كنت قد وقّعت على بيان صدر لحث الناس على تجميع توكيلات لأحد المرشحين الذين يمثلون ثورة 25 يناير، وكان ذلك إعلان موقف يعبر عن حالة تحد لذلك الذي مارسه المنقلب من تزوير فاجر ومريح حتى يمرر عملية الانتخابات؛ على النحو الذي يوضح أنه هو المخلص والمنقذ، وأنه هو الرئيس ولا بد أن يستمر رئيسا.. ولكن هالني أن اتخذ بعض هؤلاء الذين يقاومون الانقلاب وسلطانه أن استنكروا ذلك استنكارا شديدا، وقاموا بتخوين كل من وقع، وكأنه ارتكب الخطيئة الكبرى. وتفاوتت التبريرات من خيانة الثورة إلى خيانة المعتقلين إلى خيانة الشرعية، وصاحب ذلك جملة من التخوينات للمواقف، بل واستدعاء كثير من الأمور التي تهدف إلى حالة الاستقطاب، وتؤكد أن كل هؤلاء الذين يقتربون من هذا الشأن إنما يشكلون بذلك تفريطا في ثورة واعتداء على أصل الشرعية.
وبدا بعد ذلك؛ أن تحركت بعض المياه الراكدة في بحيرة الانتخابات الرئاسية التي رأها البعض مناسبة لتحريك الراكد، والتذكير بثورة يناير والفرصة التي تعد مواتية لعمل ما من شأنه إحياء ذكرى هذه الثورة بعد محاولات مضنية من السلطة الفاشية لتشكيل مجتمع الخوف؛ حتى لا تكون هناك أي مظاهر احتجاجية أو احتفالية لثورة يناير. إلا أن هذا الهدف لم يشفع عند البعض للقيام بذلك، رغم معرفة هؤلاء بهزلية الانتخابات الرئاسية وخلوها من ضمانات حقيقية.
المعارضة ومقاومة الانقلاب قد احترفت، ضمن تمَكُن حالة الاستقطاب، اتخاذ مواقف شديدة الحدة بين بعضها البعض، من دون أي مواجهة حقيقية
وفي الحقيقة؛ أن المعارضة ومقاومة الانقلاب قد احترفت، ضمن تمَكُن حالة الاستقطاب، اتخاذ مواقف شديدة الحدة بين بعضها البعض، من دون أي مواجهة حقيقية. لذلك الذي يريد أن يرشح نفسه مرة ثانية واغتصب السلطة، محاولا تمكين وجوده واستقرار سلطانه، وشرعنة منظومته الانقلابية بأي ثمن، وجعله من تلك الانتخابات تتويجا لحالة الشرعنة تلك، حتى يغلق باب التشكيك في شرعيته إغلاقا تاما.. فقد شكل هذا الانشغال فرصة لمنظومة الحكم الانقلابي أن يصنِع
مسار الانتخابات الرئاسية الهزلية على نحو يجعلها مجرد نزهة ضمن حالة مصطنعة من التزوير، حتى قبل الانتخابات.
واتخذت عناصر التزوير للمشهد الانتخابي وصناعته أشكالا عديدة، أخطرها قيام مؤسسات حكومية بجمع توقيعات ضمن حملة هزلية، وأكثر من هزلية انتخابات الرئاسة القادمة.. حملة مصنوعة على غرار "تمرد" المخابراتية تحت عنوان مستفز "عشان نبنيها". بدت هذه الحملة التي دُبجت لها كل الحملات في نطاق العمال والموظفين؛ عملية مفروضة وإكراهية، وصرنا نستمع إلى تقديرات توقيعات بالملايين توقع للمخلص الجديد والمنقلب القديم.. تقوم بكل ذلك أجهزة حكومية بيروقراطية عقيمة؛ صارت أذرعا لاستبداد المستبد، وتشارك في عملية تزوير كبرى.
اتخذت عناصر التزوير للمشهد الانتخابي وصناعته أشكالا عديدة، أخطرها قيام مؤسسات حكومية بجمع توقيعات ضمن حملة هزلية
لم يقتصر هذا التشويه على ذلك المشهد الخطير، بل تحول ذلك إلى
مشهد آخر حقير شهده البرلمان المصطنع المزور، الذي اصطنع على أعين أجهزة الأمن والمخابرات، ليقدم الغالبية العظمى من أعضائه فروض الطاعة والولاء بترشيح المنقلب لولاية انقلابية ثانية. ولم يستح هؤلاء أن يقوموا بكل ذلك ضمن مشاهد حشدية وتمثيلية تؤكد على وضع المؤسسة البرلمانية ضمن جوقة المطبلين وكذابي زفة الانتخابات، ليعزفوا معزوفة تزييف وتزوير للإرادة الشعبية؛ لتحقيق أغراض دنيئة ضمن تواطؤ حقير ورهيب.. يفعل هؤلاء كل ذلك ضمن مشاهد تزوير مسبقة لما يسمى بحركة الانتخابات الهزلية.
وتحول هذا المشهد الحقير المفعم بالتزوير إلى مشهد أكثر تزويرا وتزييفا؛ يعبر عن حالة التعامل مع الشعب كقطيع يحشد في آونة، ويعبأ ضمن عمليات تزوير ممتدة وشاملة تطول كل المحافظات.. فمن تزوير حملة "عشان نبنيها" إلى تزوير برلمان مصطنع، يأتي تزوير يقوم بشحن الموظفين والعمال إلى مكاتب الشهر العقاري
لعمل توكيلات للسيسي المنقلب، بينما يمتنعون أو يماطلون في
عمل أي توكيلات أخرى. ولا ندري لماذا يصر المستبد على تلك الأشكال من التزوير المتعمد والمصطنع مع سبق الإصرار والترصد ضمن أشكال متنوعة لا يكتفي بإحداها، بل يقوم بها مجتمعة ومجمعة؟! والكل يعلم أن شحن الموظفين والعمال والمدرسين، وهؤلاء الذين بلغوا السن، ليقوموا بعمل تلك التوكيلات؛ يتم إكراها وجبرا وقسرا ضمن تشكيلات سياسة القطيع.
تأتي بعد ذلك عمليات تزوير تقوم بها اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، لتحدد مواعيد كلها تشكل حالة تعجيزية، وتعبر عن إخلاء الطريق تماما لمصلحة التزوير الانتخابي
تأتي بعد ذلك عمليات تزوير تقوم بها اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، لتحدد مواعيد كلها تشكل حالة تعجيزية، وتعبر عن إخلاء الطريق تماما لمصلحة التزوير الانتخابي القادم والسابق واللاحق، لتعبر بذلك عن أداة تزويرية لا تختلف عن البرلمان المصطنع. فستظُهر وتخرج من جرابها، عند الحاجة، من عمليات التزوير ما تستطيع به أن تخرج العملية الانتخابية في ثوب شكل الانتخابات ولكنها ليست بانتخابات، ليقوم هؤلاء بالإشراف على الانتخابات لمصلحة المستبد الواحد، والزعيم الأوحد، والمخلص الأكبر الذي تسخر له كل الأدوات. ونتساءل: مال كل هذا بحقيقة الانتخابات؟ أتعين المؤسسات والأدوات حتى تشكل من بعد أدوات تزوير وشهودا زورا في تراكم لحالة تزويريه مقيتة؟ ركام من التزوير بعضه فوق بعض؛ لا يقيم إلا سلّما للمستبد يمتطيه للوصول إلى هدفه المغتصِب والمزور في آن واحد.
تخرج شخصيات بعينها فتعلن عن ترشحها، وهي شخصيات تُعرف لدى عموم الناس بهمجيتها وانفلاتها، بل وعدم لياقتها، لتهين بذلك كل من يترشح لذلك المنصب
أما أخطر مهزلة في عملية التزوير على الإطلاق، ما يجعل هذا المشهد مشهدا يعبر عن السخرية والامتهان، حينما تخرج
شخصيات بعينها فتعلن عن ترشحها، وهي شخصيات تُعرف لدى عموم الناس بهمجيتها وانفلاتها، بل وعدم لياقتها، لتهين بذلك كل من يترشح لذلك المنصب. ولكن إعلام الإفك يلعب لعبته القذرة، فيجعل المنزه عن تلك الإهانة هو ذلك المخلص، طبيب الفلاسفة، رجل الدولة المزيف، وصاحب الإنجازات والمشاريع الفنكوشية، الذي أهان كل شيء في ذلك البلد.. أهان المواطن والإنسان، وباع الأرض والعرض، وصنع مجتمع الخوف، وقتل وحرق وخنق، واعتقل، وصنع حالة من الكراهية بين عموم الشعب وفئاته، وتفنن في كل فنون التنازل عن مقدرات البلاد والتفريط في أرض الوطن. ومن العجيب؛ أن الذي أهان الوطن يصوره هؤلاء بأنه خارج دائرة الإهانة! وفي حقيقة، الأمر أنه أكبر إهانة لهذا الوطن، فهو همجي بلطجي على غرار هؤلاء الذين يريدون أن يترشحوا، فهو منفلت لا أخلاقي؛ حينما يحاكي هؤلاء من الذين يهينون هذا الأمر.
كل ذلك يجري في أجواء تقترب من 25 يناير، وليس عبثا أن يغلق باب الترشيح في يوم 29 يناير الجاري، كأنه يحاول أن يسدل الستار على ثورة يناير التي تمر بحالة تشويه شاملة، وعمليات تزوير فاضحة
هذا التزوير المتراكم في دوائر متداخلة إنما يعبر عن حالة التزوير السابقة والمسبقة في مسرحية الانتخابات الرئاسية، وهو ما يؤكد أن هذا الغاصب لا يزال يصر على غصبه، وأن جوقة التزوير لا تزال تعمل في معامل زيفه وتزويره؛ تصنع مزيدا من الفاشية. كل ذلك يجري في أجواء تقترب من الخامس والعشرين من يناير، وليس عبثا أن يغلق باب الترشيح في يوم 29 يناير الجاري، كأنه يحاول أن يسدل الستار على ثورة يناير التي تمر بحالة تشويه شاملة، وعمليات تزوير فاضحة. فلا تزال الثورة المضادة تخرج من جرابها ألوانا وأشكالا أخرى من التزوير. وآن الأوان أن نرفض تلك المسرحية الهزلية، نفضح هزليتها ومرشحها الفاشي الفاشل الفاسد الفاجر، ونؤكد أن ثورة يناير لا تزال ماثلة بشبابها، لا تزال قائمة ثائرة تواجه ركام هذا التزوير لنظام انقلابي مغتصب احتل العباد قبل البلاد، وجعل من التزوير مهنته وحرفته.