نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا لكل من غلين كاري وفيفيان نيريم وزينب فتاح، يناقشون فيه سبب تراجع ولي العهد السعودي عن تدابير تشديد الحزام في غضون أيام.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن تراجع الأمير محمد بن سلمان المفاجئ بخصوص المساعدات يشير إلى أنه يراهن على دعم المواطن العادي، بدلا من أعمدة السلطة التقليدية.
ويقول معدو التقرير إنه "لم يمر أكثر من أسبوع من تذمر السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون حتى أعلنت السلطات بأنها ستساعد الناس بمليارات الريالات؛ لتعوضهم عن الزيادة في أسعار السلع، وبذلك يكون الأمير قد عطل عمودا من عماد خطته لإصلاح الاقتصاد، والمتعلق بفطم المواطنين عن المساعدات الحكومية، ما يشير إلى أن السياسة المالية ليست أولوية بالنسبة له الآن".
ويشير الموقع إلى أن ابن سلمان، القائد الفعلي في المملكة، قام خلال صعوده السريع للسلطة بتهميش منافسيه، واعتقل كبار الأمراء، الذين يملكون المليارات، بما في ذلك 11 أميرا تم اعتقالهم يوم الخميس، وتحدى المؤسسة الدينية المحافظة جدا بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، فتركه ذلك يعتمد على السعوديين المتعطشين للتغيير الاجتماعي، لكنهم يعانون من إجراءات التقشف التي يحتاجها لتحويل السعودية إلى مركز دولي للاستثمارات، بحيث لا تعود تعتمد على النفط.
"قادة السعودية المستبدين اعتادوا بأن يلجأوا في أوقات عدم الاستقرار السياسي إلى المنح السخية، التي يمنحونها لمواطنيهم، فعندما كانت ثورات ما يسمى بالربيع العربي تسقط الحكام في أنحاء الشرق الأوسط عام 2011، أعلن الملك عبد الله حينها عن مبلغ 100 مليار دولار للإسكان وللجيش والمجموعات الدينية؛ لمنع انتشار الاضطرابات إلى أكبر الاقتصادات العربية"
وينقل التقرير عن أستاذ العلاقات الدولية في لندن "سكول أوف إيكونوميكس" فواز جرجس، قوله: "ليس بإمكان ولي العهد تنفير أنصاره من الشباب.. فالأمر لا يتعلق فقط بالإصلاحات الاقتصادية، بل يتعلق أيضا بتقوية القاعدة الاجتماعية لقيادته، وتجاوز المعارضة من المصالح المترسخة لبعض أعضاء العائلة المالكة".
ويذكر الكتّاب أن الملك سلمان أمر يوم السبت بزيادة رواتب الموظفين الحكوميين والجيش هذا العام، بعد أن قامت المملكة بفرض ضريبة القيمة المضافة في بداية العام، ورفعت أسعار الوقود، ما أثار تذمرا بين الشعب، مشيرين إلى أن التكلفة للدولة ستصل إلى أكثر من 50 مليار ريال "13.3 مليار دولار أمريكي".
ويلفت الموقع إلى أن السعوديين عبروا عن مشاعر مختلفة بخصوص هذا التغيير المفاجئ، فعبر بعضهم عن فرحة عظيمة، إلا أن البعض الآخر شعر بأن الزيادات لم تكن سخية بشكل كاف، أو يخشون من أنها لن تدوم طويلا، فيما قال البعض إن هذا التحول المفاجئ هو واحد من عدة تحولات قام بها الأمير منذ أن أعلن خطته "رؤية 2030" لإصلاح الاقتصاد قبل عامين تقريبا، ما جعلهم يتشككون من استراتيجية الحكومة.
ويفيد التقرير بأن الهاشتاغات الوطنية، بما في ذلك "كلنا سلمان، وكلنا محمد"، بدأت بالظهور على "تويتر" بعد تلك الأوامر، ومدحت الصحف المحلية قيادة المملكة، لافتا إلى أن مؤشر التداول، الذي يشمل الأسهم كلها، انخفض بنسبة 0.1% مع الإغلاق في الرياض، ما أدى إلى ارتفاع المؤشر في سوقي الكويت وقطر، فيما كان التغير في المؤشر قليلا على مدى عام 2017، مقارنة مع ما حققه مؤشر "أم أس سي آي إميرجنغ ماركتس"، بارتفاع نسبته 34%.
وينوه الكنّاب إلى أن المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة واشنطن في جورج تاون بول سوليفان، رأى احتمال وقوع اضطرابات، وقال إنه يبدو أن قاعدة الأمير الشعبية هي من الجيل الشاب، الذي "يأمل أن يحقق حياة أفضل وتغييرات حقيقية.. وإعطاء الأمل للناس هو أمر رائع، لكن تخييب تلك الآمال أو إشعارهم بأن تلك الآمال لن تتحقق فعلا فإن ذلك مصدر مؤكد لعدم الاستقرار وللغضب".
اقرأ أيضا : أوامر ملكية.. هل تخشى الرياض من عدوى احتجاجات طهران؟
ويقول الموقع إن "قادة السعودية المستبدين اعتادوا بأن يلجأوا في أوقات عدم الاستقرار السياسي إلى المنح السخية، التي يمنحونها لمواطنيهم، فعندما كانت ثورات ما يسمى بالربيع العربي تسقط الحكام في أنحاء الشرق الأوسط عام 2011، أعلن الملك عبد الله حينها عن مبلغ 100 مليار دولار للإسكان وللجيش والمجموعات الدينية؛ لمنع انتشار الاضطرابات إلى أكبر الاقتصادات العربية".
ويذهب التقرير إلى أن "الفرق الآن هو أن الأمير محمد اتخذ خطوة ضد الأمراء الآخرين ومؤيديهم بطرق لم يفعلها الملوك السابقون، ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر قامت السلطات باعتقال عشرات الأثرياء السعوديين والشخصيات الأكثر تأثيرا، بينهم الأمراء والوزراء الحكوميون، ووجهت إليهم تهم الفساد، أما منتقدوه فيتهمونه بأنه افتعل التهم ضدهم سعيا خلف حكم الرجل الواحد".
ويبين الكتّاب أن التوجه ضد الفساد تناغم مع رغبات السعوديين الذين يعانون بسبب هبوط أسعار النفط، حيث كانوا يشتكون على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يسمح للنخبة في السعودية بأن تتصرف دون مساءلة، فاستغل المدعي العام حالة الاستياء تلك ليعلن يوم السبت بأن لا أحد فوق القانون، بمن فيهم 11 أميرا تم اعتقالهم بسبب احتجاجهم على توقف دفع الحكومة لفواتير الماء والكهرباء الخاصة بهم.
"من غير المتوقع أن يستطيع ابن سلمان تحقيق تلك التوقعات في الفترة الزمنية التي يتوقع الناس تحقيقها، ولذلك عليه أن يتمكن من الإدارة للحفاظ على شعبيته".
ويشير الموقع إلى أنه تم سجن الأمراء في سجن الحائر ذي الحراسة المشددة، وليس في فندق ريتز كارلتون الراقي، الذي يضم سجناء حملة مكافحة الفساد، لافتا إلى أن السخاء الذي ظهر في نهاية الأسبوع يعد تجسيدا للصعوبة التي يجدها الأمير محمد في تطبيق إصلاحاته الاقتصادية دون التسبب في استياء عام.
وبحسب التقرير، فإنه تمت إقالة وزير المياه في عام 2016؛ بسبب الغضب من ارتفاع أسعار الماء، الذي جاء مباشرة بعد تخفيض الدعم الحكومي، وقام الملك في العام اللاحق بإلغاء التخفيض في المساعدات والمنح للقطاع العام، بعد أن تسبب الاستياء من الإجراء بدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بمظاهرات في الشارع في عدة مدن.
ويورد الكتّاب نقلا عن الاقتصادي السعودي إحسان بوحليقة، قوله إنه لا يرى المساعدات الجديدة تراجعا عن السياسة الحكومية، بل هي عملية تعديل طفيف، وأضاف: "تخيل نفسك تفعل شيئا لأول مرة.. إن الأمر صعب، وهذه هي الخطوة الأولى وسنرى كيف سينفتح الاقتصاد".
ويذكر الموقع أن الحكومة قضت معظم العام الماضي تصمم برنامجا ليخفف من آثار الإصلاحات المالية، تمت تسميته حساب المواطن، الذي منح العائلات ذات الدخل القليل والمتوسط مساعدات لتغطية الغلاء في الأسعار، لكن السعوديين يشتكون بأنهم يحتاجون للمزيد.
وينقل التقرير عن المتخصص في الشرق الأوسط في جامعة "نانيانغ" التكنولوجية في سنغافورة جيمس دورسي، قوله إن للأمير محمد شعبية ودعما من الملك، "لكن شعبيته هشة؛ لأنها مبنية على ما يتوقع تحقيقه".
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى قول دورسي إنه "من غير المتوقع أن يستطيع ابن سلمان تحقيق تلك التوقعات في الفترة الزمنية التي يتوقع الناس تحقيقها، ولذلك عليه أن يتمكن من الإدارة للحفاظ على شعبيته".
صحيفة سويسرية: هل تكفي الحرية لتغيير جذري بالسعودية؟
كيف يرى السعوديون ولي عهدهم محمد بن سلمان؟
لماذا عرقل أوباما ملاحقة حزب الله وتهريب المخدرات لأمريكا؟