وماذا بعد قرار الأمم المتحدة؟

انتظرت حتى تهدأ العاصفة، وتخف العاطفة، وتسكن رياح التفاؤل التي تعصف بالمنطق وتدعو إلى الاستكانة لواقع افتراضي لا وجود له على أرض الواقع، وأوجز رأيي في عدة نقاط:

1.إن قرار الأمم المتحدة يحمل شقا إيجابيا برفض قرار ترامب، ولكنه في الوقت ذاته يتحدث عن القدس الشرقية، ويحيل إلى قرارات سابقة شديدة السلبية على القضية الفلسطينية.

2.إن قرار الأمم المتحدة ليس به منطق الإلزام ولا قوة التنفيذ، بل هو توصية تضاف إلى سابقيه، ولا يغير واقعا على الأرض. فكم من قرارات سابقة أشد منه أخذت زخمها، وفرح بها وهلل لها الذين لا يملكون غير الإشادة، ولا يملكون أدوات الريادة، ثم طال عليها الأمد، فكانت أثرا بعد عين.

3.إن عددا غير قليل من الدول التي صوتت لصالح القرار، وترفض قرار ترامب، وخاصة دول أوروبا، يبدو من مجمل سياساتها نحو الكيان الصهيوني منذ نشأته على يديها، وحتى الآن، أن رفضها يتعلق بالشكل أكثر من المضمون، وبتوقيته والوقاحة الأمريكية المتعمدة في إعلانه وتهديد من يخالفه بشكل يستفز مشاعر الشعوب؛ أكثر مما هي عليه، فقد يمهد لانفجار شعبي يطيح بالحكام؛ ويأتي على مصالح الغرب المستقرة على أيديهم وتحت رعايتهم.

4.إن قرار الأمم المتحدة أعطى الفرصة لأشد العملاء خيانة للقضية ودعما للكيان الصهيوني؛ بترميم شرعيتهم المتآكلة، إن كان لهم شرعية من حيث المبدأ، وهو ما يؤثر سلبا على القضية. فبقاؤهم يمثل الخطر الداهم والدائم على الحق الفلسطيني، ويحول دون التحرير اللازم والحاسم بتخدير الشعوب وتوهين عزائمها في القيام بواجبها.

5.إن قرار الأمم المتحدة لم يحشر أمريكا في الزاوية، ولم يعزلها دوليا، كما قال البعض، ولم يمنع الوقاحة الأمريكية المعبرة، ليس عن الصلف الأمريكي وغرور القوة فحسب، بل عن حالة الانبطاح الكامل والشامل لأئمة الخنوع والذل من الحكام والعملاء، والاطمئنان التام لعدم الرد ولو بكلمة، حتى قالت نيكى هيلي، مندوبة الغطرسة الأمريكية في الأمم المتحدة، إنها لا تلبس الحذاء ذا الكعب العالي أناقةً، بل لتقذفه في وجه من ينتقد إسرائيل.

لا أعني بما أسلفت إغفال الجوانب الإيجابية في القرار، ولا أعني عدم التعاطي مع السياسة وأدواتها والمتاح منها، والتدرج في الخطوات وفق الطاقة الحقيقية، واستثمار الحدث بأقصى ما يمكن، واستلهاب مشاعر الشعوب نحو قضية حق لا يختلف حولها أي منصف، سواء في البعد الديني أو الحضاري أو الإنساني، ولكن بحقيقة التحليل وليس بمنطق التخدير.. وأي حق ليس له قوة تحميه لن يصل أصحابه إليه، وكل من يغفل هذا في تحليله أو أهدافه من وراء ذلك؛ فكأنما يساهم في الحدود الدنيا - مع إحسان الظن - في إطالة أمد القضية، وإضاعة الوقت في ما لا طائل من ورائه، أما الواجب الحقيقي والمواجهة المستبصرة فتتمثل في:

أ) مساعدة الشعب الفلسطيني ودعمه بكل أنواع الدعم؛ للقيام بدوره المشروع في المقاومة.

ب) العمل المخلص لالتئام لحمة هذا الشعب البطل ووحدة صفوفه، وإزاحة العقبات والشخصيات التي تعوق ذلك.

ج) استمرار المظاهرات الممنهجة أمام السفارات والقنصليات الصهيوأمريكية، وكذا أنواع الفعاليات التوعوية والتثقيفية والفنية كافة، على المستويين الجماهيري والنخبوي، ودحض شبهات الحق الديني والتاريخي للعدو الصهيوني.

د) الضغط الإعلامي الممنهج والهادف والمستمر لتظل القضية في بؤرة الاهتمام، فلا يخفت صوتها ولا يخبو أوارها.

ذ) مقاومة كل أشكال التطبيع الديني والثقافي والفني والرياضي والاقتصادي.

و) المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني وكل الشركات الداعمة له، واستبدالها بمنتجات الدول والشركات صاحبة المواقف الإيجابية والعادلة تجاه فلسطين وأهلها.

ي) التنسيق بين كل الجهات العاملة لأجل فلسطين، مثل رابطة برلمانيون لأجل القدس، ولجنة القدس، ونقابيون لأجل القدس، والكثير من الروابط والجمعيات والمنتديات ومنظمات المجتمع المدنى ليكون لها تنسيقية عليا لها استراتيجية موحدة، وترسم خطتها وفقا لها، وتوزع الأدوار كلٌ في اختصاصه، ويكون معلوما لديها المهام والإسناد .

إن استرداد حقوقنا ومقدساتنا وقدسنا وأقصانا وأسرانا يحتاج إلى عزائم جبارة أكثر مما يحتاج إلى عواطف فوارة، ويحتاج إلى العمل الذي لا يعرف الكلل، والصبر الذي لا يعرف الملل، والإقدام الذي لا يعرف الإحجام، والثبات الذي لا يعرف التردد، والجسارة التي لا تعرف الخوف، ومن قبل ذلك ومن بعده توفيق الله عز وجل.