مشهد مسرحي
في مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات الخاصة في أسيوط، بصعيد
مصر شمل نموذجا مجسما للسيسي في فناء المدرسة والأطفال يرددون وراء صوت نسائي حديثا عن إنجازات
السيسي "انتو نور عينينا"، والمليون ونصف فدان، والمدن الجديدة، وقناة السويس، في حين دفع رد الفعل الساخر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ المدرسة لحذف المشهد من صفحتها، ولكنه كان قد انتشر بسرعة..
مقدمة:
هذا المشهد يعرض مأساة تربوية أخلاقية، ومدى الفساد الذي لحق بالتربية والتعليم في مصر، تماما كما قال السيسي إن
التعليم في مصر "ضايع".. لأن أهم شيء في المدرسة بالنسبة للأطفال ليست المناهج والكتب، ولكن الأهم هو توفير البيئة التربوية الصالحة، وتعني النظام والنظافة والصدق والحرية والقدوة الحسنة..
رفع علم مصر يعني حب الوطن وترسيخ قيم الانتماء، فتم استبداله بصورة السيسي، وهذا يعني تقديس الفرد وصناعة صنم للملك الإله.. وترديد النشيد الوطني يعني ترسيخ قيم الوطنية، فتم استبداله بأهازيج مثل "تسلم الأيادي" و"قالوا إيه علينا"، لتمجيد القوة العسكرية وحكم الفرد بدلا من قيم الوطنية. وهذا المشهد يعني تربية الأجيال الجديدة على الكذب والنفاق وعبادة الحاكم. وهو نوع من الخطف الذهني وغسيل دماغ ممنهج لعقول الأطفال، وتسطيح شخصياتهم، وتحطيم آمالهم وقدراتهم المستقبلية.
عرض المحتوى والرد عليه:
شمل المحتوى عرض عدة إنجازات مثل: "انتو نور عينينا"، ومشروع استزراع 1.5 مليون فدان، ومشروع بناء المدن الجديدة وتوفير السكن للمواطنين، ثم حديثه حول المساعدة من الشعب بالإنفاق من المدخرات لحفر قناة السويس الجديدة.. وهذه الإنجازات المزعومة قال عنها السيسي إنها 11 ألف مشروع. وبالطبع سوف يسأل الطفل أباه عن استزراع ملايين الأفدنة وعن توفير الطعام، ولن يجد جوابا، سوف يطلب زيارة العاصمة الجديدة ولن يستطيع دون إذن أمني لعبور الأسوار العالية والبوابات من حولها، والطفل يعيش مع أسرته في حجرة ضيقة وسكن غير آدمي، وبالتالي سوف تنشأ عند الأطفال حالة من انفصام الشخصية بين الواقع وبين الأناشيد والوعود الكاذبة، تماما كما حدث معنا في فترة الستينيات، حيث عشنا أسطورة الزعيم البطل الملهم، وأكاذيب عصر الفضاء وصواريخ القاهر والظافر، ووهم القدرة على إلقاء إسرائيل في البحر، وفجأة صحونا على هزيمة حزيران/ يونيو 67، كانت الصدمة الكبرى للإحساس الوطني عند المصريين جميعا، وما يحدث الآن هو نوع من المحاكاة لتلك المرحلة من تاريخ مصر.
المؤلم نفسيا عن الأطفال أن الحوار بدأ بقول السيسي إنهم نور عينيه، وإنه وفر لهم الأرض والزراعة والسكن، ثم يطلب منهم مدخراتهم لحفر القناة، فهذا نوع من التضارب وانفصام الشخصية بين القدرة على العطاء، وفي نفس الوقت يطلب من الشعب المساعدة بما لديهم من أموال.
وجاءت تعليقات تعليقات التواصل الاجتماعي معبرة عن رد الفعل الشعبي المصري نحو العرض المسرحي بالتعليقات الآتية:
"صنعوا للسيسي تمثالا من العجوة": قد يكون قصد الكاتب تاريخيا عن حال العرب في الجاهلية قبل الإسلام، حيث كانوا يصنعون صنما من العجوة يعبدونه ويطوفون حوله ويقدسونه، ثم إذا جاعوا أكلوه وصنعوا غيره.. وقد يكون تعبيرا عن
سخرية مجتمعية حالية من السيسي نفسه، ووصفه بأوصاف معينة لها زخم فولكلوري مصري، حول البلح والعجوة، خاصة وأن السيسي ظهر يوم الجمعة الماضي (15 آذار/ مارس) وهو يتأمل نخيل بلح العجوة في منطقة توشكي بأسوان، في حين كان العالم كله يعيش مأساه الحادث الإرهابي ضد المسلمين في مسجدي نيوزيلندا، مما يعني الانفصال التام للسيسي عن الواقع.
"المشهد يسخر من السيسي نفسه": نعم المشهد يسخر من السيسي؛ لأنهم صنعوا اللوحة الممثلة له بطريقة غير ثابتة جيدا، ووقفت مدرسة ممسكة بها من جانبها ومدرسة أخرى تسندها من الخلف، وهذه دلالة على أن السيسي مدعوم بقوى خارجية إقليمية أو دولية تحافظ على وجوده وصورته المهزوزة. ويدل أيضا على أنه مجرد دمية من عرائس الماريونيت يحركها آخرون من وراء الستار، في حين أن الشعب مطلوب منه التصفيق والتطبيل والرقص بلا وعي..
"مشاهدة العالم للمشهد يجعلهم يسخرون من مصر": هذه هي الحقيقة الواحدة التي نجحت إدارة المدرسة في صنعها. فالمشهد الساخر يعكس حال مصر الحالي من تسطيح ونفاق وتطبيل، وواضح أن إدارة المدرسة نجحت في نيل رضا الإدارة التعليمية، وبالتالي إرضاء الوزير وإرضاء السيسي نفسه لو شاهدها؛ لأنه يحب هذا الأسلوب، بدليل أنه يعقد مؤتمرات للشباب متتالية بحيث يجلس وسطهم يصفقون ويهللون له ويطبلون، ويتم إهدار الملايين من قوت شعب مصر، ولكن سخرية المجتمع جعلت المدرسة تحذف المشهد من صفحتها..
ما يهمني هنا هي نفسية الأطفال جيل المستقبل والتأثيرات السلبية على بناء شخصياتهم، تماما كما قامت وكيلة وزارة التعليم بمحافظة الجيزة بحرق الكتب داخل فناء المدرسة منذ عامين، بحجة وجود أفكار إرهابية متطرفة فيها، فهي كانت تحاول إرضاء النظام وكسب ثقة المسؤولين حول فزاعة الإرهاب وتداعياتها، وهذا الأمر لم ولن يفهمه الأطفال الذين تابعوا مشهد حرق الكتب، وهي بذلك كانت تدمر قيمة العلم والمعرفة وأهمية القراءة عند الأطفال. وهم الآن بهذه المسرحية الهزلية حول إنجازات السيسي؛ يقومون بتدمير البيئة التعليمية التربوية داخل
المدارس، ليتم تخريج جيل ضائع فاقد للهوية، ويمكن بيعه وتسويقه عالميا في أسواق الرقيق، تماما كما أشار السيسي يوم الأحد (17 آذار/ مارس) في مؤتمر الشباب العربي الأفريقي بأسوان؛ من أنه مستعد لتوجيه شباب مصر للخارج لصناعة التقدم والعلم في دول العالم ولتعود نسبة منها على مصر، تماما كما سبق وأن قال إنه يريد بيع نفسه، وهو اليوم يريد بيع الشباب المصريين في أسواق النخاسة العالمية، وفي هذا إهدار لطاقات الحاضر وضياع لمستقبل الوطن.