يبدو أن الاتفاق النووي الإيراني لن يتجاوز تاريخ الثاني عشر من مايو (أيار) المقبل بحال. وهو تاريخ تجديد تصديق الرئيس دونالد ترامب على إنهاء الإعفاءات المتعلقة بالعقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. وما لم يلتزم الحلفاء الأوروبيون بإصلاح أوجه القصور الرئيسية في الاتفاق –أي أحكام نهاية الاتفاق بعد 10 سنوات من التوقيع عليه– فسوف يعلن الرئيس الأمريكي انسحاب بلاده من الاتفاق.
ويعمل الرئيس الأمريكي في الآونة الراهنة على تهيئة المجال العام، إذ استبدل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي كان من أبرز المؤيدين للاتفاق، ليحل محله مايك بومبيو المدير الأسبق للاستخبارات الأمريكية، وهو أحد أشد منتقدي الاتفاق، ثم جاء تعيين جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي الجديد، وهو الذي أعد مسودة استراتيجية قبل 6 أشهر تقضي بالانسحاب الكامل من الاتفاق النووي مع إيران.
وهناك حجج قوية لمتابعة أحد هذه المسارات دون غيرها. وكما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سوف تصبح إيران قوة نووية مارقة من خلال الالتزام بشروط الاتفاق في الوقت الراهن. فإن القيود المفروضة على اليورانيوم منخفض التخصيب، والحظر على أجهزة الطرد المركزية المتقدمة سوف تنتهي بين عامي 2026 و2031.
والأكثر من ذلك، أن البرنامج النووي –وفق تفاهماته السرية وهيكله المعقد– مصمَّم لتحفيز انطلاق حلفاء الولايات المتحدة للاستثمار في اقتصاد أكبر دولة راعية للإرهاب في المنطقة. ولن يسفر هذا فقط عن تطبيع النظام المصرفي الإيراني الغامض مع الشركات الفاسدة المملوكة للدولة، وإنما سوف يخلق جماعة من التأييد القوي داخل أوروبا، للاعتراض في وقت لاحق على العقوبات التي تُلحق الضرر بالاستثمارات المتوقَّعة من وراء الاتفاق النووي.
تتعامل البنوك والشركات الأوروبية بحذر بالغ مع السوق الإيرانية في هذه المرحلة. وقال لي المسؤولون الأمريكيون إن أوروبا تطالب بالمزيد من التوضيحات من وزارة الخزانة بشأن أنواع الاستثمار التي لا تعتبر انتهاكا للعقوبات الاقتصادية المفروضة. والصفقات التي اقتربت من حد التنفيذ الفعلي بحلول ختام إدارة الرئيس أوباما –مثل صفقة بيع طائرات «بوينغ» التي تبلغ قيمتها بضعة بلايين من الدولارات إلى إيران– لا تزال موضع شكوك الآن كما كانت من قبل. وأصبح الريال الإيراني في حالة تراجع كبير، حيث فقد ربع قيمته خلال الأشهر الستة الماضية.
وهناك أسباب متعددة نزعت الجاذبية عن الاقتصاد الإيراني في العام الحالي (2018) من زاوية الاستثمار الأجنبي الكبير. لا تزال الشرطة السرية تواصل القبض على الرعايا مزدوجي الجنسية وتوجه إليهم الاتهامات المزيفة؛ ووكلاؤها وحرسها الثوري يواصلون شن الحروب في سوريا واليمن؛ ومصارفها لا تتوقف عن غسل الأموال لصالح تنظيم «حزب الله» اللبناني. ومما يُضاف إلى ذلك الاستراتيجية السعودية الجديدة التي تطالب بممارسة المزيد من الضغوط على الشركات لكي لا تدخل إلى السوق الإيرانية.
ويستحق الرئيس دونالد ترمب الاعتراف له بالفضل لأنه ألقى بظلال من الشكوك حول مستقبل الاتفاق. ونعلم جميعا تلك المناورة جيدا. يطلب الكونغرس من الرئيس ترامب، مرة كل 6 أشهر، التصديق على الإعفاء من العقوبات الثانوية المتعلقة بالنفط والمصارف التي رفعها الاتفاق النووي عن كاهل إيران، الأمر الذي يعني انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. وكل 6 أشهر يهدد الرئيس بأنه لن يفعل ذلك. وعندما تقدَّم الرئيس ترامب، أخيرا، باستراتيجيته النهائية ذات الصلة بإيران، طرح برفقتها تحذيره النهائي: ما لم يلتزم الكونغرس والحلفاء الأوروبيون بإصلاح أوجه القصور في الاتفاق النووي، فسوف ينسحب منه تماما. وذلك هو السبب في أن الموعد النهائي المقرر في 12 مايو المقبل يلوح كثيرا في الأفق.
ولكن قبل أن يفي الرئيس ترامب بوعده، ينبغي أن يتوقف لبرهة من الزمن لتقدير الآثار المترتبة على فرض العقوبات الثانوية التي رفعها الاتفاق النووي؛ إذ أخبرتي كيت باور، الخبيرة السابقة بوزارة الخزانة الأمريكية في أبوظبي، التي عملت على ملف العقوبات الإيرانية، أن تلك العقوبات يمكن إعادة فرضها مرة أخرى من الناحية النظرية في غضون أيام. ولكن حتى تدخل مثل هذه الإجراءات حيز التنفيذ، سوف يتطلب الأمر قدرا كبيرا من العمل التقني والدبلوماسي الهائل.
وقالت السيدة باور، التي تعمل حاليا أستاذة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «سوف يتطلب الأمر الكثير من الوقت والموارد من الناحية الفنية، مثل إعادة إصدار الأوامر التنفيذية، واتخاذ القرارات بشأن سياسات الترخيص. وهناك جهود سوف تُبذل أيضا على المسار الدبلوماسي، إن كان الهدف هو إعادة ممارسة الضغوط على الاقتصاد الإيراني لإجباره على تغيير تصرفاته».
فما الفرص التي يريدها الحلفاء في أوروبا وآسيا للعمل عن كثب مع واشنطن من أجل إعادة فرض العقوبات، في الوقت الذي تتفاوض فيه الولايات المتحدة مع أوروبا بشأن تعزيز الاتفاق النووي الحالي؟ الفرص المتوقعة ليست جيدة. وليس لذلك من علاقة بالجهود الدبلوماسية المضنية التي خلّفها قرار الرئيس ترامب بفرض التعريفات الجمركية الجديدة على منتجات الصلب الصينية، أو التحضير لقمة مشتركة مع ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
بطبيعة الحال، فإن العقوبات الثانوية الأمريكية لا تتطلب شن حملة دبلوماسية موازية. فإنْ كان أحد البنوك أو الشركات يتابع ممارسة الأعمال التجارية في إيران، فإنه يجازف بالخروج تماما من سوق الولايات المتحدة. بيد أن الإنفاذ يستلزم قدرا معتبرا من التعاون. فإن كانت العقوبات الثانوية للاستعراض فحسب ولم تحاسب أو تعاقب الولاياتُ المتحدة البنكَ أو الشركة المخالفة لها، فإن إحدى أكثر أدوات السياسة الخارجية الأمريكية قيمة –ألا وهي قدرتها على استخدام الاقتصاد في حرمان الدول المارقة من الأموال– لن تكون أكثر من نمر من الورق على أفضل الأحوال.
الشرق الأوسط اللندنية