تناول موقع ميدل إيست آي" البريطاني الأحد في تقرير له الاحتجاجات في إيران محاولا الإجابة عن التساؤلات بشأن إمكانية استمراريتها أو تحولها إلى "انتفاضة شعبية".
ويتحدث تقرير الموقع الذي أعده "شاهر شهيد سالس" وترجمته "عربي21" عن الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذه الاحتجاجات، لافتا إلى أنها قد تكون من تدبير التيار المحافظ ضد الرئيس روحاني على اعتبار أن مدينة مشهد التي بدأت منها الاحتجاجات هي معقل المرشح المتشدد إبراهيم رئيسي الذي هزم في الانتخابات الأخيرة.
وتاليا نص التقرير كاملا:
"قد لا تفضي الاحتجاجات في صورتها الحالية إلى إسقاط الرئيس روحاني ولكن لو خرج أفقر الفقراء إلى الشوارع فقد يشكل ذلك حينها خطراً على إيران نفسها"
اندلعت في الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الاحتجاجات في شوارع مدينة مشهد الإيرانية المقدسة، ثاني أكبر مدينة في البلاد، تحت شعار "لا لارتفاع الأسعار". ثم ما لبثت في اليوم التالي أن انتشرت لتجتاح شوارع عدد من المدن الإيرانية الأخرى، بما في ذلك قم، أكبر مركز للمعارف والعلوم ومعاهد الدراسات الشيعية في العالم. وقد تجاهل المتظاهرون التحذيرات الصادرة عن وزير الداخلية الإيراني بتجنب "التجمعات غير القانونية". وفي ليلة الثلاثين من ديسمبر، أضرم المحتجون النار في سيارة للشرطة في مشهد.
لماذا مشهد؟
ونظراً لأن الهتافات التي أطلقها المتظاهرون خلال الساعات الأولى من احتجاجات مشهد كانت "الموت لروحاني"، في إشارة إلى الرئيس الإيراني الممثل لتيار الوسط، فقد ثارت شكوك بأن الاحتجاجات لربما كانت من تدبير التيار المتشدد بهدف النيل من حسن روحاني وإدارته.
ويذكر في هذا الصدد أن مشهد هي مقر إبراهيم رئيسي، المرشح المتشدد الذي هزمه روحاني في انتخابات الرئاسة التي أجريت في شهر مايو/ أيار الماضي، حيث يقوم هناك بدور الوصي على ضريح الإمام الرضى، الإمام الثامن في قائمة الأئمة الاثني عشر عند الشيعة.
كما أن مشهد هي موطن آية الله أحمد علم الهدى، والد زوجة رئيسي، وهو إمام وخطيب الجمعة في المدينة، وأحد أشد معارضي الرئيسي روحاني. وكان رئيسي قد كسب في مشهد أثناء انتخابات مايو 903 آلاف صوت مقابل 688 ألف صوت حصل عليها روحاني.
نجم عن انعدام التوازن هذا أن أصبحت مشهد المدينة الكبيرة الوحيدة التي صوتت لرئيسي.
وكان إسحاق جاهنجيري نائب الرئيس قد ألمح في تصريح صادر عنه إلى احتمال أن تكون الاحتجاجات من تدبير وتنظيم المتشددين سعياً منهم لإسقاط روحاني، وقال: "الذين أشعلوا فتيل التحركات السياسية في الشوارع قد لا يكونون هم من يضعون حداً لها، فقد يعمد آخرون إلى ركوب الموجة التي بادروا هم بإطلاقها."
وفعلاً، ما لبثت أن تحققت نبوءة جاهنجيري، فسرعان ما استولى على شعارات الاحتجاجات آخرون، هيمنوا عليها وراحوا يهتفون بهتافات أخرى منها: "الموت للدكتاتور"، "تستخدم الدين لتكون زعيماً وها أنت تدمر البلاد والعباد"، "اترك سوريا وشأنها، واخدم شعبك"، "الجمهورية الإسلامية ليست ما نريد، ليست هي التي نريد"، "الشعب يعاني من الفقر والقائد يتصرف كالإله".
إلا أن ما كان غير مسبوق على الإطلاق، ولم يشاهد في أي تظاهرات سابقة منذ الثورة الإيرانية، كان الهتافات المؤيدة للسلالة الملكية السابقة، والتي أطاحت بها ثورة عام 1979، ومن تلك الهتافات: "رضا شاه (ويقصد به مؤسس سلالة بهلوي)، بوركت روحك" و"شاهان شاه (ويقصد به الملك – أي محمد رضا بهلوي الذي أطيح به في عام 1979) بوركت روحك".
الفقر والبطالة والفساد الهائل
ومن الهتافات التي أطلقها المتظاهرون: "أي خطيئة ارتكبنا عندما شاركنا في الثورة". ويعكس هذا الهتاف حالة من التظلم بسبب الفقر وارتفاع معدلات البطالة (والتي بلغت حسب الأرقام الرسمية 12.7 بالمائة)، والفساد الهائل، وارتفاع الأسعار، وأعمال الغش والخداع المالي التي نجم عنها تبديد مدخرات ملايين الناس، وربما الأسوأ من ذلك كله الفجوة الكبيرة، والآخذة بالاتساع، بين الفقراء والأغنياء.
وبحسب تقرير نشره في الرابع من سبتمبر/ أيلول الحرس الثوري من خلال ذراعه السياسية المعروفة باسم "الصبح الصادق" تحت عنوان "معيشة الناس هي الهم الأكبر الذي يشغل القائد منذ سنوات طويلة" فإن نصف المواطنين الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر في ظروف يزداد فيها انتشار الجور والإجحاف.
ولقد بات سراً مفتوحاً في إيران، التي يتفشى فيها الفساد، أن تكديس الثروة إنما يتحقق بشكل رئيسي من خلال المعرفة الشخصية والوساطات وإيثار ذوي القربى والمعارف ومن خلال النشاطات اللاهثة وراء الأجرة والعمولة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه أغلب الإيرانيين اقتصادياً ويناضل بعضهم من أجل البقاء على قيد الحياة (تغطي جدران المباني في طهران إعلانات عن أشخاص يرغبون في بيع كلاهم، على سبيل المثال) يرفل "أبناء الأثرياء في إيران" في حياة من النعيم. وعلى خلفية ذلك، تدعي الحكومة أنها ثورية، وتسعى لأن تتصدر قيمة القسط الإسلامية خطابها.
وما يزيد الأمر سوءاً هو سير روحاني وفريقه على خطى نظرية بافلوف التطويعية من خلال تبنى نظام اقتصادي نيوليبرالي يجلب معه التزاماً عقائدياً بالفكرة الزائفة التي تقول إن النمو الاقتصادي يعالج كافة مشاكل المجتمع وإن ثراء الأغنياء سيعود في نهاية المطاف بالنفع على الفقراء.
في شهر أغسطس/ آب الماضي، وقف وزير المخابرات في حكومة روحاني، رجل الدين محمود علوي، خطيباً في رجال الأعمال قائلاً لهم: "أقبل أياديكم.. لو اقترب أي من زملائي مجرد اقتراب من إلقاء القبض على أي من الأشخاص الناشطين اقتصادياً فستكون تلك نهاية وظيفته".
وفي تصريح لم يسبق أن سُمع من قبل من فيه مسؤول في الجمهورية الإسلامية، مضى علوي ليقول: "بفضل كرمكم الذي يفيء بظلاله على مجتمعنا وعلى شبابنا، فإننا نضرع بالدعاء لكم وسنعمل قصارى ما في وسعنا لحماية أمنكم وسمعتكم".
وفي هذا المجال، ليس حال معارضي المعتدلين والإصلاحيين، أي المحافظين، أفضل حالاً. فهم ببساطة يستخدمون اللغة الشعبوية أداة للنيل من صدقية المعتدلين، ولم يجيزوا تشريعاً واحداً من شأنه أن ينصف البؤساء والمحرومين، على الرغم من أن المحافظين كانوا دوماً أصحاب الغلبة والفصيل المهيمن داخل البرلمان.
هل ستؤدي الاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية؟
لقد أخفقت الاحتجاجات حتى الآن في التحول إلى مظاهرات شعبية عارمة، وقد لا تنجح في تحقيق ذلك لأسباب ثلاثة.
أما السبب الأول، فهو أنه على النقيض مما كان عليه الحال في احتجاجات عام 2009 التي ثارت ضد انتخاب غريب الأطوار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لا توجد اليوم زعامة قادرة على استنفار الناس للانخراط في انتفاضة جماهيرية شاملة. وفعلاً، لا يوجد لا داخل إيران ولا خارجها زعامة تعارض الحكومة انطلاقاً من مشروع ينتصر للفقراء. لم تتقدم الحركة الخضراء في اضطرابات عام 2009 بمطلب واحد ذي علاقة بالاقتصاد.
وثانياً، أن الشكوك بشأن التطورات الحالية تساور عدداً كبيراً من أبناء الطبقة الوسطى سكان المدن الذين شاركوا في مظاهرات عام 2009. فهم لا يرغبون في الوقوع في حبائل المحافظين بحيث يستخدمونهم لإضعاف روحاني لصالح خصومه، والذين لا يكنون لهم سوى الكراهية. وعلينا ألا ننسى أن روحاني إنما فاز بالانتخابات نتيجة لدعم الطبقة الوسطى له.
وثالثاً، أن هناك حالة من الارتباك وعدم الوضوح تجاه الأساس الذي انطلقت منه هذه الاحتجاجات. فعلى الرغم من أن الاحتجاجات بدأت على شكل تظاهرات ضد المعاناة الاقتصادية للناس، إلا أن الشعارات التي رفعت مع مرور الوقت شملت عدداً كبيراً من القضايا التي تتراوح ما بين الاقتصادي والسياسي ومناهضة رجال الدين والمؤسسة الرسمية.
وبعد ما ورد ذكره آنفاً، كلما زادت معاناة الشعب الإيراني، وبشكل خاص الفقراء منهم، كلما زاد احتمال تفجر الغضب الشعبي من قبل طبقة جديدة لم تنتفض منذ ثورة عام 1979. يمكن لحركة الجوعى الجديدة أن تشكل خطراً على استقرار إيران وعلى المؤسسة فيها.
كيف ساهم الصراع السعودي الإيراني بتأزيم قضية فلسطين؟
نيويورك تايمز تكشف "التفاصيل الغريبة" لرحلة الحريري للرياض
فورين بوليسي: هكذا كانت القدس ضحية حرب إيران والسعودية