نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن ضحايا العنف والحرب في سوريا الذين أصيبوا بأمراض عقلية، علما بأن عددهم لا يزال مجهولا إلى حد الآن، بينما لم يبق في كامل سوريا سوى 50 طبيبا نفسيا فقط، ومستشفيان لمعالجة الأمراض العقلية لا غير.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الحرب السورية وبشاعة الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة في حق المدنيين، خلفت العديد من المرضى العقليين، من بينهم عمار الذي حاول أحد المتطرفين قطع رأسه. ورغم مرور الوقت، لا زالت آثار الصدمة راسخة في ذاكرته.
وذكرت الصحيفة أنه في المستشفى الذي يتلقى فيه عمار العلاج، كان هذا الرجل يصرخ قائلا "لقد حاولوا قطع رقبتي"، في الوقت الذي يحاول فيه إظهار آثار التعذيب الذي تعرض له على يد تنظيم الدولة. ومع هذه المعاناة، تتخلى غالبية العائلات السورية عن أفرادها الذين يعانون من أمراض عقلية.
وحيال هذا الشأن، قال بسام حايك، مدير مستشفى الطب النفسي في ابن خلدون، إن "المستشفى الذي يعمل فيه يشرف على علاج حوالي 184 مريضا، من بينهم 50 امرأة". وأضاف حايك أن "هذا المكان يعد مأوى للمنسيين، الذين هم جزء من ضحايا الحرب السورية. وفي الإجمال، تعد الصدمات التي عاشها الكثيرون خلال هذه الحرب، السبب الرئيسي في معاناة نصف المرضى العقليين الوافدين إلى هذا المستشفى".
وبينت الصحيفة أن نهاية القصف والتفجيرات في سوريا، ساهمت في تزايد عدد المرضى العقليين؛ منهم من تصحبهم عائلاتهم ومنهم من تنقلهم عناصر الشرطة السورية إلى المستشفى. والجدير بالذكر أنه يأتي إلى هذا المستشفى الموجود في ضواحي حمص، موالون للنظام السوري ومعارضون له على حد السواء.
اقرأ أيضا: الموندو: حلب.. أنقاض متناثرة وضحايا مشوهون
وأضافت الصحيفة أن نظرات عمار متغيرة وتتراوح بين الخوف تارة والغضب تارة أخرى. وتحت عيني هذا المسكين، تبدو الهالات السوداء بارزة وبشكل واضح؛ وهو ما يؤكد معاناته من الأرق لفترة طويلة. وعند الحديث عن مأساته، استحضر عمار الكابوس الذي عاشه في مسقط رأسه منبج، تحت نيران تنظيم الدولة. وخلال دخوله في حالة هستيرية تستوجب إعطاءه جرعات إضافية من المهدئات، كان عمار يردد ".. أريد العيش في سلام".
وذكرت الصحيفة أن مستشفى ابن خلدون هو المستشفى الوحيد في كامل شمال سوريا، الذي يعالج الأمراض العقلية. أما مستشفى الأمراض العقلية الثاني فيوجد في دمشق. وقد تم افتتاح المستشفى الأول في ضواحي حمص سنة 1942، لكن، استولى تنظيم القاعدة على هذا المرفق سنة 2013، وقام تنظيم الدولة في وقت لاحق بنفس العملية.
ونقلت الصحيفة عن حايك قولا بيّن فيه أن "أحد مرضى هذا المستشفى تعرض إلى القتل على يد تنظيم الدولة. أما الاثنان الآخران من الذين يتلقون العلاج في مستشفى ابن خلدون، تمكنت مجموعات متطرفة من تحويلهما إلى انتحاريين، مقابل منحهما عددا من السجائر".
وأفادت الصحيفة أنه في جناح النساء داخل مستشفى ابن خلدون، توجد ممرضة سابقة اختارت لنفسها اسما مستعارا كي لا يتم التعرف عليها. وكشفت شهد أنها "تعرضت للعنف على يد زوجها الذي ربطها في المطبخ، قبل أن يغادر مصحوبا بكل المجوهرات والأموال الموجودة في البيت". ولم يساهم صراخ شهد إلا في إقناع المارة بأنها "مختلة عقليا". وفي الحديث عن قصتها، أكدت شهد أنها "بقيت لمدة سنتين دون أن يساعدها أحد على فك حصارها في مطبخ منزلها".
وبينت الصحيفة أن المأساة والصدمة التي عاشتها شهد تسببت في تدهور صحتها العقلية والنفسية. فخلال الفترة التي قضتها الممرضة السابقة مربوطة في مطبخ منزلها، أصبحت السلاسل جزءا لا يتجزأ من جسمها، خاصة بعد أن اختلطت هذه المعادن بعظام يديها وجمدت معصمها.
وكشفت الصحيفة أن عدد السوريين المتضررين من الحرب السورية، والذين ظهرت لديهم أعراض أمراض عقلية، لا زال غير دقيق. في المقابل، تقدر العديد من الأبحاث أن حوالي 50 بالمائة من مرافق المستشفيات السورية قد تضرر جراء الحرب. كما أكدت تقارير طبية أن ما يعادل 200 مدني قد كانوا ضحية للصراع السوري بسبب عدم حصولهم على العلاج الطبي اللازم.
وأشارت الصحيفة إلى أن تردي البنية التحتية في المستشفيات السورية، ونقص المعدات، ليس المعضلة الوحيدة التي تساهم في تعقيد الوضع؛ خاصة بعد أن تعذر وصول جميع أنواع أدوية الأمراض المزمنة للمواطنين. وفي ظل هذه الأوضاع، استغلت المافيا هذه المشكلة، وعملت على تهريب الأدوية عبر البلدان المتاخمة لسوريا.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الحرمان من الأدوية اللازمة على مدار ست سنوات من الحرب السورية، ساهم إلى حد كبير في تدهور الصحة العقلية للعديد من المرضى. وعموما، هذا هو الحال بالنسبة لأحد المرضى الذي يجهل اسمه، نظرا لتفاقم وضعه بسبب الحرب السورية، والذي قدم إلى المستشفى بعد أن عثرت عليه الشرطة تائها في إحدى حدائق حمص.
التايمز: بوتين ينسب الانتصار على تنظيم الدولة لنفسه
فورين بوليسي: طهران انتصرت على الرياض بحروب المنطقة كلها
وول ستريت: هل يرسم مؤتمر سوتشي الثلاثي خارطة سوريا الجديدة؟