بعيدا عن الجدل المثار حول طريقة عودة أحمد شفيق، رئيس الوزراء المصري السابق والمرشح الرئاسي المقبل، وما إذا كانت قرارا ذاتيا له، أم أنه قرار ترحيل من السلطات الإماراتية، وبعيدا عن مكان إقامته عقب وصوله إلى القاهرة، سواء كان فندقا تابعا للقوات المسلحة، أو منزله الخاص، وما إذا كان يخضع لإقامة جبرية، أم لا، فإن إعلان الفريق ترشحه لرئاسة مصر مثل ورطة له شخصيا، وللآخرين في الوقت نفسه. وأقصد بالآخرين هنا المشير السيسي والمؤسسة العسكرية، وحتى لمناهضي ومعارضي الحكم الحالي والدولة التي احتضنته، (شخصيا أعتقد ان هذه الانتخابات ستكون كسابقتها مجرد مسرحية هزلية، حتى وإن زادت عناصر التشويق والإثارة بها، لكن هذا لا يمنع من توظيفها لصالح التغيير الثوري).
إعلان الفريق ترشحه لرئاسة مصر مثل ورطة له شخصيا، وللآخرين في الوقت نفسه
تتمثل ورطة الفريق الشخصية في ضرورة الوفاء بما أعلنه، وهو الترشح فعلا للانتخابات الرئاسية المقررة في آذار/ مارس المقبل، وعدم الخضوع للتهديدات الضخمة التي يتعرض لها حاليا للعدول عن قراره، وهي تهديدات تأتيه من السلطة العسكرية الحاكمة التي ساهم شفيق نفسه في إيصالها للحكم؛ والترويج لانقلابها على منافسه السابق الرئيس محمد مرسي، والذي يتعرض حاليا للقتل البطيء داخل محبسه، بحرمانه من حقه في العلاج.. كما أنها تأتي من أطراف إقليمية، خاصة دولة الإمارات العربية التي استضافته عقب هزيمته في
الانتخابات الرئاسية في 2012، ووفرت له منصة للكيد للرئيس مرسي وحكمه، وحين أراد أن يمارس حقه الدستوري - مجددا - في الترشح، حاولت إثنائه بطرق ناعمة، وحين فشلت لجأت إلى التعامل الخشن؛ بالقبض عليه وترحيله إلى
مصر على متن طائرة خاصة، برفقة عدد من المسؤولين الإماراتيين، وكأنه كان مجرد "أمانة" لديهم أرادوا تسليمها للسيسي بأنفسهم، ليؤكدوا له (أي للسيسي) أنهم باقون عليه، وداعمون له، وليبددوا كل شبهة عن دعمهم لشفيق، بل وليؤكدوا للسيسي أنهم حرموا شفيق من جولة أوروبية أمريكية للقاء الجاليات المصرية والتواصل مع الإعلام الأجنبي ومراكز صنع القرار الدولي؛ لنيل موافقتها ودعمها قبل وصوله إلى القاهرة.
لدى السلطات العسكرية الحاكمة في مصر، كما لدى الإمارات الدولة المضيفة له على مدى خمس سنوات، العديد من الأوراق والاتهامات بحق الفريق التي ستظهر تباعا لثنيه عن الاستمرار في الترشح، وقد بدأ محامون موالون للنظام المصري تقديم بلاغات للنائب العام لمحاكمة أحمد شفيق؛ تتهمه بالخيانة العظمى وتطلب سحب جنسيته المصرية، كما تتهمه بالإساءة لمصر، ولدولة الإمارات (الشقيقة!!)، وبث أخبار كاذبة، والتعاون مع جماعة الإخوان التي يصنفونها "إرهابية" ومع قناة الجزيرة (عدوة مصر والمصريين!!)، وأنه يمثل خطورة على الأمن القومي المصري، ويهدد بانقسام في المؤسسة العسكرية. كما تحتفظ السلطات العسكرية المصرية بالعديد من القضايا والاتهامات للفريق شفيق؛ تتعلق بتهم فساد مالي وإداري، وحتى أخلاقي. وقد كانت هذه الملفات طي الكتمان من قبل، باعتبار أن شفيق واحد من قادة المؤسسة العسكرية الذين تغتفر لهم تلك الجرائم، لكن إصرار الفريق على منافسة المشير يسقط كل الأعراف والتقاليد المرعية، بما فيها تلك التي تقضي بالتغطية على بعض الجرائم. ومن هنا، بدأ تسريب بعض من تلك الملفات، سواء تلك التي حفظت في القضاء في لحظات الرضا الرسمي عنه، مثل قضية أرض الطيارين، أو تلك التي لم تفتح من قبل، ومعظمها يتعلق بشبهات في عقود خاصة بتطوير مطار القاهرة حين كان وزيرا للطيران المدني (بعض الملفات الأخلاقية تم تسريبها أثناء الحملة الانتخابية في 2012 ووصلت إلى حملة الدكتور مرسي التي رفضت استخدامها ضده).
محطة الاتهامات والبلاغات والتحقيقات هي المحطة المهمة الحالية التي يمر بها شفيق في طريقه الوعر لمنافسة المشير
محطة الاتهامات والبلاغات والتحقيقات هي المحطة المهمة الحالية التي يمر بها شفيق في طريقه الوعر لمنافسة المشير، وإذا استطاع تجاوز هذه المحطة، فإن عقبات أخرى تنتظره إذا قرر الاستمرار في المنافسة. ومن ذلك مثلا؛ محاصرته في جمع التوكيلات المطلوبة للترشح (25 ألف توكيل من 15 محافظة، بواقع ألف توكيل على الأقل من كل من محافظة) وهو ما عجز عنه اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة الأسبق، في انتخابات 2012. وعلى الأرجح، ستصدر السلطات الأمنية تعليماتها لمراكز الشهر العقاري بعدم تحرير أي توكيلات له، أو الإبلاغ عن أصحاب تلك التوكيلات؛ للضغط عليهم ودفعهم لعدم إكمال تلك التوكيلات أو سحبها، حتى يتجنبوا غضب النظام وقمعه. وإذا نجح الفريق في اجتياز هذه العقبة، فإن اللجنة العليا للانتخابات ستعرضه على لجنة طبية لتقرير مدى صلاحيته الذهنية والصحية، وسيكون تقرير اللجنة نهائيا ولا يمكن الطعن فيه، وبالتالي تقرر اللجنة استبعاده من قائمة المرشحين.
أما ورطة أو" توريطة" شفيق للسيسي ونظامه؛ فلا تخطئها عين، ذلك أنه يمثل منافسا حقيقيا له إذا استمر في المنافسة، كما يحظى بفرص نجاح حقيقية في حال تمت الانتخابات بنزاهة وشفافية. وبالتالي، فإن نظام
السيسي سيكون أمام خيارين، إما أن يقبل التحدي ويرضخ للضغوط المحلية والدولية بتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات، فيفقد موقعه الذي وصل إليه عبر شلالات الدم، وإما أن يتدخل بالقوة "الغاشمة" لتزوير الانتخابات حفاظا على منصبه وعلى رقبته، وهذا هو الأرجح. وفي هذه الحالة، سيضع نفسه في مواجهة مع قطاعات أوسع من الشعب المصري لم تعد تقتصر على الإسلاميين وبعض القوى الليبرالية واليسارية التي وقفت ضده من قبل، بل ستنضم لها قطاعات المؤيدين للفريق
أحمد شفيق. وهنا يمكن القول إن هذا التزوير الواسع قد يكون شرارة الانفجار للموجة الثورية التي تجمعت نذرها على مدار الأعوام الخمسة الماضية، مع تصاعد الغضب الشعبي نتيجة تواصل وتصاعد فشل السيسي ونظامه في كل الملفات الداخلية والخارجية. وهنا نذكر بأن تزوير الانتخابات البرلمانية في 2010 كان هو القشة التي قصمت ظهر نظام مبارك، ومهدت لثورة 25 يناير 2011.
وأما الورطة التي يمثلها ترشح شفيق لمناهضي ومعارضي الحكم الحالي، سواء من أنصار الشرعية أو القوى الليبرالية، فهي أن نتائج هذه الانتخابات، حال توفر ضمانات لنزاهتها ومشاركة أعداد أكبر من المصوتين بها، ستفرض واقعا جديدا يصعّب مهمة هذه القوى، على عكس انتخابات 2014. لكن هذا الاحتمال يظل هو الأضعف، وبالتالي فإن على القوى الثورية (الإسلامية والليبرالية) المناهضة للانقلاب العسكري؛ أن تعد لإشعال موجة ثورية جديدة بعد فشل الخيار الانتخابي للتغيير.