قضايا وآراء

الشرع الإسلامي ونشر فضائح الخصوم

1300x600

ثار الجدل في الأيام الماضية حول الموقف من نشر تسريبات خاصة بخصوم سياسيين من رؤوس النظام العسكري الانقلابي في مصر.

 

وبداية أستطيع أن أتفهم موقف الساخطين الغاضبين ممن ابتلوا بنار الانقلاب وظلمه وجبروته، وميل بعضهم إلى فضح هؤلاء، وإن كان أكثر من رفضوا النشر هم من تضرروا بالانقلاب على جميع المستويات، وأكثر الموافقين على النشر وبخاصة من دعوا لهذا الأمر، هم أناس لم يعرف عن بعضهم أي ابتلاء من العسكر، وليست المسألة هنا عن كم الابتلاء لصاحب الموقف المتخذ من العسكر، بل المسألة هنا تناقش في باب الشرع، وأخلاق المسلم، فمنها وحولها يدور الحديث وينطلق.

لقد شدد الشرع في اتهام إنسان في أمور خاصة، تمس سمعته، واشترط شروطا شديدة كان الدافع وراءها ألا تصبح أعراض الناس أو سمعتهم ملعبة في يد كل من يسول له شيطانه، أو نفسه الأمارة بالسوء أن يفضح أي أحد.

 

من أكثر ما أثاره البعض من أدلة لشرعنة فضح المجرم، أن القرآن الكريم تناول في سورة القلم مواصفات مشرك قال عنه: (عتل بعد ذلك زنيم) أي: ابن زنا، ونسي الإخوة الكرام الذين يستشهدون بهذا النص، أن القرآن لم ينص على اسم الشخص، بل جعله مجهولا

بل عندما يشاهد الإنسان أحدا ممن يقترف جريمة في حد من حدود الله، فطلب الإسلام منه الستر، فقال صلى الله عليه وسلم لمن جاءه بماعز الذي زنى: "هلا سترته بثوبك؟!"، وقال: "تعافوا الحدود فيما بينكم"، إلى آخر هذه النصوص، بخلاف من يجاهر بالمعصية أو الجريمة، فهذا عقابه لا عفو فيه.

 

لكن الحديث هنا عن التجسس على أحد، ثم فضحه، فهنا يجمع الفاعل بين جريمتين شرعيتين: جريمة التجسس، والله عز وجل يقول: (ولا تجسسوا)، وجريمة الفضح، مع عدم توافر شروط أركان إثبات الجريمة، حتى يقوم الإنسان بفضح أحد اقترفها. وهي تفاصيل يعرفها كل من له أدنى دراسة بالشريعة الإسلامية، والفقه الإسلامي الحنيف.

من أكثر ما أثاره البعض من أدلة لشرعنة فضح المجرم، أن القرآن الكريم تناول في سورة القلم مواصفات مشرك قال عنه: (عتل بعد ذلك زنيم) أي: ابن زنا، ونسي الإخوة الكرام الذين يستشهدون بهذا النص، أن القرآن لم ينص على اسم الشخص، بل جعله مجهولا، وذكر أوصافا دون اسمه، وأن هذا وصف من الخالق، وليس وصفا من الخلق، وما يجوز في حق الخالق ليس شرطا أن يكون جائزا في حق الخلق، فالله تعالى أقسم في القرآن بالمخلوقات، فأقسم بالشمس، والقمر، والليل، والنهار، والفجر، والعصر، فهل أجاز الشرع أن نقسم بالخلق أم بالخالق؟ لقد نهى الشرع عن القسم بالخلق، فقال صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر".

ولكن الأنكى والأشد خطورة: أن أحد الجهلة نقل عن أحد المشايخ، عن أدلة جواز فضح الناس، بقاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة، وأن من يحرم عليه أن يأتي بدليل.

 

وهذا هو قمة الجهل بالشرع وبقواعده، بل والتجاوز في حق الشرع، فالأصل في الأشياء الإباحة، يقال في المعاملات والعادات، وليس في باب الأعراض، فالأصل في الأعراض والدماء والأموال: الحرمة، ولا تحل إلا بدليل، فمن يستحل عرضا، أو دما، أو مالا، لا بد من دليل على الحل، سواء كان عرض أو مال أو دم مسلم أو غير مسلم فالحكم فيها سواء، ولذا ظن من يتنبى هذا الرأي في هذه القاعدة أنها تسعفه في فضح الناس، والحقيقة أن القاعدة المناسبة هنا لموقفه ليس: الأصل في الأشياء (الإباحة) بل: الأصل في الأشياء (الأباحة)!!

ما يقلق في الموضوع أن بعض من تناولوه ليسوا من أهل الشرع، ولا من أهل الإفتاء فيه، ومع ذلك تناولوه باسم الشرع، وهم أبعد ما يكونون عنه، متصدرين في ذلك، دون أدنى درجة من العلم به، وهو ما يعني أنه ينفس عن رغبة نفسية لديهم، وهواية لحب نشر الفضائح، أكثر منه موقفا شرعيا، وهو ما حذرنا منه من قبل، من وجود أطراف بيننا اتسم خطابهم بالبذاءة، والتجاوز الشرعي، والنيل من أشخاص من صف الشرعية نفسها، وصل إلى حد الكذب والافتراء عليهم، ونشر أكاذيب، ومواقف انتقامية من منابر إعلامية لا تستضيفهم، وهذا ما يبرر ميلهم ودفاعهم المستميت عن الموقف من نشر فضائح الخصوم السياسيين، ومحاولة صنع ألتراس يشرعن لتجاوز الشرع، وهو ما ينبغي التصدي له.


شدد الشرع في اتهام إنسان في أمور خاصة، تمس سمعته، واشترط شروطا شديدة كان الدافع وراءها ألا تصبح أعراض الناس أو سمعتهم ملعبة في يد كل من يسول له شيطانه، أو نفسه الأمارة بالسوء أن يفضح أي أحد.

والأدهى من ذلك اتهام من يقول رأي الشرع برفض هذا السلوك، وتصنيفه وكأنه يدافع عن المجرمين، ناسين أنه دفاع عن الشرع في المقام الأول، وليس عن أفراد، فإذا فعلت شيئا باسمك، أو باسم السياسة أو الدهاء، ربما قبله البعض، وإن رفضه الشرع، ولكن أن تفعله باسم الدين، وتريد تأصيل ذلك، فهذا جرم شديد لا يجوز، ومحاولة إسكات وإخراس من يتبنون هذا المنهج الشرعي الخلقي بإرهابهم بالنيل منهم.

 

جرم ثالث يضاف للجريمتين السابقتين، وهو ما حاوله البعض مع الزميل الإعلامي د. أسامة جاويش، لرفضه بث تسريب من هذا النوع، فراحت الأقلام والأصوات تهاجمه، وتنال منه، بدل أن نقدر الموقف الأخلاقي، وكأن علينا أن نتبع الجماهير لا شرع الله، وهو ما يقرع جرس إنذار شديد لنا جميعا، أن علينا إن أردنا أن يوفقنا الله في حراكنا وثورتنا، أن نكون منضبطين بالشرع وأخلاق الإسلام، وإلا فقد تساوينا مع الخصوم، وزادوا علينا بقوتهم المادية، ونكون قد خسرنا أكبر قوة نملكها: قوة الشرع والخلق في مواجهة الظلمة والمجرمين.

Essamt74@hotmail.com