صحافة دولية

فورين بوليسي: هذه أفضل طريقة للتعامل مع الحرب السورية

فورين بوليسي: الحل في سوريا بتوافق مع روسيا على مصالح ضيقة- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لكبير الباحثين في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط آرون ستين، يقول فيه إن هناك طريقة واحدة لإنجاز أهداف أمريكا في سوريا كلها.

 

ويقول الكاتب إن "الهجوم الصاروخي الذي قامت به أمريكا وحلفاؤها نهاية الأسبوع الماضي ضد أهداف في سوريا شكل، دون شك، نجاحا تكتيكيا، أما إن كانت هناك استراتيجية متسقة مرتبطة بهذا التدخل، فإن ذلك مسألة أخرى تماما".  

ويشير ستين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الكثيرين يعتقدون أن أهداف ردع استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، في وقت يتم فيه السعي للسيطرة على آخر الجيوب التي يسيطر عليها تنظيم الدولة على الحدود السورية العراقية، لا يمكن تحقيقها في وقت يصر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سحب 2000 جندي أمريكي منتشرين في قواعد صغيرة في شمال شرق سوريا، إلا أن المتشككين على خطأ، فمن الممكن اتساق أهداف أمريكا الاستراتيجية مع توجهات ترامب، لكن لو توقف صناع القرار عن الشكوى، وحملوا على محمل الجد الحل الذي اقترحه القائد العام طيلة الوقت، وهو التعاون غير المريح مع روسيا".

 

ويجد الكاتب أن "أمريكا وضعت أهدافا صعبة في سوريا، وسيكون من المبالغة القول بأن الغارات الأخيرة حلت مشكلة الأسلحة الكيماوية في سوريا أو حتى أعاقتها، وهناك تقارير بأن النظام السوري بصدد استيراد معدات تمكنه من إنتاج المواد الكيماوية على مستوى صناعي، خارقا بذلك التزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيمياوية". 

 

ويفيد ستين بأن "واقع إنتاج الأسلحة الكيماوية يعني أن بإمكان النظام إعادة بناء العناصر المدمرة من برنامجه بسرعة في أماكن صغيرة في مناطق مختلفة، التي يكون من الصعب اكتشافها، بالإضافة إلى أن حرب واشنطن ضد تنظيم الدولة ركزت على التعاون بين أمريكا وقوات سوريا الديمقراطية، التي أدت دورا مهما في استعادة عدة مناطق من تنظيم الدولة، واعتبرت المسؤولة عن الإمساك بتلك المناطق بعد تنظيفها من التنظيم". 

 

ويستدرك الكاتب بأن "هذا الأمر تسبب بمشكلات جيوسياسية، ومع أن قوات سوريا الديمقراطية متعددة الإثنيات، إلا أن غالبيتها من وحدات حماية الشعب الكردية، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الذي يقود تمردا في جنوب شرق تركيا، وكانت لدى قوات سوريا الديمقراطية توقعات غير واقعية بخصوص إمكانية أمريكا منع وقوع هجوم بري تركي، وحماية المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بلا نهاية".

ويلفت ستين إلى أن "الاجتياح البري التركي لمنطقة عفرين الكردية أثر على العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية وأمريكا، وقد تسببت خسارة الأكراد لعفرين بخلاف مع أمريكا، أدى إلى تجميد العمليات القتالية مع تنظيم الدولة في آخر قلاعه في شرق سوريا، وما زاد من تعقيد هذه العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية التزام ترامب الذي صرح عنه بنية سحبه القوات الأمريكية من سوريا عند السيطرة على ما تبقى من جيوب تحت سيطرة تنظيم الدولة".

 

ويقول الكاتب إنه "في الوقت الذي تقوم فيه أمريكا بتقييم نتيجة هجماتها، فإنه يجب عليها التفكير في مسألة إنهاء الحرب البرية ضد تنظيم الدولة، وفي الوقت ذاته إنهاء وجودها في الصراع، وابتكار آلية تجبر فيها النظام السوري على التخلي عن الأسلحة الكيمياوية".

 

ويبين ستين أنه "إلى الآن، فإن إدارة ترامب ركزت بالدرجة الأولى على الحرب ضد تنظيم الدولة والأسلحة الكيماوية، وكان المقصود من الغارات الجوية أن تردع عن استخدام الأسلحة الكيماوية مستقبلا، وعقابا على الاستمرار في برنامج التسلح الكيماوي، كما ردعت أمريكا مع فرنسا توسيعا للعملية العسكرية التركية في الجانب الغربي من الفرات، التي قد تساعد في جسر الهوة بين قوات العمليات الخاصة الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية شرق النهر، بالإضافة إلى أن الإدارة عاقبت الكيانات الروسية لدعمها للنظام، وصمتها وإنكارها لاستمرار استخدام الأسلحة الكيماوية".

ويقول الكاتب: "السؤال هو إن كان ذلك متماشيا مع رغبة ترامب في الانسحاب، وعدم حرصه على التعمق في تدخله، والجواب نعم، لكن فقط إن تحول دور أمريكا من التركيز على الحل العسكري البحت إلى الدبلوماسية".

ويرى ستين أن "التوفيق بين مسألة الأسلحة الكيماوية على المدى البعيد ورغبة الرئيس في الانسحاب سيحتاج إلى أكثر من مجرد فرض العقوبات والتهديدات، فمنع انتشار الأسلحة الكيماوية على المدى الطويل يحتاج العمل مع الوكالات الدولية للقضاء على المواد الأولية التي يتم تصنيع الأسلحة الكيماوية منها، ومنع قيام المنشآت التي تستخدم في تصنيع تلك الأسلحة، وفي سوريا تحتاج هذه المهمة إلى تعاون الحكومة، وتحتاج أن يتخذ الأسد قرارا بالتخلي عن الأسلحة التي احتفظ بها بعد الموافقة على التخلص من تلك الأسلحة عام 2013, وهذه العملية، كما حصل سابقا، تحتاج إلى تعاون من روسيا".

 

ويعتقد الكاتب أن "رفع التكلفة لموسكو؛ بسبب تصرفات حليفها، مثل فرض المزيد من العقوبات، أو بإلضربات الصاروخية، هو سياسة صحيحة، لكن هذا على فرض أن أمريكا تحاول الضغط على روسيا لتقوم بفعل معين، وعلى واشنطن أن تكون صريحة بأنها تريد من روسيا أن تقنع حليفتها بأن تتخلص تماما من الأسلحة الكيماوية، وإن نجحت، فإن على أمريكا رفع العقوبات التي فرضتها على روسيا للضغط على النظام السوري، وإن أثبتت روسيا أنها غير قادرة على ضبط النظام السوري فإنه يمكن لأمريكا أن تشدد من العقوبات على موسكو بسبب دعمها للنظام السوري في خرق المعاهدات الكيماوية، والتلويح بالمزيد من الضربات الصاروخية التي أثبتت الدفاعات الجوية الروسية عجزها أمامها".

 

ويذهب ستين إلى أن "على أمريكا أن تفكر بطريقة لحماية مكاسبها ضد تنظيم الدولة دون وجود قوات عسكرية أمريكية على الأرض، وأول شيء يجب فعله هو إخبار قيادة قوات سوريا الديمقراطية في كوباني ما تنوي أمريكا فعله، وتفاصيل جهود سحب القوات القادم، وبعد ذلك على أمريكا أن تحاول التوصل إلى تفاهم مع موسكو بخصوص وجود قوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات".

 

وينوه الباحث إلى أنه "في ظل غياب مثل هذا التفاهم، فإن النظام وروسيا قد يختاران مهاجمة تلك القوات في نقاط على امتداد النهر، وهو ما سيزعزع محيط المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ما سيسمح لبقايا تنظيم الدولة في الصحراء بالتجمع والقيام ثانية".

 

ويبين الكاتب أنه "لمنع ذلك، فإنه يمكن لأمريكا أن تعرض على موسكو شيئا كانت تحلم به -ضمانا لأمن النظام- مقابل ضمان لأمن قوات سوريا الديمقراطية، ودعم للممثلين من شمال شرق سوريا لحضور المحادثات في جنيف، بالإضافة إلى أنه يمكن الاتفاق على وتيرة الانسحاب الأمريكي مع روسيا".

 

ويقول ستين: "لم تكن الضربة في سوريا عديمة الفائدة، لكن استخدام القوة لفرض تغيير في تصرفات الدول هو حل قصير الأمد، ولن يحقق مكاسب على المدى الطويل ما لم يتم تبني سياسات تناسب الحقيقة الحالية في سوريا".

 

ويخلص الكاتب إلى أن "أفضل طريقة عملية للتعامل مع الحرب الأهلية السورية هي التفاوض مع روسيا؛ للتوصل إلى اتفاق حول مجموعة ضيقة من المصالح المشتركة".