فيما تنهمك حركة حماس والسلطة في اختراع الاشتراطات لإنهاء الأزمة التي تعفنت وأوصلت البلاد والعباد إلى شر مستطير.. تنبعث إرادة الحياة من أكناف بيت المقدس وعلى بعد مئات الأمتار من المسجد الأقصى لتقول للمختلفين والمتماحكين يبعضهم لقد أضعتم وقتا عزيزا على الشعب وهدرتم إمكانات عظيمة فلن ينتظركم الشباب الأحرار كثيرا فالطريق إلى الحرية لا يحتاج فلسفة ولا نظريات ولا تعبئة فكل فلسطيني يدرك حاجته للحرية واستعادة حقه الإنساني في الحفاظ على بيته وأرضه وحقه في تقرير مصيره ككل شعوب الأرض..
في رام الله وبيت لحم والقدس كان
عددٌ من الشباب يسطرون إستراتيجية جديدة لكفاح الشعب الفلسطيني، ولقد تميزت الضفة
الغربية والقدس بالذات بنوعية في الأداء أعادت إلى العقل الفلسطيني ضرورة الخروج
من رتابة العمل المكشوف من قبل أجهزة العدو وتقديراته.. خرج الشباب في الضفة
الغربية عن نمطية الكفاح الذي أدرك العدو حيثياته وخططه وإستراتيجيته فامتلكوا من
اللحظة الأولى أهمَّ عناصر التأثير، إنها المباغتة التي أربكت المؤسسة الأمنية
الإسرائيلية وأفقدتها القدرة على المناورة، فلقد استمرَّ فعل أشرف نعلوه فترة
طويلة؛ 67 يوما مطارَدا ويضرب في كل مكان وبعنف واضح وقدرة وسرعة فائقتين حتى يوم
استشهاده فكان بذلك هو ومن لحقه من الثوار الفلسطينيين الذين قضوا نحبهم ينبِّهون
الشعب الفلسطيني وطلائعه إلى الأسلوب الأكثر نجاعة والأكثر نجاة؛ إنه العمل الفردي
أو حرب الفدائيين أو العصابات ولعلهم بهذا يُخرجون الأداء الفلسطيني من التحجر خلف
مفاوضات عبثية لا طائل منها إلا الذل والمهانة أو تمترس خلف الحدود في انتظار قصف
صهيوني جنوني بحجة أن هناك تجهيزا وخطرا مسلحا وجيشا خلف الحدود.
العمل الذي نفذه اشرف نعالوه وصالح
البرغوثي جاء تتويجا لخط يتنامى في الضفة الغربية منذ ثلاث سنوات بعد موجات عمليات
الطعن بالسكاكين ويكون للمهندس المتميز باسل الأعرج المثقف المشتبك دور التنظير
لطريقة العمل وتحديد الأهداف بوضوح ودقة.. بمعنى واضح أننا أمام سبيل آخر وليس
بالضرورة أمام حالة سياسية أخرى أن هؤلاء الشباب لم يعلنوا عن اسم معين ولم
يتحركوا بإستراتيجية جهة معينة إنهم شقوا طريقة لا علاقة لها بأداء الفصائل المتواجدة
الآن على الساحة.
ومن هنا يبدو أن الشعب الفلسطيني
في الضفة الغربية والذي انبعث في اكبر انتفاضاته ونفيره العام أراد أن يقول هؤلاء
من كنت ننتظر فلا أمل يُرجى من المفاوضات العبثية ولا من التمسك بحطام سلطة على
هشيم الحياة وجوع الناس وقهرهم.. ومن هنا بالضبط تبدو كل المشاريع التي أرادوا
تمريرها على الشعب من أوسلو حتى صفقة القرن أو فصل غزة كلها تسقط عند أول طلقة
لفدائي فلسطيني.
الشعب الفلسطيني مبدع بطبعه ودءوب
بسجيته وهو لا يكل ولا يمل من الكفاح واختراع الأجمل والأفضل، فهو رائد انتفاضات
الحجارة وهو زعيم حركة ثورة السكاكين وهو كذلك الذي قهر الجيش الذي هزم كل الجيوش
العربية وهو الذي لم تستطع محاولات النظام العربي تركيعه وإذلاله.. نحن بالتأكيد
أمام مرحلة جديدة ستتنامى بنوعية فعل يتجاوز التكتيك السابق والإستراتيجية السابقة
في العمل وهكذا نستطيع أن نقول إن الفصائل الفلسطينية تقترب من بعضها البعض
بالضرورة والحتمية.. تولانا الله برحمته.
عن صحيفة الشروق الجزائرية