تعكس حملة الاستنفار السياسي والإعلامي التي تقودها حركة فتح وأجهزة السلطة لمواكبة زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلقاء كلمة خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حجم الإرباك الذي تعيشه القيادة الفلسطينية، ورغبة في نفي وجود عزلة غير مسبوقة يعيشها رئيس السلطة.
وصل الحال بحركة فتح والسلطة إلى استجداء المواكبة الإعلامية من المؤسسات الفلسطينية والعربية، عبّر عنه فايز أبو عيطة القيادي في فتح ووكيل وزارة الإعلام بدعوة "المؤسسات الصحافية والمنابر الرسمية والخاصة ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي على اعتبار 27 أيلول يومًا إعلاميًا للالتفاف حول حقوقنا وثوابتنا"، وبإطلاق "نداء لوسائل الإعلام في الدول الشقيقة والصديقة لدعم حقوقنا العادلة"!
بل إن وزارة الإعلام الفلسطينية أعلنت عن "توحيد أثير 40 محطة إذاعية محلية مع الأستديو الرئيس لصوت فلسطين، وذلك دعماً ومساندة لخطاب الرئيس محمود عباس الهام في الأمم المتحدة"!
هذه الدعوات لم تكن لتخرج بهذا الشكل، لولا وجود شعور حقيقي بالأزمة والعزلة واستشعارا لما تراه القيادة الفلسطينية خطرا محدقا بمصيرها وتهديدا لعقود من السطوة على القرار الفلسطيني.
ثمّة عوامل خارجية وداخلية عززت من العزلة على عباس والقيادة الفلسطينية، في مجملها نتيجة طبيعية لسلوك حركة فتح القديم-الحديث بقيادة النظام السياسي الفلسطيني المؤسس على التفرد وممارسة الوصاية على "المشروع الوطني الفلسطيني" والتعامل بفوقية مع المكونات السياسية الأخرى.
خارجيا، يتضح أن حجم الضغوط دوليا وإقليميا يتزايد على السلطة الفلسطينية لإجبارها على التماشي مع الرؤية الجديدة للتعاطي مع القضية الفلسطينية وفق ما تريده دولة الاحتلال وتمليه الإدارة الأمريكية، وصولا لتصفية القضية برمتها.
والقول إن السلطة الفلسطينية مشاركة مباشرة بالترتيبات الأمريكية الخاصة بالقضية الفلسطينية، فيه مجانبة للواقع وحقائق الأمور، إذ أن هناك رفضا لما يطرحه ترامب بغض النظر عن منطلقات هذا الرفض، مع الإشارة إلى أن سلوك الرئيس عباس حاليا وسابقا يؤدي إلى هذه النتيجة بل ربما ما هو أسوأ.
ولذلك يجتهد عباس عند توجهه إلى المحافل الدولية في تقمص شخصية وتجربة الراحل ياسر عرفات (شكلا) وخاصة عندما رفض الأخير مقترحات الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في العام 2001، ليظهر بصورة الرافض للإملاءات، غير أن أبو عمار كان يملك حينها أوراقا أخرى ترجمت في الانتفاضة الثانية، فماذا يملك أبو مازن الآن؟!
أما داخليا، فيمكن القول إنه لم يمر في التاريخ الفلسطيني الحديث قيادة فلسطينية معزولة وطنيا، كما هو الحال مع قيادة محمود عباس الذي أقصى المقربين منه، ليس فقط في منظمة التحرير الفلسطينية، بل أيضا في حركة فتح نفسها كما حصل مؤخرا مع ناصر القدوة وقدورة فارس وآخرين.
حالة العزلة، ظهرت جليا في موقف فتح من محادثات التهدئة والمصالحة التي ترعاها القاهرة، ولا أدل على ذلك من البيان الذي أصدرته الفصائل الفلسطينية مجتمعة في آب/أغسطس الماضي، دعت فيه إلى كسر حصار غزة وتطبيق اتفاق المصالحة 2011 ورفضت فتح لوحدها التوقيع على البيان.
يتوجه الرئيس عباس بخطاب إلى العالم وهو مجرّد من أي دعم وطني حقيقي، فلا صفحة الانقسام طويت، ونحو مليوني فلسطيني خاضعين لعقوبات فرضها عليهم في غزة لإخضاع خصم سياسي، بل يتوعد بالمزيد.
كيف يخاطب عباس العالم، وبأي شرعية؟، وهو يقصي الفصائل المركزية من مكونات النظام السياسي الفلسطيني، حيث قاطعت الجبهتان الشعبية والديموقراطية الدورة الـ29 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير، بينما يعطّل أعمال المجلس التشريعي المنتخب الذي تمثل فيه حركة حماس الأغلبية.
بل كيف يتحدث الرئيس الفلسطيني عن حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته ومعاناته، وهو يستبق خطابه في المنظمة الدولية بجريمتين، لقاءه في باريس بمجرم الحرب إيهود أولمرت المسؤول عن إستشهاد عن 1500 فلسطيني بغزة في العام 2008، وجريمة أخرى باستعداده لقاء نتنياهو سرا وعلنا في أي وقت وهي التي ارتكبت المجازر في غزة وتصعّد الانتهاكات في القدس والضفة بشكل يومي.
خلاصة القول، إن الرئيس عباس يذهب إلى الأمم المتحدة فقط ليقول "ها أنا ذا، وأنا العنوان الوحيد الذي يجب أن تخاطبوه"، خطاب سيكون كسابقه، استدرارا للتعاطف، وشكوى من الإدارة الأمريكية وتأكيدا على خيار المفاوضات.
أما الترويج لقرارات مهمة وخطوات غير مسبوقة قد يقدم عليها، فلا تعدو كونها دعاية تسقط ببساطة -على سبيل المثال لا الحصر- أمام تجاهله منذ سنوات لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
أجندة السيسي في أمريكا و"حشود السندوتشات"
غزة في صفقة القرن.. بين الإلهاء والإقصاء
عباس يحارب تهدئة غزة ويحاصرها.. لماذا؟