فرحة إيران بالضعف الإرادي الأوروبي "لا يمكن
القبول بمواصلة أوروبا استرضاء نظام الملالي الإرهابي"
ستراون ستيفنسون.
لا تزال أوروبا تسعى إلى تلطيف الأجواء مع
النظام الإيراني. استهلكت كل أدواتها التبريرية في ذلك، إلى أن دفعت الأصوات
المعارضة لهذا السلوك الأوروبي من داخل القارة نفسها إلى الأعلى أكثر فأكثر،
مطالبة بضرورة تغيير هذا البؤس السياسي، وبالنظر إلى الحقائق على الأرض، وعدم
"فذلكتها"، وبالاعتراف أن هذا النظام لا يمكنه أن يكون جزءا من المجتمع
الدولي، وأنه حصل على أكثر مما يكفي من فرص ليس من أوروبا فحسب، بل حتى من جيرانه
الذين تحملوا منه كل خرابه وطائفيته وإرهابه. أصوات تقول بوضوح لقادة الاتحاد
الأوروبي على وجه الخصوص، كفى، عليكم أن تقوموا بما هو صالح للشعب الإيراني أولا،
والمنطقة والعالم. دعكم من "نظرية" الاحتواء هذه، لم تنفع منذ عقود، ولن
تنفع في المستقبل، لأن التجربة "ببساطة" أثبتت ذلك.
لا يريد الأوروبيون "حتى الآن" أن يقبلوا
بالإجراءات العقابية المحورية والمهمة التي اتخذتها الولايات المتحدة بصورة
متدرجة. بل يقوم هؤلاء بعملية فاضحة واضحة لاحتواء هذه العقوبات عن طريق الالتفاف
حولها، ما يمنح نظام الملالي في طهران مزيدا من "الأكسجين" لبقائه،
وبالتالي استمرار تخريبه وإرهابه. فعلى الرغم من قيام بريطانيا أخيرا بوضع واحدة
من أسوأ المنظمات إرهابا "حزب الله" على قائمة الإرهاب الخاصة بها، إلا
أنها لا تزال مترددة أو "متفذلكة" في التعاطي مع اعتقال طهران لبريطانية
- إيرانية منذ ثلاث سنوات تقريبا. أقصى ما قالته لندن، إنها منحت هذه المرأة حصانة
دبلوماسية وهي في سجنها، على أمل أن تساعد في الإفراج عنها. لكن لم يحدث شيء ولن
يحدث، لأن نظام علي خامنئي لا يزال يستغل الضعف الإرادي الأوروبي.
والموضوع البريطاني هنا مهم، كإشارة إلى الحالة
الأوروبية العامة. فلندن سجلت ببساطة أكبر موقف "متشدد" حيال إيران،
لكنها لم تحصد شيئا، ولم تفدها حتى الزيارة التي قام بها جيرمي هانت وزير خارجيتها
لإيران. والأمر ينطبق بصورة أبشع على الاتحاد الأوروبي ككل. هذا الاتحاد الذي أجهد
نفسه أخيرا ليس بالوقوف ضد نظام إرهابي طائفي، بل في اختراع آلية مالية لتمرير
الصفقات التجارية مع إيران! آلية احتيال على عقوبات أمريكية أثرت بالفعل سلبا في
هذا النظام، إلى درجة أن منظماته الإرهابية وفي مقدمتها "حزب الله" بدأت
تعلن رسميا الشح المالي، وتطلب التبرعات من المغفلين، وتخفض رواتب أفراد عصاباتها،
بل تقلص التمويل لبعض أجهزتها الإعلامية التي يديرها مرتزقة.
العقوبات التي تسعى أوروبا إلى الالتفاف حولها، دفعت علي
خامنئي نفسه ليطالب سفاح سورية بشار الأسد برد أكثر من 20 مليار دولار، كان قد
أنفقها نظام طهران في حربه التخريبية في سورية.
كما أن هذه العقوبات قللت من تمويل خامنئي أيضا لحروبه المنتشرة في الأرجاء. أي إنها عقوبات ذات عوائد جيدة بالنسبة للشعب الإيراني والمجتمع الدولي ككل. ومع ذلك، تريد موجريني ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أن تواصل العمل بلا كلل من أجل إرضاء نظام علي خامنئي! وهي مدعومة من كل قادة أوروبا، مع بعض الاستثناءات غير المؤثرة. ولهذا كان المؤتمر الذي عقده برلمانيون أوروبيون أخيرا ضروريا، بل مهما لفضح أوروبي لسياسة أوروبية عقيمة تتستر على نظام إرهابي جلي.
البرلمانيون الأوروبيون الغاضبون من مواقف حكوماتهم،
ركزوا على الناحية الخاصة بحقوق الإنسان ضمن البر الإيراني، وإن عرجوا على خراب
نظام خامنئي في الأرجاء. وهم يعيشون صدمة كبيرة، لأن أوربا تسترضي نظاما لا قيمة
عنده للإنسان فكيف حقوقه؟! وهؤلاء لا يريدون إلا شيئا واحدا، وهو قيام حكومات
أوروبا (وكذلك الحكومة البريطانية بالطبع) باعتماد سياسة صارمة واضحة تجاه إيران
تستند إلى ماذا؟ إلى دعم الشعب الإيراني. وهذا الأخير بلغ به الأمر حدا صار معه
سكان الكهوف في البلاد يتزايدون على مدار الساعة، والبطالة في ارتفاع مستمر، وقيمة
عملتهم في انهيار متواصل، ومؤسساتهم الكبرى لا تقوى حتى على مواصلة العمل. إضافة
إلى عوامل أخرى دفعت حتى شخصيات من النظام نفسه للقول علنا، إن الشعب لم يعد
يحتمل، وإنه بات خطيرا على النظام.
هل تسمع المفوضية الأوروبية؟ هل تقدم على خطوة تغير من
"فذلكتها" السياسية البائسة؟ هل ستواصل الالتفاف حول عقوبات أثبتت عمليا
أنها مؤثرة في صعيد قصقصة أجنحة الإرهاب التي تجعل من إيران تحلق هنا وهناك؟ هل
ستقبل بالفضائح التي خرجت في غير مناسبة فيما يتعلق بتجنيد دبلوماسيين إيرانيين
للقيام بأعمال إرهابية على الأرض الأوروبية؟
الأسئلة كثيرة، ولكن لا جواب واحد عن أي منها. فأوروبا بقياداتها الراهنة لا ترى ما هو موجود فعلا على الأرض، أو لنقل إنها لا ترغب في ذلك. لكن هذا لن يدوم إلى الأبد. فالتحركات الأوروبية الداخلية باتت قوية، حيث يمكنها أن تؤثر لاحقا في المؤسسات السياسية الأوروبية الحاكمة نفسها مباشرة. ناهيك عن الغضب الأمريكي الذي لا يزال مواربا بعض الشيء حاليا.
عن صحيفة الاقتصادية السعودية