يكاد يكون من المستحيل فهم تعقيدات "الهوية
الفلسطينية" دون النظر إلى دور" فلسطين الهوية" فيها. فلا يمكن فهم هذه الهوية إلا في سياق إنكار الحقوق السياسية، بدلا من مناقشة الهوية مجردة عن ذلك، فقد مرت الهوية الفلسطينية بعملية تسييس مكثفة.
ولدى الشعب الفلسطيني خبرة طويلة في عملية الاندماج في البيئات المحيطة، وهو ما أنتج تراثا ثقافيا غنيا أصبح جزءا أساسيا من هويته. فمعظم رموز الهوية الفلسطينية المعروفة مستمدة من حقيقة أن غالبية الفلسطينيين هم من
اللاجئين، فأصبحت هوية اللاجئ شخصية متحركة: كالكوفية والتطريز، والأغاني التقليدية والدبكة، ومفتاح المنزل المهجور وصور ما قبل اللجوء ووثيقة تسجيل الأراضي، وجواز سفر الفلسطيني، وخريطة لولاية فلسطين، وصورة قبة الصخرة، وقصص حول الأماكن المليئة بالحنين إلى الماضي.. كل مكونات الهوية هذه حملها اللاجئ معه في الشتات وسيحملها معه أينما ذهب.
وبغض النظر عن مدى تمتع اللاجئين الفلسطينيين بالحقوق المدنية والاقتصادية في البلدان المضيفة، إلا أنه لا يزال الكثيرون منهم يعتبرون أنفسهم فلسطينيون ينتمون إلى فلسطين. لقد تمكنت الأجيال الجديدة من اللاجئين الفلسطينيين من بناء هويتها الفلسطينية إلى الحد الذي أصبحت فيه مستعدة للقتال من أجلها وتمكنت من بناء ثقافة العودة. ومن أجل حماية وتأكيد هويتهم وحقهم في العودة خرج اللاجئون بالآلاف في أيار/ مايو 2011 من لبنان وسوريا والأردن، متجهين إلى حدود فلسطين التاريخية للمطالبة بالعودة إلى أحضانها. وما زالوا يدفعون ثمنا باهظا في غزة عبر "مسيرات العودة"، ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون في أرجاء المعمورة يحيون سنويا ذكرى النكبة ليؤكدوا حقهم في العودة.
وعلى الرغم من الاندماج النسبي للاجئين في الدول المضيفة، ظل هذا الحق رمزا رئيسيا لهويتهم. فقد استطاع فلسطينيو الشتات استحضار النكبة كحدث تاريخي وصدمة وذاكرة، وتمكنوا من إسقاط ذاكرة النكبة على مطالبهم السياسية من خلال إنشاء العديد من الحركات المنظمة لحق العودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأوروبا والدول العربية المضيفة وأمريكا الشمالية، خاصة بعد اتفاقيات أوسلو. فظلت هوية اللاجئين الفلسطينيين تدور حول "
حق العودة"، وتدور الهوية الوطنية الفلسطينية حوله أينما داروا.
فلا القرن السابق ولا القرون اللاحقة وصفقاتها ستكون قادرة على انتزاع ذاكرة اللاجئ من عقول أبناء اللاجئين وعقول أحفادهم... ولن تكون قادرة على تلقي الصدمة حين يعلم من يجب أن يعلم أن فلسطين، كل فلسطين، قد عاشت فينا كلاجئين قبل أن نعيش فيها، وليخسأ القرن وصفقاته ومروجوه.