تشهد مدينة منبج في الشمال السوري، صراعا كبيرا بين الجيش الحر المعارض الذي تدعمه تركيا من جهة، والنظام السوري وحليفته روسيا من جهة أخرى، في تنافس على المنطقة التي ستغادرها الولايات المتحدة قريبا، التي أعلنت أنها سترحل من سوريا.
وفي ظل الصراع على مناطق النفوذ الأمريكي في سوريا، ظهر تحرك النظام السوري بشكل مفاجئ في منبج، معلنا التقدم فيها، رغم أن هذه المنطقة ظلت تركيا تهدد باستمرار بأنها ستسيطر عليها، ما جعلها تتصدر المشهد، لولا التنسيق مع أمريكا الذي استغرق مطولا من أجل تنفيذ اتفاق منبج بين أنقرة وواشنطن.
ودفع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من سوريا رسميا، إلى صراع نفوذ على هذه المنطقة، التي تعتبرها تركيا مكانا يهدد أمنها القومي بسبب تواجد قوات كردية مسلحة تصنفها أنقرة إرهابية هي وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرهما أذرعا عسكرية لحزب العمال كاردستاني المحظور في تركيا.
ورغم أن المعارضة السورية وتركيا والتحالف الدولي بقيادة أمريكا نفوا جميعا صحة الأنباء التي أوردها النظام السوري بأنه دخل إلى منبج ورفع أعلامه فيها، إلا أن الخطوة من قوات الأسد، جعلته منافسا كبيرا في هذه المنطقة، لا سيما بعد تصريحات روسية تطالب بجعل مناطق نفوذ أمريكا بيد النظام في دمشق.
اقرأ أيضا: موسكو: دمشق يجب أن تسيطر على مواقع الانسحاب الأمريكي
وسبق أن كشفت مصادر لـ"عربي21"، سعي النظام السوري بوساطة روسية لاتفاق مع "مجلس منبج العسكري" التابع للوحدات الكردية، ينص على دخول قوات النظام إلى المربع الحكومي في منبج، ورفع علمه فوق مبانيها، وانتشار جزء من هذه القوات على طول شريط التماس مع درع الفرات.
وما يجعل من الأمور أكثر وضوحا من حيث الأفضلية العسكرية في منبج للأطراف المتنازعة، توضيح خريطة انتشارها التي هي كالتالي وفق ما رصدته "عربي21":
قوات النظام وحلفاؤها:
تنتشر قوات النظام السوري وحلفاؤها في ريف منبج الشمالي والغربي، عند خطوط التماس مع الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة من أنقرة، أي جنوب غرب مدينة منبج.
وفي جنوب منبج، ينتشر النظام السوري في مناطق عدة مثل ناحية أبو كهف، وهي مناطق موجودة معه سابقا.
تركيا والجيش الوطني:
تتواجد قوات الفصائل المعارضة في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات حتى جرابلس أي شمال منبج وغربها.
وكذلك، فإن حشودا عسكرية تركية متمركزة على أطراف منبج الشمالية والغربية.
القوات الأمريكية:
ما تزال القوات الأمريكية متواجدة في مدينة منبج، رغم الإعلان الرسمي عن قرار انسحاب أمريكا من سوريا، إلا أن ترامب سبق أن أوضح أن العملية ستتم ببطئ.
واليوم الجمعة، أكد التحالف الدولي بقيادة أمريكا، أن القوات الأمريكية ما تزال موجودة في منبج، ولم تخرج منها، وأنها لم ترصد أي تقدم للنظام السوري إلى داخل المدينة، عكس ما روج له النظام السوري.
اقرأ أيضا: التحالف الدولي يكذب النظام السوري بشأن دخوله منبج
القوات الكردية المسلحة
وتسيطر قوات كردية مسلحة هي وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" على مدينة منبج ميدانيا وعسكريا، ويحكم المدينة مجلسها الذي يدعى "مجلس منبج العسكري".
وباتت هذه القوات الكردية بين نارين، تركيا والجيش الحر من جهة، والنظام السوري وروسيا من جهة أخرى، حيث يريد الجانبان أن يسلباها سيطرتها على منبج السورية.
وتعادي القوات الكردية في منبج كلا من الجانبين، وتريد إبقاء نفوذها عليها، إلا أن الانسحاب الأمريكي رفع الغطاء عنها، إذ كانت واشنطن تدعم هذه القوات بشكل كبير، سياسيا وعسكريا، وقامت بتدريبها وتسليحها، إلا أن قرار الانسحاب من سوريا أشعرها بأنه تم التخلي عنها.
اقرأ أيضا: قوات سوريا الديمقراطية تحذر من تداعيات الانسحاب الأمريكي
الأفضلية ميدانيا
من جهته، قال المتحدث باسم "الجيش الوطني" المشارك إلى جانب تركيا بعملية منبج المتوقعة، الرائد يوسف حمود، إنه من جانب الأفضلية الميدانية، فإن فصائل المعارضة السورية وتركيا تتصدر تماما، من حيث التعزيزات والإمكانيات العسكرية والعدد والتعداد، وحتى الرؤى السياسية.
وقال لـ"عربي21"، إن الجيش الوطني بات على خط التماس مع منبج، وأنه جاهز في أي لحظة لبدء العملية العسكرية، في حال صدور الأوامر.
وقال إن المعارضة السورية يجب أن تكون هي التي تملأ الفراغ الأمريكي في منطقة الشمال السوري وشرق نهر الفرات تحديدا.
ولفت إلى أن مشروع النظام السوري في منبج، لا يجعله صاحب أفضلية من الناحية السياسية، فالأوضاع ستزداد تأزما وستتفاقم الأمور في حال سيطرته، لا سيما مع تهديد المزيد من النزوح وسياسية الاحتواء بدل العلاج، والتجنيد الإجباري وفض التغييرات الديمغرافية للمنطقة.
وأكد أن الأمور تحت سيطرة القوات الكردية في منبج ليست بأفضل حال، لا سيما مع الاعتقالات وفرض التجنيد الإجباري معتبرا أن المعارضة السورية البديل الأفضل فالوحدات الكردية سببت "شرخا مجتمعيا في منبج".
ولم يستبعد حمود المعركة مع النظام في منبج في حال تقدمه إلى منبج أكثر، مشددا على أن فصائل المعارضة مستعدة لإذاقته هزيمة كبيرة.
من جانبه، اختلف العميد السوري أحمد الرحال مع القول بأن الأفضلية الميدانية تحكم المعركة، مؤكدا أن التوافقات السياسية هي التي تحكم في سوريا اليوم.
وقال الخبير العسكري لـ"عربي21"، إن "منبج تخضع لتوافقات، فهناك قرار في أنقرة وآخر في موسكو وآخر في واشنطن، وكل ذلك يحكم الأفضلية لمن".
وأوضح أن "الجغرافيا السورية لا تحكمها القوة العسكرية، بل التوافق السياسي، يعني في شرق الفرات وشمال دير الزور والبوكمال ومنبج وتل رفعت التي ستدخل إلى الخط مستقبلا بشكل قوي، فإن القوة العسكرية ومدى قوة الجيش الحر وضعفه أو قوة النظام السوري وضعفه، غير مهم".
اقرأ أيضا: المعارضة السورية لـ"عربي21": هذه أسباب تأخيرنا معركة منبج
وأكد أن هذه المناطق تخضع لتوافقات ثلاث عواصم، هي أنقرة وموسكو وواشنطن، وما تقوله هذه العواصم ينفذ، لأنها القوى الرئيسية، فروسيا لديها النظام وحزب الله وإيران تحت جناحها، وتركيا لديها المعارضة السورية، وواشنطن قوات سوريا الديمقراطية تحت جناحها، إلا أن الأخيرة اختلفت الأمور لديها بعد قرار انسحاب أمريكا من سوريا.
ولفت إلى أن هناك "وفدا تركيا يتوجه إلى روسيا غدا، واجتماع آخر في 8 من الشهر الجاري بين وفد تركي ومسؤولين بأمريكا في واشنطن، وهناك اجتماع آخر في بداية العام، وبشكل عام، فإن هذا ما يقرر مجمل المنطقة، وطريقة تغطية الفراغ الأمريكي".
فرصة للنظام من البوابة التركية
ولفت الرحال إلى أن تصريح تركي اعتبره "مقلقا"، بشأن خروج الوحدات وقسد من منبج، إذ اعتبر الرئيس التركي أنه في حال تم ذلك بالفعل، "فإن هذا يعني أنه لم يعد لتركيا مشكلة في هذه المنطقة"، فكل ما تريده ألا تتواجد "المليشيات الإرهابية" في منبج، القريبة من الحدود التركية السورية.
واعتبر الخبير العسكري أن كلام أردوغان هذا، يعد مشكلة بالنسبة للجيش الحر، الذي يريد أن تعود المنطقة له وليس للنظام السوري.
وربما يحاول النظام السوري وروسيا أن يستغلا المخاوف التركية لإحراز نصر في منبج، فكل ما تريده أنقرة هو رحيل قسد والوحدات الكردية من المدينة.
هل تدخل روسيا إلى مدينة منبج السورية بموافقة تركية؟
ماذا يدور بين روسيا وتركيا وأمريكا بشأن "منبج" السورية؟
ما أهداف التفجير الانتحاري الأخير بمنبج.. ومن المستفيد؟