هو عنوان كتاب من تأليف الأستاذة الجامعية آمال قرامي والكاتبة الإعلامية منية العرفاوي.. تونسيتان شغلتهما هذه الظاهرة التي كشفت عن أن التونسيات في صدارة الجنسيات المنخرطات في ما سمي بالعمل الجهادي، ولأجل ذلك تفرغتا لرصد الحالة وتحليلها، كل من موقعه واختصاصه. وكانت الحصيلة ثرية ومفيدة لأطراف عديدة، سواء أصحاب القرار أو المهتمين في العلوم الإنسانية. لكن المشكلة أنه نادرا ما تجد من بين السياسيين، سواء أكانوا في السلطة أو في المعارضة، من يخصص جزءا من وقته للقراءة. لقد استسلم الكثير منهم إلى الشيء المعتاد، واستهلكتهم الأحداث اليومية التي لا تنتهي. بل الأكثر قسوة من ذلك، أن وزارات الداخلية بالمنطقة لا تهتم كثيرا بعالم البحث والباحثين، وتعتبرهم بعيدين جدا عن الميدان، وما يصدر عنهم إليه لا يتجاوز دائرة الفرضيات البعيدة عن الواقع. ولهذا السبب تفاجأت أمال قرامي عندما انهالت عليها الدعوات للحديث عن كتابها من قبل الجامعات ومراكز البحث الغربية، في حين تم تجاهل الكتاب من مختلف الجهات العربية والتونسية. وهذا ليس سوى مثال صغير عن الفجوة القائمة بيننا وبينهم.
تفاجأت أمال قرامي عندما انهالت عليها الدعوات للحديث عن كتابها من قبل الجامعات ومراكز البحث الغربية، في حين تم تجاهل الكتاب من مختلف الجهات العربية والتونسية
كيف تشكلت هذه العلاقة بين
النساء اللاتي يعرفن باستمرار برقتهن، وأنهن خزان لا ينفد للحب والعاطفة والحنان، ليتحولن إلى بارود يمكن أن ينفجر ضد عدو مفترض؟ هذا السؤال الذي حاولت المؤلفتان الإجابة عنه في دراستهما الجندرية. وبما أنهما استعملتا مصطلح "الجندر" الذي لا يزال مثار جدل، ليس فقط من قبل المناهضين لمبدأ المساواة بين الجنسين، ولكن أيضا يعتبره العديد من الباحثين (ومن بينهم الدكتور اللبناني أديب نعمة) مصطلحا غامضا وغريبا عن البيئة اللغوية والثقافة لعموم المواطنين والمواطنات العرب، تم نحته داخل مخابر الأمم المتحدة قبل أن يتم تسويقه وفرضه على الجميع، لكن في هذا الكتاب الضخم نجد تعريفا واضحا نسبيا لهذا المصطلح، حيث "يعد الجندر مقولة تحليلية تمكننا من تفكيك بنية العلاقات بين الجنسين، وفهم كيفية توزيع الأدوار الاجتماعية، وتصنيف الصفات والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الرجال والنساء.. والجدير بالذكر أن هذه الأدوار والعلاقات والقيم تتغير وفقا لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها مع السن والدين والطبقة والعرق..".
بقطع النظر عن هذا التعريف، فإن من بين ما يميز البحث الذي أنجزته قرامي دعوتها الباحثين إلى إعادة النظر في مناهجهم البحثية إذا أرادوا فهم أبعاد ودلالات العلاقة التي يمكن أن تقوم بين النساء والإرهاب، كأداة للتغيير أو التعبير عن الذات. وتقول في هذا السياق إن الجدران العازلة بين الحقول المعرفية قد سقطت، وأن "التمحيص في ظاهرة الإرهاب يتطلب توظيف مناهج التحليل السائدة في الإنسانيات، كالتفكيكية ودراسات تحليل الخطاب، والدراسات الدينية، وعلوم التواصل، ودراسات العنف..". وهذا القول جعلها أكثر جرأة في نقد المقاربات الغربية التي تختزل الظواهر وتمارس نوعا من الوصاية، حتى في فهم المسائل التي هي جزء من الواقع المحلي لشعوب أخرى، فيصبح الباحث الغربي وكأنه أقدر على تحليل مجتمعات العالم أكثر وأعمق من أبنائها، وهو ما تصفه الباحثة بـ"المأزق المعرفي"، بل حتى النساء المتهمات بالإرهاب أو اللاتي لهن علاقة ما بالإرهابيين يفضلن الحديث مع باحثات غربيات، ويتجنبن الالتقاء بباحثات تونسيات أو عربيات لأنه ليست لديهن الثقة فيهن. وهو ما جعل صاحبات الكتاب يلتجئن أحيانا للاستعانة بأجنبيات حتى يحصلن على المعلومات المفقودة لديهن، وكأن "العقل الغربي" وحده القادر على توفير الاطمئنان النفسي للمورطين في الظاهرة الإرهابية.
من بين ما يميز البحث الذي أنجزته قرامي دعوتها الباحثين إلى إعادة النظر في مناهجهم البحثية إذا أرادوا فهم أبعاد ودلالات العلاقة التي يمكن أن تقوم بين النساء والإرهاب
أما عن الخطاب البديل القادر على مساعدة النساء وإبعادهن عن الانضمام لهذه الجماعات، فقد اعترفت الدكتورة بأن علينا "أن نقر بأننا نعلم النزر اليسير بشأن هذا الموضوع".
بل تجرأت الباحثة فأثارت مسألة لا تزال محل اعتراض الكثيرين، والتي تتعلق بعودة الأشخاص من بؤر التوتر، وهي المسألة التي يرفضها الكثيرون بحجة أن هؤلاء قنابل موقوتة، وأنهم تلوثوا بدم فاسد لا علاج منه إلا بموتهم خارج دائرة أوطانهم، في حين تعتقد قرامي بضرورة العمل على "تأهيل كل من رام تغيير المسار والاندماج من جديد في المجتمع".
بدون التحرر من الوصاية المعرفية للغرب والوعي بمدى "ارتباط المنظور الغربي بالأفق الكولنيالي"، أيضا بدون التواضع والإقرار بأن الحلول ليست سحرية أو أمنية، فإن الجدل حول الظاهرة الإرهابية سيستمر
هذه الملاحظات على غاية من الأهمية؛ لأنه بدون التحرر من الوصاية المعرفية للغرب والوعي بمدى "ارتباط المنظور الغربي بالأفق الكولنيالي"، أيضا بدون التواضع والإقرار بأن الحلول ليست سحرية أو أمنية، فإن الجدل حول الظاهرة الإرهابية سيستمر إلى ما لا نهاية له دون فهم عميق، ودون التوصل إلى سياسات ناجعة لمواجهة هذا الخطر القائم رغم بعض الانتصارات العسكرية التي تحققت هنا أو هناك. وقد تكون لنا عودة إلى الكتاب في مناسبة قريبة؛ لأننا أمام بحث علمي جاد، ولسنا أمام منشور سياسي ودعائي يقوم على الإدانة دون وعي بالجذور.