كتاب عربي 21

وزارة الداخلية تخاطبكم.. بالأمازيغي

1300x600

في أول تفعيل رسمي لالتزاماتها بـ"ترقية اللغة الأمازيغية، وتكريسها في المنشأ الإداري والعمل الحكوم"، بعد مأسستها في الدستور لغة وطنية ورسمية قبل عام، خاطبت الحكومة الجزائرية مواطنيها الأمازيغ بلغتهم الأم ولو استعملت في ذلك الحرف اللاتيني.

 

تأتي هذه الخطوة على بعد أيام من قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل رأس السنة الأمازيغية يوم إجازة رسمية مؤدى عنها كما هو الحال مع السنتين الهجرية والميلادية، إذ سيتمكن الجزائريون من الاحتفال ليلة الثاني عشر من شهر يناير بشكل رسمي ومعترف به لأول مرة في تاريخ الدولة الجزائرية الحديثة.

 

لكن الملاحظ أيضا أن أول من خاطب الأمازيغ بلغتهم الأم كان وزارة الداخلية مما يعني أن التعامل مع القضية الأمازيغية لا يزال شأنا أمنيا خالصا.


في المغرب، الجار الغربي، الذي كان يقدم نفسه رائدا في تدبير الاختلاف اللغوي باعتباره سباقا لإقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية في دستور 2011، بعد أن كان خطاب العاهل المغربي في العام 2001 بأجدير، بالأطلس المتوسط، بارقة أمل كبرى في تحقيق الدمج المطلوب للغة والحضارة الأمازيغيتين في الإدارة والمدرسة والمجتمع المغربي. لكن الواضح أن كثيرا من تلك الآمال تحولت سرابا.

في الجزائر، كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن في بدايات حكمه أنه لن يعترف باللغة الأمازيغية لغة وطنية، قبل أن تصير كذلك في دستور 2002 وبعدها رسمية في دستور 2016 وعيدا معترفا به قبل أسابيع لما يشكله ذلك من "تعزيز الوحدة والاستقرار الوطنيين".

آخر تمظهرات العقلية الإدارية الغارقة في ماضوية شوفينية تحن للعهد القديم حيث لا مجال للاختلاف أو التنوع أو المصالحة مع الذات، كان رد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية بالبرلمان حين سئل عن موضوع السنة الأمازيغية، فحول الأمر إلى مجرد "تقويم فلاحي" اعتاد المغاربة في المناطق الفلاحية اعتماده على مر العصور.

 

نسي الوزير المنتدب أن باقي التقويمات إما شمسية أو قمرية، فما المانع من الاعتراف بأحقية شعب من اعتماد تقويم أرضي؟


ولأن الفتنة نائمة لا تنتظر إلا من يوقظها، فقد سارعت الجمعيات الأمازيغية إلى اعتبار الرد الحكومي "عنصرية وخرقا للدستور وجهلا بتاريخ المغرب وتجاهلا لمضامين التصريح الحكومي"، بل استغل بعضها مصادفة زيارة خالد مشعل للبلاد للنقاش الدائر حول الموضوع،  وحديثه عن عروبة المغرب لإدانة الزيارة باعتبار أن "حماس تكن العداء لوحدة المغرب وأمازيغيته"، مع الدعوة إلى "إنهاء عضوية المغرب بالجامعة العربية التي لا تنتج إلا الحروب والنزاعات العرقية والطائفية" و"النأي عن النزاعات التي تدور رحاها في منطقة الخليج الفارسي".

 

هو تطرف في الخطاب يوازيه تطرف، وتصعيد لن يوازيه إلا تصعيد.

 

في الجزائر، كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن في بدايات حكمه أنه لن يعترف باللغة الأمازيغية لغة وطنية، قبل أن تصير كذلك في دستور 2002 وبعدها رسمية في دستور 2016 وعيدا معترفا به قبل أسابيع لما يشكله ذلك من "تعزيز الوحدة والاستقرار الوطنيين".

 

لم يكن التسلسل الزمني هذا منة من السلطة، بل نتاج نضال استمر لعقود سقط على إثره العشرات بين قتيل وجريح منذ بدايات الربيع الأمازيغي إلى الاحتجاجات الأخيرة على رفض البرلمان الجزائري لمقترح تطوير اللغة الأمازيغية بمسالك التعليم، مرورا بمختلف محطات الصراع بين المركز ومنطقة القبائل على الخصوص.

 

المطالب الأمازيغية بالمغرب ظلت على مدار السنوات سلمية لم تعتمد حشدا يوما أو مواجهات. لكن السنة الأمازيغية الجديدة ستمر على معتقلي الحراك بمنطقة الريف، الذين وُسِموا بـ"الانفصاليين"، وهم يقبعون في السجون والمعتقلات.

الاعتراف بالأمازيغية، في المغرب كما الجزائر، ليس مجرد نص يزين ديباجة وفصول الدساتير، بل هو إقرار واضح بأن المسألة ذات بعد وطني تستلزم التعامل الإيجابي مع ما تقتضيه من إجراءات لا يزال كثير من ممثلي التيارات العروبية، في تناغو مع بعض أطراف السلطة، غير مستعدين لتقبلها. فبعد أن فقد هؤلاء المواجهة مع التيار الإسلامي، كان لابد من اختلاق "عدو" جديد يبرر وجودهم على السطح ويضمن لهم شرعية الاستمرار.

 

غاب عن هؤلاء أن العقيد معمر القذافي، بكل جبروته ونبذه لكل أشكال الاختلاف، لم يتمكن من منع الليبيين من الاحتفاظ بعاداتهم ولغتهم الأمازيغية، وهو ما يحاول "ورثة القذافي" الاستمرار على نهجه حتى اليوم. 


يعتبر هؤلاء أن التقويم الأمازيغي إما تقويم يحمل بعدا "عرقيا" أو مجرد استنساخ للتقويم اليولياني.

 

والهدف فصل المكون الأمازيغي عن عمقه العربي وتزويده بخلفية ثقافية ورمزية تسجنه في إطار ضيق يقوم على الأساطير. والأسطورة هنا هو ما يسمونه "النصر الموهوم" للملك الأمازيغي شيشنق على فرعون مصر قبل 950 سنة قبل الميلاد، باعتباره الرواية الأمازيغية لبدء التقويم.

 

معتقلو جرادة يوصفون حتى اليوم ب"الوطنيين"، والوطنية الحقة تقتضي الاعتراف بالحقوق الثقافية لمختلف المكونات بالموازاة مع تمكين الأفراد والجهات من الحقوق الاقتصادية والسياسية والحق في التنمية والعيش بكرامة لا تقبل التجزيء.

مصر "الفرعونية" عند هؤلاء كناية عن مصر "العربية"، وكل حديث عن صراع أو حروب معها مجرد اختلاق لتاريخ وهمي وذاكرة مزورة تهيئ لإدخال المكون الأمازيغي في صراع رمزي ما يفتأ يتحول إلى صراع فعلي.

 

هي نظرية المؤامرة ذاتها التي تعتبر كل سعي للاختلاف أو مطالبات بالاعتراف بالهوية والحقوق، لغوية كانت أو سياسية، مجرد فصل من فصول زرع بذور الطائفية بما يمثله ذلك من خطر على الأمة ومقدراتها، وما السنة الأمازيغية إلا "أداة احتفالية في الحاضر" ستتحول إلى "أداة لصناعة المأساة" في مستقبل الأيام.

 

كانت الجمعيات الأمازيغية المغربية تشكو تحامل رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الإله بنكيران الذي كان يعتبر حرف تيفيناغ أشبه ما يكون بالكتابة الصينية، وكان أملهم معقودا على أن يكون وصول بديل أمازيغي له لسدة رئاسة الحكومة بداية تسريع للملف وانفراجة في الأفق. لكن  الأكيد أن ملف الأمازيغية أكبر في تعقيداته من مجالات اشتغال القرار الحكومي.

 

كثيرون يخوفون بسيناريوهات التقسيم. لكنهم يتناسون أن الملف ليس مجرد ترف فكري أو ثقافي بل فرصة حقيقية للمصالحة مع التاريخ والجغرافيا.


المطالب الأمازيغية بالمغرب ظلت على مدار السنوات سلمية لم تعتمد حشدا يوما أو مواجهات. لكن السنة الأمازيغية الجديدة ستمر على معتقلي الحراك بمنطقة الريف، الذين وُسِموا ب"الانفصاليين"، وهم يقبعون في السجون والمعتقلات.

 

وفي منطقة جرادة، ستمر السنة الأمازيغية الجديدة على المحتجين على مقتل اثنين من أبنائهم في أطلال مناجم فحم كانت تقيهم شر الفاقة، قبل أن تغلقها السلطات دون تقديم بديل اقتصادي، في الشوارع يصرخون ويتظاهرون في انتظار مجيب.

 

معتقلو جرادة يوصفون حتى اليوم بـ"الوطنيين"، والوطنية الحقة تقتضي الاعتراف بالحقوق الثقافية لمختلف المكونات بالموازاة مع تمكين الأفراد والجهات من الحقوق الاقتصادية والسياسية والحق في التنمية والعيش بكرامة لا تقبل التجزيء.