نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على مشاعر الغضب والإحباط التي تنتاب الفلسطينيين في لبنان، خاصة إثر حادثة وفاة طفل في مخيم نهر البارد.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وفاة طفل في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان قد أحيت الشعور "بالضيق الاجتماعي" لدى السكان الذين يستنكرون التمييز على مستوى التمتع بالرعاية الصحية. وعموما، يُتاخم البحر الأبيض المتوسط الطرف الغربي لمخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، الواقع في شمال لبنان. في المقابل، لم يكن الانفتاح على البحر، ولا مشهد الساحل الممتد إلى حدود سوريا كافيا لتخفيف شعور السكان بالحاجة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المخيم قد تضرر من القتال الذي جد بين الجيش اللبناني وإحدى الجماعات المتطرفة خلال سنة 2007. وإلى الآن، ما زالت بعض مناطق نهر البارد تبدو كما لو أنها موقع بناء شاسع، ذلك أن أشغال إعادة الإعمار لم تنته بعد. وداخل الشوارع القاتمة، من الصعب تخيل حيوية هذا المكان في السابق، الذي كان عبارة عن مفترق طرق تجاري قديم، أو سوق يقصده سكان المناطق المجاورة للتبضع بأسعار منخفضة.
وفي أكثر من مناسبة، كان الشارع الرئيسي الذي يعبر مخيم نهر البارد مسرحا للاحتجاجات الاجتماعية، تنديدا ببطء عملية إعادة الإعمار وبتراجع الخدمات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تغرق سنويا في عجز ميزاني. بالإضافة إلى ذلك، عرف هذا الشارع تحركات ذات طابع سياسي، متعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأردفت الصحيفة أنه داخل المخيم، الذي تحمل أحياؤه أسماء القرى الفلسطينية مسقط رأس لاجئي فلسطين الذين هُجّروا سنة 1948، ظهرت موجة غضب جديدة منذ وفاة الطفل محمد وهبة الصغير.
وفي الحقيقة، لم يتعدّ عمر هذا الطفل (من أب فلسطيني وأم لبنانية)، الذي يعاني من ورم في الدماغ، ثلاث سنوات. وأثناء إقامته في المستشفى، أمضى هذا الطفل ثلاثة أيام في حالة غيبوبة، قبل أن يتم إدخاله إلى وحدة العناية المركزة المخصصة للأطفال. وقد توفي بعد ساعات قليلة من نقله إلى هناك، يوم الاثنين 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وفي اليوم التالي، وأثناء موكب الجنازة، ظهر الأب وهو يحمل جسد محمد في كفنه الأبيض ملفوفا بعلم فلسطيني، وقبّله للمرة الأخيرة قبل الدفن. وعموما، تراوحت مشاعر المحيطين به بين الحزن والغضب. ومع حلول المساء، تجمع اللاجئون للتنديد "بالإهمال" الذي يدفع ثمنه الفلسطينيون دون غيرهم.
ودون إيلاء أهمية إلى التصريحات التي تُشير إلى صعوبة إنقاذ محمد وهبة بسبب حالته الحرجة، يدين هؤلاء عدم تمتع الفلسطينيين بالرعاية في لبنان، فضلا عن تهميشهم وتفشي الفساد. وفي هذا الإطار، نُظمت مظاهرات أخرى في كل من بيروت وطرابلس بالقرب من نهر البارد.
وذكرت الصحيفة أن أغلب اللاجئين يعتمدون على الأونروا لتلقي العلاج في المستشفيات. وفي هذا الصدد، قالت الوكالة إنها بذلت "كل الجهود الممكنة" لتأمين مكان لهذا الطفل في إحدى الوحدات الطبية المعنية. ومن جانبها، تنفي وزارة الصحة اللبنانية أن وفاة الطفل قد نجمت عن موعد نقله إلى المستشفى العمومي في طرابلس اللبنانية.
وقد صرحت إدارة هذا المستشفى مدافعة عن نفسها بأنه "لم يُطلب من الأبوين دفع أي مبلغ مالي سواء قبل أو بعد عملية نقله". وأفاد مجدي وهبة بأن الأونروا قد تكفلت بحالة ابنه، الذي خضع بالفعل لعدة عمليات. لكنه أكد أيضا شعوره بالإحباط من المستشفيات التي أغلقت أبوابها أمامه، بسبب عدم وجود مكان في العناية المركزة أو خوفا من استقبال طفل في حالة خطيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المأساة تُعري ممارسات التمييز التي يُعاني منها الفلسطينيون عندما يتعلق الأمر بتلقي الرعاية في لبنان. وأساسا، يُعد النظام الطبي في هذا البلد غير عادل حقا حتى بالنسبة للبنانيين، ذلك أن أغلب أسرّة المستشفيات مخصصة للقطاع الخاص، أو بعبارة أخرى، لأولئك الذين يتمتعون بتغطية طبية أو يمكنهم سداد دفعة مسبقة قبل العلاج.
اقرأ أيضا: كارثة صحية تعصف بفلسطينيي لبنان.. من المستفيد؟
وأردفت الصحيفة بأن اللاجئين لا يستطيعون الإقامة في المستشفيات العمومية إلا بعد تدخل الأونروا. وتتعلق التغطية الطبية للوكالة في هذه المستشفيات، أو في المصحات الخاصة، بالعلاجات الأساسية. وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، تظل المبالغ المتبقية دينا يجب عليهم تسديده. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأسرّة المتاحة محدود، نظرا لأنه مرتبط بالعقود والاتفاقيات التي أبرمتها هيئة الأمم المتحدة هذه مع المؤسسات الطبية اللبنانية.
لقد كانت وفاة محمد وهبة بمثابة الشرارة التي أحيت مشاعر الضيق الاجتماعي في مخيم نهر البارد، خاصة في ظل انتشار البطالة في هذا المخيم وتنامي مشاعر الإحباط المرتبطة ببطء إعادة الإعمار. ويتمثل أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين في إنشاء مستشفى داخل المخيم، وهو مشروع وعد به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دون أن يتم تنفيذه.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى حركة "حراك" الشعبية المهتمة بالحياة اليومية للاجئين، إذ تدين هذه الحركة الأساليب المتبعة في الإدارة من قبل الفصائل المحلية والسلطة الفلسطينية. كما أنها تعترض هذه الحركة على وقف مساعدات الأونروا الطارئة المرتبطة بأزمة 2007، الممنوحة لسكان مخيم نهر البارد وإدارته. وفي هذا السياق، قال ناشط في هذه الحركة يُدعى فراس علوش خلال اتصال هاتفي: "نريد من جميع الأطراف المتواجدة خارج المعسكر معرفة أننا ضحايا الظلم، فتلقي العلاج هو بمثابة حق إنساني".
لوموند: هكذا تدفع الحرب بسوريا القاصرات نحو الزواج
موقع أمريكي: هكذا يسعى ابن سلمان لزعزعة استقرار لبنان
موقع "نيوز ري": هذا ما يستخدمه حزب الله كدعاية له