شكلت مخرجات اجتماع القاهرة الأخير بين الفصائل الفلسطينية صدمة للكثيرين؛ من باب أنها لم تقدم شيئاً ملموساً أو إيجابياً، إن كان على صعيد خطوات ملزمة ومجدولة زمنياً في سياق "المصالحة"، أو على صعيد رفع "العقوبات" على قطاع غزة، إذ كان البيان الختامي أقرب لدعوات ورغبات النشطاء والمراقبين منه إلى قرارات الساسة والمسؤولين.
ولئن كانت النتائج متوقعة إلى حد بعيد، وفق المعطيات والمؤشرات السائدة قبل الاجتماع وخلاله، على الأقل على مستوى الحاجة لمساحة زمنية أطول لتبلور مسار حقيقي للمصالحة؛ في حال توفرت الإرادة التي تبدو غائبة تماماً لدى وفد السلطة الفلسطينية، إلا أن الأهم من كل ذلك أن هناك حقائق مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ووضع السلطة والنظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، يراد لها أن تغيب أو تُغيّب في جلبة اللقاءات والتصريحات لتفرض واقعاً مختلفاً.
هناك حقائق مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ووضع السلطة والنظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، يراد لها أن تغيب أو تُغيّب في جلبة اللقاءات والتصريحات لتفرض واقعاً مختلفاً
أولاً، ثمة حديث ممجوج عن "الشرعية" الفلسطينية التي تريد السلطة/ فتح إعادة حماس لها، وتريد إعادة تجديد شرعيتها وتبرئة صفحتها (وصفحة أوسلو والمفاوضات) من خلال صك براءة تقدمه لها عملية "المصالحة" الدائرة. في ذلك قفز مقصود عن حقيقة انتهاء شرعية كافة المؤسسات الفلسطينية من رئاسة السلطة إلى المجلس التشريعي، فضلاً عن مؤسسات منظمة التحرير المترهلة والهرمة وغير الممثلة للشعب، أي مجمل النظام السياسي الفلسطيني الذي يفترض لعملية المصالحة - إن تمت كما يجب - أن تعيد صياغته وتقويته وتطويره.
إن تصوير حماس كحركة آبقة أو منقلبة تعود اليوم لحضن الشرعية الرسمية الفلسطينية؛ يجانب الحقيقة، فهي ما زالت قوة سياسية معتبرة في الشارع الفلسطيني، وهي من فازت بغالبية الأصوات في آخر انتخابات جرت في أراضي السلطة، وهي تنازلت وتتنازل طواعية عن حقها في تشكيل الحكومة (لأسباب تناولناها في مقالات سابقة) لمحاولة رأب الصدع في المشهد الداخلي الفلسطيني، وهي التي تعرضت لعملية انقلاب قادها محمد دحلان، وفق اعترافات حركة فتح نفسها.
المشكلة أنه في مشهد الشرعيات المتآكلة أمامنا؛ يبدو الأقل شرعية، وهو محمود عباس - باعتباره فرداً وباعتباره أول المنتهية صلاحية مناصبهم دون تجديد المجلس التشريعي له - متحكماً في باقي المؤسسات والشرعيات، وفي مقدمتها المجلس التشريعي الفلسطيني؛ الذي يفترض أن يبقى يعمل لحين تشكيل المجلس الآتي عبر بوابة الانتخابات القادمة.
في مشهد الشرعيات المتآكلة أمامنا؛ يبدو الأقل شرعية، وهو محمود عباس - باعتباره فرداً وباعتباره أول المنتهية صلاحية مناصبهم
المطلوب من المصالحة الفلسطينية كان، ولا زال، توحيد الصف الفلسطيني، وحل النزاعات البينية للتركيز على مواجهة الاحتلال
المسؤولية الأخلاقية تحتم على مختلف الأطراف، من فصائل وتيارات وهيئات وأشخاص، متابعة ومراقبة عملية الحوار و"المصالحة"، وتحديد مسؤولية التأخير والتعطيل
إن المسؤولية الأخلاقية تحتم على مختلف الأطراف، من فصائل وتيارات وهيئات وأشخاص، متابعة ومراقبة عملية الحوار و"المصالحة"، وتحديد مسؤولية التأخير والتعطيل والبطء بشكل دقيق، بعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، ومحاولات اللعب على وتر الحياد أو استغلال المسار لاكتساب شرعية أو إثبات صوابية رأي.
مرة أخرى، المصالحة الوطنية الحقيقية مصلحة لنا جميعاً، وندرك أنها طريق صعبة، وقد تكون طويلة نوعاً ما، لكن الأمر يحتاج إلى إرادة وشفافية وصراحة ومسؤولية من الاطراف ذات العلاقة، ومتابعة ورقابة ونقداً وتصويباً منا نحن الشعب الفلسطيني ومجاميع المراقبين والمتابعين، أملاً في أن تصل المصالحة فعلاً إلى محطتها الأخيرة المرجوة: توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة مشروع الاحتلال الصهيوني، أو وضع النقاط على الحروف وتحديد من لا يريد و/ أو لا يقدر على ذلك.