نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلها تيلور لوك، يقول فيه إن الشباب في ضواحي تونس العاصمة، العاطلين عن العمل وغير الممثلين وغير المسموعين، الذين قادوا ثورة تونس، لديهم رسالة بسيطة ومثيرة في الوقت ذاته.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هذه الرسالة تتمثل في قول ياسين بن (24 عاما): "لا نريد حريات.. نريد وظائف"، ففي الضواحي الواقعة على أطراف العاصمة تونس، تستمر الظروف ذاتها، التي أدت إلى ثورة عام 2011، التي تشمل البطالة والتهميش والهجرة للمدن ومضايقات الشرطة.
ويذكر لوك أن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أن على الحكومة أن تجد طريقا للشباب في منطقة دوار هيشر، والمناطق التي تشبهها في أنحاء البلاد، ليشاركوا في عملية اتخاذ القرار حول مستقبلهم، وتوفر لهم سبل الخروج من الفقر.
وتعلق الصحيفة قائلة: "لم يكن غريبا أن يكون دوار هيشر إحدى النقاط الساخنة للمظاهرات العنيفة التي اشتعلت في أنحاء تونس في كانون الثاني/ يناير؛ بسبب ارتفاع الأسعار والضرائب على المواد الأساسية، لسد عجز متنام في الميزانية".
وينقل التقرير عن أسامة مراسي، وهو ناشط حقوقي وسياسي، وحاله حال غيره من الكثير من المواطنين، دون كهرباء وماء، قوله: "مشكلتنا ليست السياسة أو الحرية: إنها البطالة والتهميش.. وبعد سبع سنوات من الثورة وسياسيونا لا يزالون لم يتعلموا ذلك، أو أن الأمر لا يهمهم".
ويورد الكاتب نقلا عن رمضان بن آمور من المنتدى التونسي للاقتصاد والحقوق الاجتماعية، قوله: "الحقيقة أن المشكلات التي أشعلت الثورة لم تختفِ، بل تفاقمت في كثير من الحالات بالنسبة لهذه المجتمعات المهمشة.. هذه المجتمعات هي عبارة عن قنابل اجتماعية اقتصادية موقوتة".
وتفيد الصحيفة بأن هناك عدة مجتمعات شبيهة في تونس، مثل حي التضامن، ويعيش مئات الآلاف في ظروف مشابهة في شمال أفريقيا في ضواحي القاهرة والجزائر العاصمة والرباط والدار البيضاء في المغرب، مشيرة إلى أن الخبراء يحذرون من أن هذه المجتمعات، التي خيبت آمالها التي ارتفعت مع الربيع العربي، ستكون هي المجتمعات التي ستحمل المرحلة التالية من الاحتجاجات الشعبية والتمرد، وتمثل أكبر تهديد سياسي لحكوماتها.
ويلفت التقرير إلى أن منطقة دوار هيشر بدأت عشوائية؛ بسبب موجة هجرة إلى المدينة في ثمانينيات القرن الماضي، عندما هاجرت عائلات من القرى والبلدات النائية المهملة، وبنت بيوتا على أراض زراعية حكومية على أطراف تونس العاصمة، ومنحت تلك العائلات سكنا عاما في تسعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن الهجرة إلى المدينة تزايدت بشكل كبير منذ ثورة 2011, حيث تزايد عدد سكان دوار هيشر بين عامي 2014 و2017، من 80 ألف نسمة إلى 100 ألف نسمة.
ويورد لوك أنه بحسب تقرير للبنك الدولي في 2014، فإن نسبة 90% من العائلات في المناطق النائية قالت إن أعضاء منها هاجروا إلى المراكز المدنية، وكثير منهم انتهى بهم المطاف في دوار هيشر، لافتا إلى أن الشباب يجلبون عائلاتهم، وبعد فترة قصيرة عائلاتهم الممتدة -بحثا عن عمل- ويضيفون إلى بيوتهم المتهالكة طوابق إضافية، باستخدام مواد بناء رخيصة، حيث يشير المسؤولون إلى دوار هيشر بـ"ضواحي باريس" التونسية، التي تقطنها المجتمعات الفرنسية الفقيرة للمهاجرين المحرومين من شمال أفريقيا، التي أصبحت بؤرا من السخط ومناطق خصبة لتجنيد المتطرفين.
وتنقل الصحيفة عن الأمين العام لولاية منوبة، التي يقع دوار هيشر ضمنها، ماجد حمودة، قوله: "كل من يريد أن يجد وظيفة يأتي الى العاصمة؛ وكل من يأتي إلى العاصمة ينتهي به المطاف هنا.. ولا يمكن للحكومة ببساطة أن تواكب هذا النمو السكاني الاستثنائي وغير المخطط له".
ويبين التقرير أن ما يجذب لدوار هيشر، بالإضافة إلى وجود قطع أرض غير خاضعة للتخطيط، وأجور سكن متدنية بحدود 80 دولارا في الشهر، هو وجود مصنع بلاستيك ومشاغل ملابس في المنطقة الصناعية إلى جنوب شرق دوار هيشر، مستدركا بأن 6 من 12 مصنعا أغلقت منذ ثورة عام 2011، والوظائف القليلة المتبقية مردودها قليل جدا، بمعدل 7 إلى 10 دولارات في اليوم.
وينوه الكاتب إلى أن السكان الذين لديهم أفكار لإنشاء أعمال صغيرة عالقون في بيروقراطية الحكومة التونسية المركزية اللا منتهية، مشيرا إلى أن فوزي خميري، (42 عاما)، الذي يقوم بأعمال مختلفة في النجارة والبناء ويكسب 5 دولارات في اليوم، ينتظر منذ ثلاث سنوات للحصول على ترخيص كشك بيع صحف وبطاقات هاتفية، حيث يقول خميري: "نريد أن نعيش حياة نظيفة ملتزمين بالقوانين، لكن النظام لا يسمح لنا بفعل ذلك".
وتذكر الصحيفة أن نسبة البطالة بين الشباب في أنحاء تونس تصل إلى 35%، مستدركة بأن الخبراء يقولون إنها تصل في المناطق مثل دوار هيشر إلى 50%، بالإضافة إلى أن معدل ترك المدارس في تلك المنطقة أعلى من غيرها في العاصمة، ويتفشى فيها تعاطي المخدرات والكحول.
ويكشف التقرير عن أنه لتحصيل ما يسد رمقهم، فإن سكان دوار هيشر يقومون بجمع عبوات الماء البلاستيكية الفارغة، ويبيعونها لشركات التدوير بستة سنتات للرطل الواحد، فيما يقوم آخرون بالبحث في القمامة عن كسرة خبز لتجفيفها في الشمس وبيعها علفا للحيوانات، و"يتمشى الدجاج في الشوارع".
ويقول خميري، مشيرا إلى الشوارع الطينية غير المرصوفة: "هذه هي تونس الحقيقية.. انس فيلات ومقاهي لا مارسا/ المرسى (في إشارة إلى منطقة سياحية).. هكذا يعيش التونسيون في الحقيقة".
ويقول لوك إن السياسيين لم يحققوا تقدما يذكر في الأحياء المهمشة، مثل دوار هيشر، حيث أصبحت كلمة "سياسي" شتيمة، وكلمة مرادفة لسارق وكذاب وخائن، فيقول بن، الذي كان عمره 17 عاما عندما اشتعلت الثورة التي شارك فيها: "خرجنا إلى الشوارع أملا في الحصول على وظائف وحياة لائقة وكرامة وفرصة لتكوين عائلات خاصة بنا.. وبدلا من ذلك أصبحت الأمور أسوأ بالنسبة لنا، لقد استخدمنا السياسيون".
وتشير الصحيفة إلى أن هناك أقل من 3% من الشباب التونسيين تحت سن الثلاثين يشتركون في الأحزاب السياسية، بحسب المنتدى التونسي للاقتصاد والحقوق الاجتماعية، لافتة إلى أن هذه النسبة أقل في مناطق مثل دوار هيشر.
وبحسب التقرير، فإن ممثلي حزبي نداء تونس والنهضة في المنطقة لا يحظون باحترام السكان، الذين يعاملونهم على أنهم "جواسيس" للحكومة.
ويبين الكاتب أن الحركات الجهادية، مثل أنصار الشريعة، استخدمت في السنوات الأخيرة دوار هيشر بصفته أرضا خصبة للتجنيد، فاستوعبت عشرات الشباب الذين يبحثون عن المال، وأرسلتهم للقتال في سوريا وليبيا، مستدركا بأنه مع أن السكان المحليين ساءت علاقتهم مع الجهاديين، إلا أن وصمة "الإرهاب" التصقت بالعديد.
وتقول الصحيفة إن عمر أوشتاتي كان واحدا من العديد من السكان الذين اعتقلوا للاشتباه بعلاقتهم بالإرهابيين، وقضى ثلاث سنوات في السجن، حيث يقول إنه كان يضرب دائما، منوهة إلى أن أوشتاتي لا يستطيع الآن السفر خارج دوار هيشر دون تصريح من الأمن.
ويورد التقرير نقلا عن شباب آخرين، قولهم إنهم مستهدفون لعمليات "اعتقال المشتبه بهم"، التي تقوم بها الشرطة، ويقولون إنهم يأخذونهم لمراكز الشرطة يوميا تقريبا، ويقول أوشتاتي: "وجود الشرطة يخلق الإرهاب.. لقد سجنونا في بيوتنا ومناطقنا".
وينوه لوك إلى أن أحد المسؤولين في الحكومة يعتقد أنه يملك الحل، حيث يتبع والي منوبة أحمد سماوي "سياسة الأبواب المفتوحة"، ويستقبل كل يوم اجتماعات مع الشباب في دوار هيشر، وينقل طلباتهم للحكومة المركزية، ويدافع عن مصالحهم، ويقول سماوي من مكتبه، الذي كان قصرا سابقا للباي في تونس: "في الوقت الذي نتعامل فيه مع الشباب على أنهم تهديد فإنهم يصبحون خطرا على مجتمعنا.. لكن إن تعاملنا معهم على أنهم جزء من الحل، وليس جزءا من المشكلة، حينها سيتحولون من عبء على المجتمع إلى قوة للمجتمع".
وبحسب الصحيفة، فإن العائلات والناشطين يأتون إلى مكتب سماوي وهم يحملون طلبات التأمين الصحي، أو تصليح سقف بيت، أو البحث عن وظيفة لشباب، مشيرة إلى أنه خلال زيارتين إلى مكتب الوالي في أوقات مختلفة فإنها وجدت ما لا يقل عن 20 شابا وشابة يجتمعون بالوالي.
ويستدرك التقرير بأن سماوي شخص واحد، والحكومة المركزية لم تكون إلى الآن استراتيجية لإشراك الشباب والشابات في مستقبل هذه الديمقراطية الشابة.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول الناشط مراسي: "يقول الناس إن تونس نموذج للتقدم، لكننا نقول إنها نموذج للكارثة.. 1% يعيشون ملوكا وبقية الناس يحاولون إيجاد طريق للعيش ليروا الغد.. فهذا أساس فاسد مستقبله الانهيار".
صحيفة ألمانية: أين ذهبت أموال القذافي؟
إندبندنت: لماذا تمت "سعودة" 12 وظيفة في القطاع الخاص؟
هل ستكون زيارة ماكرون إلى تونس بمثابة موعد مع التاريخ؟