نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للباحث والكاتب ثناسيس كامبانيس، يقول فيه إن الانتخابات البرلمانية العراقية، المزمع إجراؤها في 12 أيار/ مايو، قد تبدو أنها ستقدم أكثر من المعهود، من مرشحين وأحزاب سيطروا على المشهد السياسي منذ أن أطاحت أمريكا بصدام حسين عام 2003.
ويستدرك الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأن "رجل الدين الشيعي الثوري البالغ من العمر 44 عاما، مقتدى الصدر، يقود تحولا مشجعا قد يخرج السياسيين العراقيين من عاداتهم الطائفية."
ويشير كامبانيس إلى أن "الصدر ورث ملايين الأتباع لعائلته من علماء الدين المحترمين، فكلا من والده ووالد زوجته كانا رجلي دين كبيرين (آية الله العظمى)، وهي أعلى مرتبة لرجال الدين في الطائفة الشيعية، وعزز من مكانته بقيادته مقاومة شرسة ضد الاحتلال الأمريكي، ووقف ضد أي تدخل أجنبي، مغضبا أمريكا وإيران، بالإضافة إلى أنه قام بتطهير حركته من الفاسدين".
ويلفت الباحث إلى أن "الصدر قام في صيف 2015، بتحول تاريخي، فاتحد مع الحزب الشيوعي العراقي وجمعيات المجتمع المدني العلمانية، الذين كانوا يتظاهرون ضد فشل الحكومة في توفير الأمن ضد تنظيم الدولة، أو حتى أساسيات الحياة، بما في ذلك الوظائف والكهرباء، وطالب هذا التحالف الجديد بنهاية للفساد".
وينوه كامبانيس إلى أن "العراق يأتي في أعلى قائمة الفساد الدولية، ويعاني من بطالة متوطنة، وهي عالية، خاصة بين الشباب، وعندما كانت أسعار النفط عالية فإن الفساد وصل أوجه، لكن الناس لم يستفيدوا من ذلك على شكل بنية تحتية ووظائف وخدمات، وحتى الخدمات الأمنية الضرورية كانت تعاني من الوظائف الشكلية، كما ظهر عندما لم يستطع الجيش الوقوف أمام تنظيم الدولة في الموصل والأنبار، وحتى أبواب بغداد".
ويبين الكاتب أن "الفساد أبقى العراقيين فقراء، وترك البلد تحت رحمة تنظيم الدولة، ولذلك فإن الشعار الذي أطلقه الصدر، وهو (الفساد إرهاب)، يجد صدى عند الكثير من العراقيين، وبعد أن تعب الصدر من عقد من الفشل، فإنه تبنى جمعيات المجتمع المدني وأجنداتها: الحقوق المدنية، والحكم الأفضل، وتوزيع الثروة بشكل عادل".
ويفيد كامبانيس بأن "النتيجة المهمة من انضمام الصدر إلى تحالف غير طائفي هي نشوء توجه نحو التعددية والتسامح، والأثر التحرري لذلك واضح في كيف يستطيع العراقيون، بغض النظر عن طبقتهم أو طائفتهم أو هويتهم الجنسية، المطالبة بالمساحات العامة دون خوف".
ويشير الباحث إلى مشاركة المثليين في مركز بغداد الثقافي في حدائق القشلة، بالقرب من شارع المتنبي في المظاهرات، مع مؤيدي الصدر ضد فساد الحكومة، حيث قال أحدهم: "كلنا يريد وضع حد للفساد.. كلنا متفقون".
ويعلق كامبانيس قائلا إن "هذا الأمر لم يكن ممكنا قبل ثلاث سنوات، حيث كان أتباع الصدر يدعون لملاحقة ومهاجمة المثليين، وفي ذلك الوقت كانت الخلافات الطائفية تمزق العراق، حيث كان الصراع بين تنظيم الدولة، الذي يدعي أنه يمثل السنة، والحكومة، التي تدعي أنها تمثل الشيعة، محتدما".
ويذكر الكاتب أن بعض أنصار الصدر كانوا في حدائق القشلة يقومون بتوزيع المنشورات التي تحمل تصريحاته، حيث قال ماجد حميد (26 عاما): "هدفنا الجديد هو إنشاء حكومة تكنوقراط.. وليست لدينا مشكلة مع أي شخص عراقي".
ويقول كامبانيس إنه "بعد أكثر من عقد من سيطرة الحركات الإسلامية الشيعية، لم يعد المتنافسون يتمكنون من تمييز أنفسهم بناء على هويتهم الطائفية، فالأحزاب الدينية متورطة في فضائح الابتزاز كلها، بما في ذلك إساءة إدارة دخل النفط وعقود الدفاع".
ويلفت الباحث إلى أن آية الله العظمى علي السيستاني أعلن في بداية شهر أيار/ مايو، بأن على المؤمنين الحقيقيين ألا يصوتوا بناء على الاعتبارات الطائفية، وقال إن رجال الدين لم يصادقوا على أي حزب بعينه".
ويجد كامبانيس أن هذا التحول الكبير جاء نتيجة للقتال ضد تنظيم الدولة، حيث توحد العراقيون جميعهم، الشيعة والسنة والأكراد والعرب والمسلمون والمسيحيون والمتدينون والعلمانيون ضد التنظيم، وكل فصيل انتخابي رئيسي يتضمن خليطا من العراقيين، حتى أن أفكارا، مثل القومية والعلمانية، بدأت تعود ببطء إلى المجال السياسي".
وينوه الكاتب إلى أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي تعود جذوره لحزب الدعوة السري، يقدم نفسه على أنه يريد بناء البلد، بعد أن أحبط تنظيم الدولة والانفصاليين الأكراد، وهو مستعد لقبول أي وطني في تحالفه، وحتى أكثر المليشيات الشيعية تطرفا، تضمنت شركاء سنة في تحالفاتها الانتخابية، بما في ذلك تحالف الفتح، الذي يقوده حليف إيران أبو مهدي المهندس".
ويبين كامبانيس أن "الصدر طلب من أتباعه أن يؤيدوا فكرة حكومة علمانية قومية، يديرها (تكنوقراط)، خبراء وليس سياسيون محترفون، حيث يفترض أن يقوم هؤلاء بحل مشكلات العراق، بالإضافة إلى الترويج لحكم القانون والسلطة المدنية".
ويقول الباحث: "في سلسلة مقابلات أجريتها مع السياسيين والمحللين والمواطنين، سمعت مكررا بأن قطاعا عريضا من العراقيين يؤمنون بأنهم وصلوا بداية (لحظة قومية)، حيث تتحول الثقافة السياسية إلى الأفضل".
ويشير كامبانيس إلى أن "الصدر غير آراءه مرات كثيرة خلال حياته السياسية المتقلبة، ولا يعد قبوله للحلفاء العلمانيين موافقة على الليبرالية والآراء التقدمية، لكن الصدر كان دائما قوميا وملتزما في خطابه، على الأقل في توحيد العراقيين، بغض النظر عن مذهبهم أو إثنيتهم، وحملته الحالية لحكومة مدنية ضد الطائفية ومع الإصلاح تزيد من الأمل والاحتمالات، التي لم تشهد في التاريخ العراقي الحديث، أنه يغير مفردات الحوار السياسي في العراق".
ويلفت الكاتب إلى أن "رجال حزبه يريدون إما أن يقودوا الحكومة العراقية، أو يخدموا بصفتهم معارضة واعية، ومنذ 2003، سعى كل فصيل كسب أصواتا لأن ينضم إلى ائتلاف الحكومة؛ ليحظى بنصيب من الغنائم على حساب القطاع العام".
ويختم كامبانيس مقاله بالقول: "يظهر الصدر أن حركة سياسية عرفت باستغلال مليشياتها وفسادها يمكن أن تصبح رافعة للواء الإصلاح من الجذور وحتى الفروع، وتحالفه الإصلاحي غير المتوقع قد يقدم للثقافة السياسية العراقية تلك الهزة العنيفة التي تحتاجها".