عمليات التداول والقيد
وتعد السندات الخضراء من أدوات الدين، ولا تختلف عن السندات التقليدية إلا في استثمار حصيلتها في مشروعات صديقة للبيئة، كالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والأعمال الزراعية والمنشآت الخضراء.
أما الصكوك، فهى وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة ومتساوية في موجودات معينة (أعيان أو منافع أو خدمات) ومباحة شرعا،
وتصدر وفق صيغ التمويل الإسلامية، وعلى أساس المشاركة في الغنم والغرم، والالتزام بالضوابط الشرعية. ومن ثم تتعدد إصدارتها لتشمل صكوك: الإجارة، والمرابحة، والسلم، والاستصناع، والمضاربة، والمشاركة، والوكالة بالاستثمار. وقد
صدر قانون بإصدار الصكوك في عهد الرئيس محمد مرسي، ولكن تبارت الأقلام المأجورة لتشويه الصورة بفعل فاعل؛ مصورة الصكوك كأنها الوسيلة التي تم إقرارها لبيع أصول مصر، مع أنها على العكس من ذلك، فهي أداة تمويلية إسلامية لها قدرة على المواءمة بين المعضلات الأربع: الربحية والسيولة والأمان والتنمية، وهي وسيلة فعالة للتكوين الرأسمالي وخلق أصول جديدة.
ومع تحفظنا على الأدوات التي تتداول في بورصة العقود المستقبلية من مشتقات مالية، كالعقود المستقبلية وعقود الخيارات التي قوامها بيع الإنسان ما لا يملك وما لا يقبص، فضلا عن بيع الدين بالدين، وكل ذلك منهي عنه شرعا، وحتى لو تجاوزنا ذلك، فإن الحكومة المصرية (والتي لا يهمها الجوانب الشرعية) لا تهدف من وراء السندات الخضراء التي قوامها الربا والصكوك التي تقوم على الغنم والغرم؛ سوى فتح الباب لمزيد من
الديون، تلبية لسياستها المعتمدة ترقيع الدين بالدين.
الحكومة المصرية (والتي لا يهمها الجوانب الشرعية) لا تهدف من وراء السندات الخضراء التي قوامها الربا والصكوك التي تقوم على الغنم والغرم؛ سوى فتح الباب لمزيد من الديون، تلبية لسياستها المعتمدة ترقيع الدين بالدين
وليس بعيدا عنا
ما قاله وزير المالية المصري محمد معيط، منذ أيام قليلة، من أن المستهدف في موازنة العام الحالي (2018-2019) تحصيل 989 مليار جنيه من الإيرادات، لافتا إلى أنه يجد صعوبة في تحقيق المستهدف، وقد يتم تحصيل 900 مليار جنيه فقط، وأن المصروفات في الموازنة العامة للدولة لهذا العام تقدر بـ1443 مليار جنيه، وأن هذا العام يتم دفع 541 مليار جنيه فوائد، و276 مليار أقساط ديون، ومجموعهما 817 مليار جنيه فوائد وأقساط، أي ما تبقى حوالي 100 مليار، مردفا: "بنستلف تاني".
فهذا اعتراف واضح من وزير المالية المصري؛ ليس فقط بتغطية عجز الموازنة عن طريق القروض، بل أيضا بترقيع الديون القديمة بديون جديدة لا ينتج عنها قيمة مضافة أو تنمية حقيقية. ثم بعد ذلك يتباهى وزير المالية يوم الخميس الماضي بأنه بدأ باستراتيجية جديدة لإدارة الدين العام؛ تستهدف خفضه إلى 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، وذلك خلال لقائه مع يورجن ريجتينك، نائب الرئيس الأول للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، حيث أفصح مسؤولو وزارة المالية خلال الاجتماع عن خطط الوزارة للاعتماد على إصدارات الدين طويلة الأجل، ومستهدفاتهم للنمو وعجز الموازنة، إلى جانب برنامج الطروحات العامة، والذي أطلقت الحكومة مرحلته الأولى مؤخرا من خلال طرح حصة إضافية من أسهم الشركة الشرقية للدخان في البورصة.
الحكومة لم تترك لا للجيل الحالي أو المستقبلي أي أمل في الإصلاح؛ اللهم سوى مظاهر خادعة
وإذا كانت سياسة التخلص مما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام لم يسد رمق الحكومة التي فرطت في كل شيء، فإنها لم تترك لا للجيل الحالي أو المستقبلي أي أمل في الإصلاح؛ اللهم سوى مظاهر خادعة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. فقد أعلنت وزارة المالية عن إصدار سندات لآجال 10 و30 عاما للتخلص من الديون قصيرة الأجل وخفض مدفوعات الفوائد المخصصة في الموازنة الجديدة. وهكذا، بدلا من أن تقوم الحكومة بهيكلة النشاط
الاقتصادي وتعزيز الإنتاج الحقيقي، اتجهت لتجميل الديون من خلال هيكلتها وتحميل الأجيال القادمة بديون لا قبل لهم بها. كما أن الحكومة أعلنت كذلك ضم الاقتصاد غير الرسمي للناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني تجميل نسبة الدين العام مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وإظهارها على غير حقيقتها.
إننا في مصر للأسف الشديد نعيش بامتياز عصر تجميل القبيح ومخالفة الواقع واللعب على ذاكرة الناس التي تحركها العواطف، حتى بتنا نرى من يتغنى بهيكلة الديون وكأنه نجاح بلا حدود، ومن يعلن السبق بكتاب مكذوب عن إنجازات الحاكم المغوار رغم توريطه مصر الطيبة في بحور من الدماء، ووحل من الديون، ومشروعات مظهرية لا تغني من فقر أو جوع، بل تزيد رقعتهم، وتنذر بقارعة آتية ولو بعد حين.. لك الله يا مصر.