المساواة حق أصيل بين أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عن دينهم أو
لونهم أو عرقهم، أو حسبهم ونسبهم، أو وضعهم المالي أو المجتمعي، وذلك في الحقوق
والواجبات، وفي الإطار الذي حددته الشريعة الإسلامية. هذا العمل في إطار الشريعة
الإسلامية يضمن عدم المساس ببعض الثوابت، كالميراث وواجب النفقة على الزوج، وما
شابه ذلك.
هذا
لا يعني عدم تخصيص قطاع معين من الناس ببعض المميزات، ولكن في إطار عادل لمن تنطبق
عليه المواصفات. فمثلا، تخصص إعانة لذوي الاحتياجات الخاصة، أو اليتامى أو المرضى،
أو ما شابه، على أن تكون الإعانة مقدرة حسب حاجة كل منهم، دون تمييز البعض بناء
على أي مما سبق. وتشكل قيمة
العدل ضابطا هاما في تطبيق المساواة.
لقد
سئمت الشعوب المسلمة من أن يتم تمييز طبقة بدخل ثابت كل شهر من ميزانية الدولة
لأنهم أولاد ملوك أو رؤساء، أو أن يكون التعيين في القضاء أو الجامعة أو الجيش أو
العمل الدبلوماسي أو أي قطاع أولوية لمن كان أبوه يعمل في هذا القطاع أو له علاقات
بأصحاب القرار فيه.
إن
تطبيق قيمة المساواة يحقق الطمأنينة بين الناس، وينزع الأحقاد، ويحفز الناس على
العمل والعطاء؛ لأن الكفاءة ستكون معيار التفاضل.
حين
بدأت عملي كطبيب في بريطانيا، كان أول سؤال سأله زملائي العاملون في الخليج
العربي: هل تتقاضى مرتبا مثل المواطن الإنجليزي؟ وصعقوا حين كانت الإجابة نعم؛
لأنه للأسف في أوطاننا العربية يميز المواطن الخليجي في الأجر على نفس المسلم
العربي من دولة أخرى والذي يقوم بنفس العمل، ثم السفاهة أن يميز مستر جون أو مستر
سميث فوق حتى المواطن للقيام بذات العمل!!!
لقد
بلغ صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي أرقى الدرجات في المجتمع الإسلامي في
عصر النبوة، بما قدموه دون النظر إلى لونهم أو عرقهم أو حسبهم. ولقد كان رد فعل
رسول الله صلى لله عليه وسلم على زلة أبي ذر الغفاري (المبشر بالجنة)
في حق بلال بن رباح (المبشر بالجنة)، حين قال له: يا ابن السوداء، ردا قاسيا
ومعلما وغاضبا، حين قال النبي" "طف الصاع طف الصاع. ليس لابن البيضاء
على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح"، فقام أبو ذر فوضع خده على
الأرض، وأقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته. وهذا مصداق قوله
تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وإذا
كان الغرب في أقصى مساواته فرّق في الضرائب بين الغني والفقير، واعتبر هذا التفريق
هو المساواة العادلة، فإن إخراج المسلم لزكاته بنسبة من دخله مثلت أعلى هذه
النظرية. وإذا كان التهرب من الضريبة جريمة قانونية، فإن التهرب من الزكاة كبيرة
عقائدية، وشتان بين الاثنين.. بين من يتحايل على قانون، ومن يعلم أنه يتعامل مع من
يعلم السر وأخفى.
كانت
هذه السلسلة من
القيم التي وضعتها بين أيديكم خواطر أتمنى أن يبنى عليها أولو
العلم. كما أرجو أن يتدارسها ويمحصها الجميع، وبالأخص القيادات المجتمعية من
القائمين على الأحزاب والهيئات والجماعات والجمعيات، للوصول إلى وثيقة توافقية
مجتمعية؛ ينبثق عنها دستور يحمل هذه القيم وقوانين تشرع لتحقيقها.