ما زالت مأساة النساء المعتقلات بسجون الانقلاب بمصر تمثل واحدة من أكبر الأزمات التي يواجهها ملف حقوق الإنسان في عهد عبد الفتاح السيسي، الذي توسع في اعتقال الفتيات والسيدات منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013.
وتشير الإحصائيات التي تناولت ظاهرة اعتقال السيدات إلى أن الأرقام تخطت ألفي سيدة وفتاة خلال السنوات الخمس الماضية، وبعضهن تعرضن للاختفاء القسري لفترات امتدت لشهور، كما أن عددا منهن رهن الاعتقال بمقر الأمن الوطني، رغم أنهن يخضعن للتحقيق المنتظم بالنيابات المختصة.
ووثقت رابطة "نساء ضد الانقلاب" 320 حالة اعتقال واختفاء قسري في حق النساء، وحتى نهاية 2018 ما زالت في السجون 70 سيدة وفتاة، موزعات على سجن القناطر الخاص بالسيدات، ومقار الأمن الوطني بالشيخ زايد ومدينة نصر.
وحسب بيانات العديد من المنظمات الحقوقية، فإن آخر مجموعة منهن والتي تضم الناشطة الحقوقية هدى عبد المنعم وابنة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين عائشة خيرت الشاطر والناشطة سمية ناصف، لا يعرف أحد مكان احتجازهن، رغم اعتقالهن منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، كما يتم منع محاميهن وذويهن من حضور جلسات التحقيق، التي تتم في سرية تامة بمقر نيابة أمن الدولة العليا.
وهي الحالة ذاتها التي تعيشها الناشطة سمية ماهر حزيمة، التي تم اعتقالها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وما زالت مختفية حتى كتابة هذه السطور، رغم ظهورها مرات محدودة بنيابة أمن الدولة للتحقيق معها بتهمة التخابر مع تركيا، لتنضم إلى 14 سيدة وفتاة مختفيات قسريا، حسب بيانات نساء ضد الانقلاب.
ماذا يعني سجن النسا
المعتقلة السابقة الصحفية سماح إبراهيم تؤكد لـ "عربي21" أن سجن النسا هو المرادف لسجن القناطر، حيث لا يوجد في مصر التي تضم 59 سجنا إلا سجن واحد للنساء. وفي هذا السجن، يتساوى الجميع، سواء كانت المسجونة معتقلة سياسية، أو كانت تاجرة مخدرات أو مسجونة في جريمة قتل أو سرقة، أو كانت الجريمة مخلة بالشرف مثل الدعارة، وهي الأكثر في سجن القناطر.
وحسب رواية إبراهيم التي قضت في هذا السجن طوال فترة اعتقالها، فإن تعامل إدارة السجن في بداية الانقلاب كانت غاية في السوء، وكان يتم تكليف السجينات الجنائيات بإيذاء المعتقلات، خاصة الطالبات، إلا أنه بطبيعة الحال فإن العشرة والخبرة كفيلة بأن تلين الطباع وتغيرها مع الجنائيات، وليس الإدارة.
وتضيف إبراهيم أن السجن مجتمع سيئ، وسجن النساء أكثر سوءا، مؤكدة أنها استمعت لقصص شديدة القسوة من المعتقلات، خاصة طالبات الأزهر اللاتي كن بمثابة سبايا حرب للضباط أثناء اعتقالهن، وقد تعرض عدد منهن للاغتصاب أمام مرأى ومسمع من الجنود مثل الطالبة "ندى أشرف" التي قصت للإعلام قصتها وقتها، وهناك غيرها يرفع مبدأ الستر أفضل من الفضائح حتى لو كانت الفضيحة خاصة بالانقلاب.
وتروي "إبراهيم" قصة سارة خالد طالبة طب الأسنان الشابة التي تم اعتقالها في كانون الأول/ يناير 2014، بسبب وضعها "دبوس" يحمل شعار رابعة على حجابها، وقد تم الاعتداء عليها داخل السجن وتجريدها من ملابسها، وأطلقت عليها إدارة السجن المسجونات الجنائيات؛ لأنها اعترضت مع زميلاتها على سوء المعاملة داخل السجن ونظمن إضرابا عن الطعام، ما أصابها بمشاكل شديدة في السمع بعد ذلك.
مأساة متعددة
وتضيف الناشطة الحقوقية نورا عبد الله لـ"عربي21" أن السيسي تجاوز منذ اللحظة الأولى الخطوط الحمراء فيما يتعلق باعتقال النساء والفتيات، حيث كان مقتل هالة أبو شعيشع وزميلاتها من أول العمليات الانتقامية التي نفذها الانقلاب ضد مؤيدي الرئيس محمد مرسي، ومن هذا التاريخ لم يعد هناك حرمة للنساء في قاموس السيسي وأجهزته الأمنية.
وتؤكد عبد الله أن التجاوزات في حق النساء لم تقف عند حد الاعتقال والسجن، وإنما امتدت للتعذيب، كما جرى مع طالبات الأزهر، سواء بأقسام شرطة الأزبكية ومدينة نصر ومصر الجديدة في بداية الانقلاب، ثم التعذيب بمقار الأمن الوطني، كما حدث مع حالات عديدة رفضت الكشف عن تفاصيل ما جرى لحساسية موقفهن، مشيرة إلى أن الأمر وصل لحد الاغتصاب البشع.
ووفقا للناشطة الحقوقية، فإن هناك تعنتا واضحا داخل السجن مع المعتقلات، مستدلة بحالة الصحفية علياء عواد التي تعاني من ورم في الرحم يهدد حياتها، ولديها توصيات طبية من إدارة مستشفى السجن بضرورة إجراء عملية استئصال للرحم، رغم أنها مازالت فتاة، إلا أن السلطات المصرية تتعنت معها بشكل غير مبرر، وكأنها اتخذت قرارا ضدها بالإعدام البطيء.
وتشير عبد الله إلى أن العاملات في ملف حقوق المعتقلات حاولن التواصل مع المنظمات المعنية بحقوق المرأة، للدفاع عن السيدات والفتيات المعتقلات، إلا أن التعامل معهن كان في منتهى القسوة والعنف والحقد، وكأن هذه المنظمات تريد إرسال رسالة لهن بأن المرأة الرافضة للانقلاب ليس لها حقوق، ولن تجد من يدافع عنها من بين هذه المنظمات.
ما دلالة انفجار الهرم.. وكيف يستغله نظام السيسي؟
أزمة مياه تهدد مصر مع اقتراب اكتمال سد النهضة الإثيوبي
كيف صمد الأزهر بوجه السيسي وتوسع بتأثيره على المصريين؟