انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية يومي الأحد والاثنين الماضيين (24-25 شباط/ فبراير) القمة الأولى المشتركة للاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، وخرجت توصيات القمة لتعلن التأكيد على الالتزام الكامل بأجندة التنمية المستدامة 2003، وتحقيق الأهداف المشتركة، بما في ذلك التحديات المشتركة، مثل ظاهرة الهجرة وحماية ودعم اللاجئين، واحترام كافة جوانب حقوق الإنسان الدولي، وإدانة كافة أشكال التحريض على الكراهية وكراهية الأجانب وعدم التسامح، وتعزيز مكافحة الهجرة غير النظامية، وزيادة الجهود المشتركة لمنع ومكافحة تهريب اللاجئين، واستئصال الاتجار في البشر ومكافحة من يستغلون الضعفاء، والجهود الدولية الرامية للتعامل مع التغير المناخي، وخاصة "اتفاقية باريس". وكذلك تعزيز التعاون لإرساء الأمن وتسوية النزاعات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، وإرساء شراكة قوية مبنية على الاستثمار والتنمية المستدامة، وتطوير برنامج عمل تعاوني إيجابي خاصة في مجالات التجارة والطاقة، بما فيها أمن الطاقة والعلوم والبحث والتكنولوجيا والسياحة ومصائد الأسماك والزراعة، والمجالات الأخرى التي تحقق المصلحة المشتركة، وكل ذلك بهدف زيادة الثروة ومعدلات التنمية وخفض البطالة. وكذلك التأـكيد على أن التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية وفقا للقانون الدولي، بما فيه القانون الإنساني الدولي يعد مفتاح تحقيق السلام والرخاء الذي تطلبه وتستحقه شعوب المنطقة.
وقد جاء انعقاد تلك القمة (التي يمكن تسميتها قمة الدم) بعد أيام معدودات من إقدام السلطات المصرية على إعدام تسعة من خيرة الشباب، وتعنتها في تسليم جثامينهم، في قضية ملفقة ظاهرا وباطنا، وهي قضية مقتل النائب العام التي شهد العالم جميعه ما ذكره المتهمون في حوارهم مع حسن فريد، القاضي الجائر، من تعرضهم لتعذيب ممنهج، وحين قال القاضي لأحدهم، وهو الشهيد محمود الأحمدي، إنه يوجد اعتراف منك بالقتل، رد عليه بكل قوة وثبات: أعطني صاعقا كهربائيا وأنا أجعلك تعترف بقتل السادات.. إن في جسدي من الكهرباء ما يكفي مصر عشرين عاما.
إن هذه القمة التي يتغنى بها الإعلام المصري هي كسابقتها من مؤتمرات انعقدت في شرم الشيخ، وفي مقدمتها المؤتمر الاقتصادي الذي كان نتاجه سرابا ماليا ووعودا لم تنفذ. والأوربيون حينما يأتون إلى مدينة السلام (كما نطق السيسي المحارب لشعبه) لا يأتون إلا من أجل مصالحهم، فلم ولن يساهموا في إنتاج حقيقي يذكر، ولن يحققوا سلاما وهم يوقدون نار الحروب ببيع أسلحتهم، وكل ما يهمهم هو الحيلولة دون هجرة العمالة العربية والإفريقية، في الوقت الذي جل اهتماماتهم هو حركة سلعهم وخدماتهم بما يحقق تعظيم ربحيتهم.
إنه لولا النفاق الأوروبي والدعم الأمريكي للنظام الفاشي في مصر؛ ما عُلّق هؤلاء الشباب الطاهر على أعواد المشانق، في ظل نظام سياسي جائر وقضاء ظالم وشرطة فاسدة وجيش مستكين وإعلام فاجر، وحركة إسلامية لا تعرف طريقها، ولم تغير ما بنفسها، وركنت إلى الفقه التبريري الابتلائي لا التمكيني، واستكانت للذبح السيساوي، حتى بات العجز سماتها، والحركة نقيضها.
لولا النفاق الأوروبي والدعم الأمريكي للنظام الفاشي في مصر؛ ما عُلّق هؤلاء الشباب الطاهر على أعواد المشانق، في ظل نظام سياسي جائر وقضاء ظالم
ينبغي أن لا يمتد اليأس إلى قلوبنا ونفقد الأمل، فلعل هذه الدماء الزكية تكون لعنة على السيسي وجنده، من قضاء وعسكر وشرطة وإعلام، وتكون فرصة لأصحاب قضية تحرير مصر لنبذ المصالح الشخصية
إن قمة الدماء التي انعقدت بشرم الشيخ هي رسالة لكل وطني معارض للنظام المصري؛ بأن النفاق الغربي مستمر، وأن الغربيين لا يهمهم سوى مصالحهم. ومع ذلك، فينبغي أن لا يمتد اليأس إلى قلوبنا ونفقد الأمل، فلعل هذه الدماء الزكية تكون لعنة على السيسي وجنده، من قضاء وعسكر وشرطة وإعلام، وتكون فرصة لأصحاب قضية تحرير مصر (التي هي محور تحرير الأمة الإسلامية جميعها) لنبذ المصالح الشخصية، والتوحد على كلمة واحدة لإنقاذ الذين ينتظرون دورهم في الإعدام والمعتقلين، خاصة وأن الحراك الثوري بدأ يتجدد مرة أخرى، لا سيما في دول أوروبا التي تختلف مواقف شعوبها ومؤسسات مجتمعها المدني عن مواقف حكامها.
ومن ثم يمكن التوحد نحو محاور ثلاث لإسقاط هذا الانقلاب الغاشم: المحور الأول: محور حقوق الإنسان، بفضح هذا النظام غربيا بكافة الوسائل، والمحور الثاني: محور الإعلام، بتجديد الخطاب الإعلامي والتركيز علي آليات مبتكرة بعيدة عن نفق رد الفعل فقط، بل تتسم بالفعل ورد الفعل، والمحور الثالث: هو المحور الاقتصادي، من خلال كشف الجرم الاقتصادي لهذا النظام في إفقار شعبه وتحميله من الديون ما لا قِبَل له به، وترسيخه للطبقية من خلال التمييز بين أركان نظامه والشعب، فضلا عن دور الوضع السيئ للاقتصاد في تحقيق حراك شعبي تحركه نخبة واعية؛ مهمتها تحقيق الأمل الضائع: الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.