الكتاب: الظاهرة السلفية بالوطن العربي في القرن العشرين :المفاهيم ـ التيارات ـ الأطروحات
الكاتب: الدكتور كمال الساكري
الناشر: دار شامة للنشر ـ تونس، الطبعة الأولى، مارس 2018
لا يكاد يخرج فهم السلفية الحركية عن فهم السلفية الأم في السياسة، فهم يؤمنون بأيديولوجيا السمع والطاعة، ولكن بشرط التزام ولي الأمر بالصلاح والعدل. ولذلك فهم ينتقدون الحكام الظالمين والفاسقين والمشكوك في ولائهم للإسلام. وينادون بعزلهم إذا لم يصلحوا أمرهم، لكنهم يرفضون الجهاد ومحاربة الأنظمة.
لما كان الصراع الكوني حسب الجهاديين عقائديا، وكان المسلمون قد ارتدّ حكامهم وأغلب شعبهم ونخبه كافة، فالمنهج الصحيح في التغيير هو قتال المرتدين بلا رحمة،
ويبلغ التغيير بطريقة مغايرة للسائد مداها مع السلفية الجهادية حين يرفضون التغيير السلمي والسياسي، وينادون بالتغيير العنيف تحت شعار الجهاد. فقد قال الزرقاوي: لا نؤمن بالسياسة على الطريقة المعهودة عند بعض الجماعات ذات التوجه الحزبي، التي ترفع الإسلام شعارا لها، ثم تراها داخلة في البرلمانات وتشارك الطغاة في إشغال المناصب التي تحتكم لغير شرع الله. مشروعنا السياسي، قول رسول الله بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده.
ولما كان الصراع الكوني حسب الجهاديين عقائديا، وكان المسلمون قد ارتدّ حكامهم وأغلب شعبهم ونخبه كافة، فالمنهج الصحيح في التغيير هو قتال المرتدين بلا رحمة، واقتلاع النخب العلمانية المستغربة والحكام الكفرة، لتنصيب دولة الإسلام الصافية الطاهرة النقية من كل شرك وردة وكفر، ثم الانتقال إلى مقاتلة الكافرين كفرا أصليا، حتى تطهر الكرة الأرضية من رجس الكفر والردة إلى الأبد.
إنّ المتأمل في طريقة الجهاديين للتغيير تقودنا إلى استنتاج تبنيهم السياسة العنيفة، أو أنهم يتبنون التغيير العنيف في الظرف الحالي إسلاميا وعالميا، مادام الوضع الديني العقائدي قد انحط حسب فهمهم، وأصبحنا نعيش فترة ردّة معاصرة، ولحظة عصر جاهلي أشد كفرا من الجاهلية الأولى. من هنا، فإن السلفية الجهادية ليست ضد السياسة في المطلق، مادامت السياسة الإسلامية أي السياسية الشرعية هي الهدف والمبتغى، بعد تغيير واقع الردّة والكفر الطاغيين في العالم.
السلفية الجهادية حركة سياسية رغم أنفها لكونها ترفض الأطروحات السياسية والممارسات التطبيقية السائدة
إن رفض السلفية الجهادية الواقع والسياسة بأشكالها المطبقة كافة اليوم، وتركيزها على الجهاد باعتباره الطريقة الوحيدة الشرعية الكفيلة بتغيير الواقع تغييرا جذريا ونهائيا لصالح الدولة الإسلامية، هو الذي أشاع فكرة رفضها للسياسة وتمحض دعوتها للعقيدة والشريعة.
فالسلفية الجهادية حركة سياسية رغم أنفها لكونها ترفض الأطروحات السياسية والممارسات التطبيقية السائدة، وتجاهد بالعنف والفرض لقلب الواقع من أجل إرساء الدولة الإسلامية عنوان مشروع السياسة الشرعية المقدسة، وصاحبة الدولة الثيوقراطية الدموية الاستبدادية القروسطية. نعم إن مفهوم السياسة لدى السلفية الجهادية مغاير للسائد ومتخلف عنه، لأنه يكرس ثقافة قروسطية.
السلفية هي أصل الإسلام السياسي
وما يمكن أن تختتم به هذا الموضوع، أن جميع الحركات الدينية وحركات الإسلام السياسي بما فيها السلفية تخضع لحكم اللاشعور السياسي "المؤسس للعقل السياسي العربي، يجب ألا ينظر إليه فقط على أنه "الديني" " والعشائري" اللذان يوجهان من خلف الفعل السياسي، بل لابد من النظر إليه أيضا على أنه السياسي الذي يوجه من خلف التمذهب الديني والتعصب القبلي".
وهكذا يؤكّد الباحث الساكري الفرضية الأولى بأن السلفية على تعدد تياراتها واختلاف فهمها للسياسة، فهي ظاهرا وباطنا وبصفة مباشرة وبصفة غير مباشرة وبصفة واعية وبصفة لا واعية، صاحبة مشروع سياسي. وبذلك أمكن الإجابة عن الإشكالية الأولى هل السلفية حركة دينية دعوية صرف أو حركة سياسية، وإن بطريقة مغايرة؟
إن التحقق من ملكية السلفية لمشاريع سياسية وأنها صاحبة مشروع سياسي يستتبع دخولها دائرة الإسلام السياسي لا خروجها عنه، مثلما يسود الاعتقاد عند جمهور الباحثين. إن مثل هذا الاستنتاج قاد الباحث إلى الإجابة عن الفرضية الثانية: السلفية أصل الإسلام السياسي وليست خارجة عنه أو فرعا منه.
تعتبر هذه الفرضية مغامرة بحثية لأنه تجرأ الباحث الساكري على معاكسة الاعتقاد السائد لدى الغالبية المطلقة من الباحثين عربا وغربيين، والسباحة عكس التيار. إذ يذهب بعضهم إلى نفي انتماء السلفية إلى الإسلام السياسي لأنها حركة دينية دعوية. أما البعض الآخر إذا سلم بأنها فرع من الإسلام السياسي، لم يذهب بعيدا ليعتبر أنها أصل له لسيادة الاعتقاد عند الباحثين أن الإخوان المسلمين هم أصل الإسلام السياسي.
في حين خالف الباحث كمال الساكري هذا الاعتقاد وانفرد بزعم السلفية هي الأصل للإسلام السياسي. ولقد كان منطلق البحث والتقصي لتأكيد فرضيتيه أسبقية السلفية الوهابية أو الأم (1744م) وريثة السلفية التاريخية على ظهور حركة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 م، وتساءل الباحث الساكري: أين ذهبت السلفية الأم وتفرعاتها بعد 1928 سنة تأسيس حركة الإخوان المسلمين، وبعد 1932 سنة تأسيس الدولة العربية السعودية؟ لماذا لا نجد الوهابية أو السلفية الجهادية أو حتى الوطنية في كامل الوطن العربي بداية من الثلاثينيات؟ هل قبلت في السعودية طوعا أن تتخلى عن مشروعها الدعوي السياسي، أو فرض عليها فرضا أن تغير أسلوب عملها أمام المتغيرات المحلية والدولية.
لماذا انتشرت جماعات الإخوان المسلمين في الوطن العربي وسادت، في حين اختفت أغلب السلفيات من مسرح الأحداث إن لم يكن مضمونا قاسما وعنوانا؟
اقرأ أيضا: السلفية الوهابية أصل الإسلام السياسي في الوطن العربي (1من3)
هذه الأسئلة قادت الباحث الساكري إلى تفحص مكونات الحركات السياسية عامة وحركات الإسلام السياسي خاصة، فاكتشف حقائق مفيدة جدا أهمها؛ أولا: قيام حركة الإخوان المسلمين على العقيدة السلفية. يقول حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس، "إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.. وطريقة سنية.. وحقيقة صوفية.. وهيئة سياسية وجماعة رياضية .."
ثانيا: تشكيل الأفراد أو الجماعات السلفية الوهابية المسالمة أو العنيفة، مكون من مكونات جماعات الإخوان المسلمين في أكثر من قطر عربي مثل سوريا التي انتمى فيها مروان حديد وأبو مصعب السوري إلى الإخوان المسلمين، ثم انشقا عليها وانتميا إلى تنظيم الطليعة المقاتلة لحزب الله" بعد نكسة حزيران 1967 .
اقرأ أيضا: السلفية الوهابية أصل الإسلام السياسي في الوطن العربي (2من3)