حذر خبراء في الاقتصاد الزراعي والمياه في مصر من إهدار
كميات كبيرة من مياه النيل بضخها عبر أنابيب وشبكات ضخمة إلى المدن الجديدة، خاصة
العاصمة الإدارية، شرق القاهرة، واستبدال مخطط إقامة محطات تحلية مياه على البحر
الأحمر لهذا الغرض بسحب كميات ضخمة من مياه النيل.
وأكدوا في
تصريحات لـ"عربي21" أن اللجوء إلى مياه النيل، وعدم تقديم حلول بديلة،
يستنزف موارد مصر من المياه المخصصة للشرب والزراعة، وأنه كان الأولى توجيه تلك
المياه النقية إلى زراعة محاصيل زراعية استراتيجية، بدلا من حظر العديد من
الزراعات وإزالتها وتغريم المخالفين وسجنهم.
وكان رئيس
مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، اللواء أحمد زكي عابدين، كشف، قبل أيام، عن
تنفيذ محطة مياه رئيسية لتغذية مشروع العاصمة الإدارية، من مياه النيل جنوب حلوان
(جنوب القاهرة)، بطاقة إجمالية مليون ونصف متر مكعب يوميا.
"إهدار وتفريط"
فند أستاذ
هندسة السدود، محمد حافظ ، ضخ كميات كبيرة من المياه إلى العاصمة الإدارية الجديدة
في ذلك التوقيت، قائلا: "في الوقت الذي أعلن فيه رئيس مجلس إدارة شركة
العاصمة الإدارية، ضخ 850 الف متر مكعب يوميا من مياه النيل لتغذية
مشاريع العاصمة، وذلك ضمن 1.5 مليون متر مكعب تقوم محطة مياه جديدة بالقرب من
العاصمة بسحبها يوميا، قامت وزارة الري بإزالة آلاف الأفدنة التي تم
زراعتها ببراعم الأرز المخالفة لقانون الوزارة".
وأوضح في
تصريحات لـ"عربي21" أن "مستقبل مصر المائي لا يحتمل تلك التوسعات، التي تأتي على حساب حصص الأراضي القديمة. في وقت كان يستلزم فيه على
الحكومة عدم التفريط في أي نقطة ماء بسبب انخفاض حصة مصر من مياه النيل، التي بدأت
تتناقص سنويا بسبب ما تشيده إثيوبيا والسودان من سدود".
محذرا من أن
"تشابك ظروف التغيير المناخي مع مخطط بناء السدود بإفريقيا منذ عام 2015 وإلى
اليوم، ينذر
بحدوث أزمة مياه حقيقية"، مشيرا إلى أن "الاستيلاء على قرابة 1.2 مليون
متر مكعب يوميا لصالح العاصمة الإدارية الجديدة، هو ظلم متعمد لفلاحي مصر الفقراء
الذين تم تغريمهم وحبسهم لزراعتهم الأرز لمخالفة قرار وزير الري، وتلك المياه تكفي
لري 90 ألف فدان أرز سنويا".
وكشف
"أن الحديث عن توفير المياه للعاصمة الجديدة كان يتركز سابقا على فكرة تحلية
مياه البحر الأحمر عبر محطة التحلية الرباعية التي تم شراؤها في 2015 بقرابة 500
مليون دولار لتحلية مياه البحر، وتوليد كهرباء لصالح العاصمة الجديدة، إلا أن
المخطط تم تغييره بعدما تبين أن تكاليف تحلية مياه البحر الأحمر سوف تتخطى 1 دولار
أمريكي لكل متر مكعب".
"جريمة مائية"
من ناحيته اعتبر أستاذ
العلوم الزراعية، عبد التواب بركات، أن "نقل مليون ونصف متر مكعب يوميا من
مياه النيل إلى التجمعات السكنية الجديدة، منها 850 ألف متر مكعب يوميا إلى
العاصمة الجديدة، لري 40 ألف فدان من أشجار الزينة، وحمامات السباحة، وملاعب
الجولف، ومسطحات اللاند سكيب، على غرار ما يحدث من هدر في المجمعات الترفيهية
الواقعة على طريق مصر اسكندرية الصحراوي، جريمة هدر للمال العام تستوجب
المساءلة".
مضيفا
لـ"عربي21": "لاسيما أن هذه الكمية من المياه تكفي لزراعة 130 ألف
فدان من أصناف الأرز الموفرة للمياه، التي توصل إليها علماء مركز البحوث
الزراعية، وتنتج 750 ألف طن من الأرز، وتغني المصريين عن استيراد الأرز الهندي
والفلبيني، الذي لا يستسيغه المصريون، ويوفر 375 مليون دولار من العملة الصعبة
لاستيراد هذه الكمية".
وأكد
"أن كل قطرة من مياه النيل يجب توفيرها إلى قطاع الزراعة لتأمين غذاء المصريين،
وخاصة الأرز باعتباره محور الأمن الغذائي المصري، ومن ثم الأمن القومي، والاستقرار
الاجتماعي. ولا يعقل أن تحارب الحكومة زراعة الأرز، وتهدد مزارعيه بالسجن، بحجة
ترشيد استهلاك المياه، بينما هي من تهدر المياه من أجل تزيين صحراء العاصمة
المزعومة، بملاعب الجلف وحمامات السباحة".
"أولويات
معكوسة"
واستهجن
الإعلامي المتخصص في شؤون الزراعة والفلاح، جلال جادو، الانهيار الذي أصاب قطاع
الزراعة في مصر، قائلا، "إن الزراعة منذ 2013 دخلت نفقا مظلما من الإهمال على
كل المستويات، بداية من توفير المياه للفلاحين خاصة فى نهايات الترع، ومشكلة
الارتفاع الهائل فى تكاليف الإنتاج، والهبوط الحاد في أسعار المنتجات
الزراعية".
وأضاف في
تصريحات لـ"عربي21": "لكن تبقى مشكلة المياه هي الأصعب التي يتعرض
لها الفلاح هذه الأيام، ورغم ذلك يصر النظام المصاب بحَوَل استراتيجي في قلب ترتيب
أولويات الدولة رأسا على عقب؛ فشرع في التوسع في المشروعات العقارية الفارهة، التي لا تخدم إلا عددا محدودا من الشعب المصري على حساب الأغلبية من
المواطنين".
ودلل على ذلك
"بكمية المياه التي تحتاجها العاصمة الإدارية الجديدة، التي تُقًدر في مراحلها الأولى بما يقرب من مليار متر مكعب من المياه سنويا، والتي تكفي لزراعة
أكثر من 130 ألف فدان أرز وما يزيد عن 300 ألف فدان قطن، وما يقترب من نصف مليون
فدان قمح".
مصر تقر بعجزها المائي.. ما البدائل؟
هل يتحد الهاربون من معسكر 30 يونيو مع رافضي الانقلاب؟
السيسي يبني أطول برج بأفريقيا بعاصمته.. والشعب مهدد بالعطش