نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلها أنطوني لويد، الذي قابل الطالبة البريطانية التي انضمت إلى تنظيم الدولة شاميما بيغوم، في بلدة الحول في شمال سوريا.
ويقول لويد في تقريره، الذي جاء تحت عنوان "شاميما بيغوم: أعيدوني إلى وطني.. تقول ابنة منطقة بيثنال غرين التي هربت إلى داعش"، إن "العروس الجهادية" طالبة المدرسة من لندن كشفت عن حجابها في اليوم الذين تلقى فيه تنظيم الدولة الضربة القاضية، فقد مات ولداها واعتقل زوجها، وعمرها 19 عاما، وهي حامل في شهرها الثامن، ومتعبة بعد هروبها عبر الصحراء، لكنها كانت هادئة وتحدثت بصوت واضح.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن بيغوم، قولها: "لم أعد تلك الفتاة البالغة من العمر 15 عاما، التي هربت من بيثنال غرين قبل أربعة أعوام.. لست نادمة على أنني هنا".
ويعلق الكاتب قائلا: "بهذه الكلمات، وكشفها عن نقابها، انتهى اللغز"، فالفتاة التي كانت جالسة أمامه في مخيم محتشد من 39 ألف لاجئ، وسجلت فيه، ورقمها 28850، هي في الحقيقة شاميما بيغوم، وهي الفتاة الوحيدة الناجية من تلميذات المدرسة الثلاث اللاتي فررن من "بيثنال غرين أكاديمي"، اللواتي لم يعرف مصيرهن منذ مغادرتهن لندن معا".
وتقول الصحيفة: "ربما وصلت بيغوم إلى منطقة آمنة نسبيا، لكنها عنفت نفسها لمغادرة آخر معقل لتنظيم الدولة عندما حاصرها المقاتلون الأكراد والقوات الغربية الداعمة لهم".
ويورد التقرير نقلا عن بيغوم، قولها: "كنت ضعيفة" بعد هروبها من معركة باغوز، "لم أستطع تحمل المعاناة التي تنبع من البقاء في ساحة المعركة، ولو بقيت فإني كنت خائفة على الجنين الذي أحمله وسألده قريبا، وأن يموت مثل أولادي الأخرين، وهربت من الخلافة، وكل ما أريده هو العودة إلى أهلي في بريطانيا".
ويلفت لويد إلى أن هروب بيغوم من المعركة المضطربة في شرق سوريا ربما كان مصدر فرح لعائلتها في بريطانيا، وتحديا للسلطات البريطانية التي تواجه عددا من القيود بشأن عائلات تنظيم الدولة، مشيرا إلى أنها هربت هي ورفيقتيها كاديز سلطانة وأمينة عباس من لندن في شباط/ فبراير 2015، وانضممن لرابعة من مدرستهن هربت إلى سوريا، وهي شامينا بيغوم، التي غادرت في نهاية عام 2014، وتزوجت كل واحدة منهن مقاتلا من تنظيم الدولة، ويقال أن سلطانة قتلت قبل عامين.
وتنقل الصحيفة عن بيغوم، قولها إن ما تبقى من مجموعة بيثنال غرين اخترن البقاء في المعقل الأخير للتنظيم، باغوز، وتعلق قائلة: "أخطأن.. لكنني احترم قرارهن، واخترن الصبر والتحمل في الخلافة، واخترن البقاء في باغوز، وسيشعرن بالخجل لو نجون من القصف والمعركة ليكتشفن أنني غادرت"، وتضيف: "لقد اخترن بصفتهن نساء قتل أزواجهن، وكان قرارهن هو البقاء".
ويفيد التقرير بأن قرار تلميذات المدرسة ترك حياة عائلية مستقرة والانضمام لتنظيم إرهابي صدم البريطانيين، وكان تجسيدا لجاذبية للجهاديين الذين تدفقوا مع ما أطلق عليهن "عرائس الجهاد" إلى مناطق تنظيم الدولة، وذكرت تقارير في أيار/ مايو 2016 أن سلطانة قتلت في هجوم على مدينة الرقة، التي كانت عاصمة "الخلافة"، وبعد ذلك انقطعت أخبار الفتيات مع عائلاتهن، واعتقدت بيغوم أنهن في عداد القتلى.
ويورد الكاتب نقلا عن بيغوم، قولها إن رفيقتيها كانتا في الجيب الأخير من الأراضي التي تحت سيطرة التنظيم بين بلدة هجين وباغوز في وادي الفرات، التي تقدمت إليها قوات سوريا الديمقراطية، وتعلق قائلة: "آخر مرة رأيت فيها رفيقتي كانت في حزيران/ يونيو.. لكنني سمعت من امرأة أخرى قبل أسبوعين انهما على قيد الحياة في باغوز، ولست متأكدة من نجاتهما وسط هذا القصف كله".
وتذكر الصحيفة أنه منذ هروبها من خطوط القتال حول باغوز مع زوجها الهولندي ياغو ريدك (27 عاما)، الذي اعتنق الإسلام وتزوجته بعد عشرة أيام من وصولها إلى الرقة عام 2015، ظلت محتجزة في مكان غير معروف في قسم في مخيم الحول في شمال سوريا، ولم تكن تعلم أن السلطات البريطانية تعلم بوجودها في المخيم، وطلبت إيصال رسالة لأختها في بريطانيا لتعلم أهلها أنها لا تزال على قيد الحياة.
وينوه التقرير إلى أن المقابلة في ساحة المعتقل استغرقت لمدة ساعة ونصف، حيث كشفت عما جرى لها ولرفيقاتها منذ مغادرتهن بريطانيا، وقالت إنها تكيفت سريعا مع الحياة، وظل حديثها يتراوح بين الإعجاب والغضب من تنظيم الدولة، وتقول إنها ذهبت أول وصولها إلى الرقة إلى "بيت النساء" بانتظار الزواج، و"تقدمت بطلب الزواج من مقاتل يتحدث اللغة الإنجليزية يتراوح عمره ما بين 20- 25 عاما"، وكانت الأولى التي تتزوج من رجل هولندي من بلدة أرنهيم، فيما تزوجت سلطانة مقاتلا أمريكيا، وتزوجت عباس أستراليا، وتزوجت شامينا من رجل بوسني.
ويبين لويد أن شاميما بيغوم اكتشفت الواقع بعد فترة قصيرة، عندما اعتقل زوجها واتهم بالتجسس، وتفول: "اعتقلوه وعذبوه ستة أشهر ونصف واتهموه بالتجسس.. كان هناك قمع مماثل لناس أبرياء، وفي بعض الحالات تم إعدام مقاتلين قاتلوا مع التنظيم بتهمة التجسس وهم أبرياء"، ثم قتلت سلطانة في غارة جوية، وتقول: "كان هناك الكثير من الهمس في بيت كاديزا.. من الجاسوس الذي أخبر التحالف الذي قصف، لم أفكر أن هذا سيحدث، وكنت في حالة من الإنكار، وظننت أنه لو قتلنا فإننا سنقتل معا".
وبحسب الصحيفة، فإن زوجها قاتل وجرح في كوباني قبل لقائه معها، ورغم التهم الخطيرة الموجهة إليه فإنه تم إطلاق سراحه، لكنه لم يعد مقاتلا، وظلا يعيشان في الرقة، التي وصفت الحياة فيها بين العذاب والعادية، "في معظمها كانت الحياة عادية في الرقة، وكان يحدث بين الفترة والأخرى قصف.. عندما شاهدت رأسا مقطوعا في سلة قمامة لم أخف، وكان رأس مقاتل أسر في المعركة، وكان عدو الإسلام، وفكرت ماذا كان سيعمل بالنساء المسلمات لو ظل على قيد الحياة".
ويشير التقرير إلى أنها أظهرت الموقف ذاته من أشرطة الفيديو لذبح الصحافيين والرهائن لدى التنظيم، وعلقت قائبة: "يمكن أن يكون الصحافيون جواسيس ويدخلون سوريا بطريقة غير قانونية"، وقالت عنهم في لغة تعكس دعاية التنظيم: "هم تهديد أمني على الخلافة".
ويلفت الكاتب إلى أنها غادرت الرقة مع زوجها في كانون الثاني/ يناير 2017، لتعيش في بلدة الميادين، حيث أصيبت بجرح طفيف جراء قصف، وقتل فيه طفل وامرأة كانا في البيت، مشيرا إلى أنها أنجبت أول طفلة وأسمتها سارية.
وتستدرك الصحيفة بأنه مع بداية تراجع التنظيم وخسارة الرقة والميادين أخذ الناجون يتحركون للجنوب على طول وادي الفرات، وفي هذه المرحلة أصبحت صديقتاها أرملتين بعد مقتل زوجيهما، وتقول: "بدأت في التفكير أن الخلافة لن تنجو أبدا.. رغم دعوة زوجي للصبر والتحمل ووعد بالنصر بعد الهزيمة".
ويعلق لويد قائلا إن النصر لم يأت، حيث اختبأت العائلة في بلدة سوسة بين هجين وباغوز، وعندما حاصرت قوات سوريا الديمقراطية المنطقة أصبح القصف بشكل يومي، وفي هذه الفترة مات ابنها، وكان عمره 8 أشهر، حيث نقلته إلى مستشفى تنظيم الدولة في هجين، لكن دون جدوى، وتقول: "لم يكن هناك دواء ولا ممرضون بالقدر الكافي، ورأيت ضحايا أصيبوا إصابات خطيرة وطلب منهم العودة إلى بيوتهم".
ويذكر التقرير أنه مع اقتراب القتال من العائلة فإنها تحركت نحو باغوز، حيث جرى نقاش بين المصممين على القتال حتى النهاية أو الخروج، مشيرا إلى أنه بسبب كونها حاملا في الأشهر الأخيرة، ومرض ابنتها سارية التي ماتت بعد ذلك، وكان عمرها 9 أشهر ودفنت في باغوز قبل شهر، فإنها قررت الخروج من ساحة القتال الأخيرة، في وقت ظل زوجها يطلب منها الصبر والتحمل، لكن الحزن على طفليها وخوفها على الجنين في بطنها كان الدافع وراء هربها، "في النهاية لم أعد قادرة على التحمل".
وتنقل الصحيفة عن بيغوم، قولها إن تنظيم الدولة طلب في الأسابيع الأخيرة من عائلات المقاتلين الأجانب القرار: البقاء أو الهروب إلى الصحراء قدر ما يستطيعون، وقررت قبل أسبوعين الخروج عند الفجر ومشت مع زوجها ميلين قبل أن يسلم نفسه لمجموعة من مقاتلي سوريا الديمقراطية، وكانت هذه هي آخر مرة تراه فيها. ونقلت بالحافلة إلى مخيم الحول، حيث تنتظر معرفة مصيرها، وتريد العودة إلى بريطانيا.
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول بيغوم: "الخلافة انتهت.. كان هناك اضطهاد وفساد، وأعتقد أنهم لا يستحقون النصر، وأعرف ماذا يقول الناس عني في الوطن، فقد قرأت كل ما كتب عني على الإنترنت، وكل ما أريده هو العودة لأنجب طفلي، وهذا كل ما أريده الآن، وسأفعل المستحيل للعودة والعيش بهدوء مع طفلي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: أنصار النظام السوري يحتجون على نقص الوقود
إندبندنت: مراجعة لبرنامج مكافحة التطرف البريطاني "بريفنت"
نيويورك تايمز: ما حقيقة انتهاء تنظيم الدولة؟