تكاد فترة تشكيل الحكومات في لبنان تتجاوز كل
الأرقام القياسية في بلدان العالم، حيث يمتد مشوار التأليف زمنيا ويتجاوز أحيانا
عتبة السنة بأشهر مما يطرح التساؤلات عن مدى فعالية النظام السياسي على وقع الصراع
على الحصص والمكتسبات.
وبلغ عمر تأليف الحكومة المرتقبة قرابة سبعة
أشهر انتزعت من عام 2018 وارتهن خلالها اللبنانيون بآمالهم وملفاتهم الحياتية
انتظارا للدخان الأبيض الذي لم يتصاعد بعد بفعل ما يتعارف على تسميته الساسة
اللبنانيون بالعقد الطائفية والحزبية، وأيضا الإيحاءات الخارجية التي تهبط على
أصحاب القرار في لبنان لتغيّر المسارات وتعيد خلط الأوراق من جديد.
وتسلط الأضواء على العام 2019 كمحطة يترقب
خلالها اللبنانيون تغييرا في حال الجمود والمراوحة، وسط تلقيهم سيلا من الوعود
بالانفراجات في ظل الحكومة الحريرية المقبلة.
عام صعب
وتوقّع النائب والوزير السابق الدكتور غازي
يوسف أنّ "يأتي العام الجديد صعبا بالنسبة للبنان وسط التحديات
القائمة"، موضحا في تصريحات لـ"عربي21" بأنّ "الحكومة الجديدة
مطالبة بتحقيق إنجازات على المستويات كافة، وضرورة الالتزام بإجراء إصلاحات ضرورية
لإنقاذ لبنان قبل الوصول إلى الانهيار الاقتصادي الذي يتم التداول بخصوصه".
لكنّ يوسف أعرب عن أمله في أنّ يتم "تمويل
المشاريع الإنشائية ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام في المرحلة المقبلة من خلال
برنامج الحكومة للعام الجديد"، وفيما يخص نظرته إلى الملف الأمني، قال:
"البيان الوزاري واضح لجهة نأي لبنان بالنفس عن الصراعات الدائرة في
محيطه"، مشددا على ضرورة أن يطبق "المبدأ الحكومي بالفعل وليس قولا فقط،
وهذا ما يتطلب تطبيقا دقيقا من قبل المسؤولين الرسميين، وما تعبر عنه مؤسسات
الدولة كافة".
اقرأ أيضا: بري: بعض الأحزاب في لبنان لا تريد تشكيل الحكومة
وأكد عدم "وجود مصلحة لدى أي فريق في
لبنان بعرقلة ما قد يحصل عليه اللبنانيون من قبل الدول المانحة والداعمة لا سيما
العربية منها"، آملا أن يتحلى الساسة بالعقلانية ويبادروا إلى اتخاذ الصواب
لما فيه مصلحة البلاد، خصوصا بعد أن لمس الجميع مستوى الأزمة التي نمرّ بها
حاليا".
ودعا يوسف إلى أخذ التجربة الأمريكية-
السوفياتية نموذجا في العلاقات المشتركة، حيث كان "الطرفان في حالة تخوف
وترقب متبادل، ورغم توازن الرعب فإن الاتفاق كان ينسج بينهما وفق مصلحة البلدين
المشتركة"، مشيرا إلى أنّ "توازن الرعب اللبناني سيقود كل الأطراف إلى
التعقل والوصول إلى صيغة مشتركة تخدم الجميع".
وعن إمكانية تحسن الخدمات للعام المقبل والتي
شهدت ترهلا كبيرا في العام 2018، قال: "معالجة ملف الخدمات يتطلب جهدا ووقتا
طويلا، لكن الأهم أخذ القرارات اللازمة والمناسبة في طريق الوصول إلى الأهداف
المنشودة".
حسابات داخلية وخارجية
ورأى الكاتب والمحلّل السياسي جورج علم أنّ
"تشكيل الحكومة يخضع لحسابات محلية وإقليمية ودولية نظرا لارتباط الملفات
التي تحمل أبعادا خارجية أكثر منها محلية"، مضيفا في تصريحات
لـ"عربي21": "شهدت قضية النزوح السوري وعودتهم انقساما في المواقف
والآراء داخليا بين من يريد أن تتم العملية عبر تواصل مباشر مع الحكومة السورية
وبين من يريدها وفق المبادرة الروسية المترنحة لغاية الآن".
ورأى أن الاشتباك السياسي في موضوع الحكومة "ليس
نابعا من مسألة التنازع على تقاسم الحصص والمكاسب فقط كما هو معلن، وإنّما نتيجة
إيحاءات خارجية تقدم وتؤخر مسار التأليف"، مرجحا حصول "انفراجات جديدة
خلال الفترة المقبلة خصوصا إذا نجحت المساعي في تذليل عقدة النواب السنة من قوى 8
آذار".
وأبدى علم تفاؤلا حذرا من "مضي الحكومة
الجديدة في العام المقبل في معالجة الملفات الحياتية العالقة والتصدي لما يحدق
بالبلاد من ازمات والسعي لتلبية مطالب المواطنين"، وعن توقعاته السياسية
للعام 2019، ربط علم العوامل الإقليمية بما سيحدث في لبنان، وقال: "هناك
محاولة لترميم الملفات التي تشغل الرأي العام العربي لا سيما في اليمن المتجه إلى
مفاوضات قد تؤدي إلى تسوية في الوقت الذي بدت الصورة تتضح في سوريا حيث بدأنا نشهد
وفودا رئاسية تزور العاصمة دمشق".
وأضاف: "ثمة تطورات إيجابية أيضا على
الساحة الليبية على غرار مؤتمر روما الأخير، فيما يشهد الوضع في العراق محاولة
لتكريس الشرعية"، مشددا على أن "التحولات الحاصلة في المنطقة العربية
سترخي بظلالها على لبنان لجهة الانفتاح أكثر على الحوار ومنع أيّ تأزمات تهدد
استقرار وأمن البلاد والمواطنين".
وتحدث علم عن تحديات كبيرة ستواجه الحكومة
المقبلة، خصوصا فيما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين والمخططات المتعلقة بهم على
المستوى الدولي، ما يفرض على اللبنانيين "ضرورة التلاقي والتوحد على رؤية
مشتركة منعا لمحاولات فرض حلول خارجية على لبنان".
اللاجئون السوريون في لبنان.. عودة أم ترحيل في عام 2019؟
تظاهرات لبنان تنادي بالثورة على "أحزاب الطوائف"
تبادل الاتهامات باليمن بخرق هدنة الحديدة واحتدام القتال بمأرب