قضايا وآراء

مستقبل قطاع غزة في ظل استمرار مسيرات العودة

1300x600
منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006م، وقطاع غزة يخضع لحصار صهيوني، تفاوتت شدته من وقت لآخر، إلا أنه بلغ أقصى درجاته خلال السنوات القليلة الفائتة بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ما أدى لتقليل السيولة المالية في القطاع. وعلى إثر تزايد الضغوط الاقتصادية على سكان قطاع غزة، بدأوا بالتوجه ناحية الحدود الشرقية والشمالية التي يسيطر عليها الاحتلال، وقد شارك عشرات آلاف المواطنين في تلك المسيرات، وارتقى أكثر من مئتي شهيد، وأصيب الآلاف. وساهمت تلك المشاركة الكثيفة في استنزاف جنود الاحتلال على الحدود، وأربكت حياة المستوطنين، وباتت الأحداث المعرضة للانفلات في أي لحظة تهدد باحتمالية اندلاع حرب جديدة بين المقاومة في غزة وإسرائيل، في وقت لا يرغب أي من الطرفين في ذلك، ما دفع العديد من الوسطاء الإقليميين والدوليين للتدخل لمحاولة التوصل لاتفاق يخفف حدة الحصار عن قطاع غزة.

وتقديري أن استمرار الواقع الحالي في قطاع غزة بات مستحيلاً، ولذا نحن مقدمون على واحد من خيارين؛ إما أن يُزال الحصار الحالي على قطاع غزة، وإما أن تُقدم إسرائيل على احتلال غزة بشكل كامل، والسيطرة عليه، مع ما يترتب على ذلك من أثمان عسكرية وسياسية واقتصادية باهظة. فالأحداث الحالية على حدود قطاع غزة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد على هذه الوتيرة، فإما أن تنتهي، وهذا ما لا يمكن أن يحدث في ظل الأوضاع الاقتصادية المأساوية التي يعيشها كافة أبناء قطاع غزة تقريباً، خاصة فئة الشباب الأكثر حماسة، والأكثر حاجة إلى فرص عمل تمكنهم من بناء مستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي، وإما أن تتصاعد وتيرة الاشتباكات، حيث ستزداد الجرائم الإسرائيلية تجاه المتظاهرين، وستزداد معها ردود فعل المقاومة، وينتهي الأمر إلى حرب. والمشكلة لدى الاحتلال هذه المرة أن الحرب القادمة لن تنتهي بتهدئة تضمن له الهدوء عدة سنوات قادمة، كما حدث من قبل، بل تتجه التقديرات إلى أنه في اليوم التالي لانتهاء الحرب ستعود الاشتباكات والأحداث والبالونات الحارقة على الحدود مجددا.
وبالتالي، إذا أرادت إسرائيل الدخول في حرب جديدة من الفصائل الفلسطينية المقاومة وعلى رأسها حماس، لا بد أن يكون هدفها إزالة حكم حماس لغزة، وبغض النظر عن مدى قدرة إسرائيل على دفع الثمن العسكري لذلك، إلا أن المعضلة الإسرائيلية تتمثل في أن قطاع غزة سيتحول إلى بؤرة خطيرة للفوضى في حال إزالة حكم حماس، دون إيجاد بديل قادر على فرض السيطرة الكاملة على الأرض، خاصة أن حماس ستشرع فورا في إعادة بناء قوتها مجددا. وقد نشرت بعض الصحف العبرية أن إسرائيل عرضت على بعض الدول العربية السيطرة على غزة لكنها رفضت، ما يشي بتفكير إسرائيل في هذا الخيار، إلا أنها لن تجد في الغالب من يقبل أن تلقى في حجره هذه القنبلة المتفجرة، وحتى السلطة الفلسطينية لن تكون قادرة على إعادة السيطرة التامة على غزة، وربما توجد رغبة إسرائيلية في فصل غزة عن الضفة، على أساس أن تكون غزة مع أجزاء من سيناء موقعاً للدولة الفلسطينية المنتظرة.

وفي ظل هذه الظروف لم يتبقَ أمام إسرائيل في ظل استمرار مسيرات العودة وكسر الحصار، إلا أن تعمل على تخفيف الحصار عن قطاع غزة، وهذا ما يتبدى حالياً في المحاولات التي تقودها مصر والأمم المتحدة، وصولا إلى اتفاق تهدئة يخفف الحصار عن غزة، انتظاراً من قبل إسرائيل للحظة قد تراها مناسبة لتغيير الأوضاع في غزة بشكل جذري لصالحها إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، أو انتظاراً للحظة قد تراها المقاومة في غزة مناسبة للضغط على الاحتلال وصولاً لاتفاق جديد يبني دولة فلسطينية تمتد لتشمل غزة والضفة معاً.