(1)
كلما تحدث أحد أمامي عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، تصيبني حالة من الضيق والغيظ، وكلما تابعت تصرفات وتصريحات الحكام وحواشيهم؛ يتصاعد الضيق ويتفاقم الغيظ، وأشعر كمن يجلس بقية عمره أمام جدار بغيض يسد عليه الطريق، ويسأل نفسه: متى يتحرك هذا الجدار المصمت الكالح ويفسح الطريق أمامي؟ حتى يتحول انسداد الطريق إلى مادة عقلية لزجة تسد مسارات التفكير، وتحيل ماء الأمل إلى بركة عطنة من الأوهام.
(2)
لا تبادروا بإلقاء النصائح في وجهي عن ضرورة التفكير الإيجابي، لأنني لست متشائماً.. بالعكس أنا عبرت الجدار ولم أجد خلفه إلا أرض قاحلة أخرى، أحاول أن أرمي في تربتها بعضا من البذور الصغيرة، طامحا أن تثمر للعابرين الجدد ثمار الفرح والانتصار. لذلك أعود لأسألكم: هل قرأتم قصة الفقير البائس الذي ادخر مبلغا صغيرا لشراء معطف يقيه من البرد، فوجد في جيب المعطف خريطة الكنز الذي يحلم به الجميع؟
(3)
لا يهم، فأنا لم أقرأها، بل إنني لا أتذكر أن هناك قصة أصلا عن هذا الموضوع بالذات، لكن هذا لا يعني أنني أخدعكم؛ لأن المعنى المقصود يتكرر في قصص كثيرة، والأجمل أنه يتكرر في الحياة أيضا، وأظنكم تتذكرون درس "هابي أكسيدنت" في كتاب اللغة الإنجليزية، الذي يتحدث عن اكتشاف الكثير من المخترعات بالصدفة و"الحظ السعيد"، لذلك فإن الأمر لا يتعلق بالجهود التي بذلها الأطباء لاختراع دواء للقلب، لكن الصدفة مثلاً تخلت عن القلب، وجعلت من الفياجرا كنزا في اتجاه آخر، هكذا كان الحال في اختراع أشعة أكس، والميكرو ويف، وتفاحة نيوتن، وحمام أرشميدس..!
(4)
الحديث عن "الحظ السعيد"، في أحد أشكاله، هو حديث عن الأمل.. عن الحلول التي تظهر فجأة بالرغم من أنك قد تكون يئست من مجرد التفكير فيها، وأسقطتها من اهتمامك، وذهبت تبحث عن شيء آخر. هذا يعني أن هناك أهدافا ممكنة، ومع ذلك عندما تتعب من أجلها، لا تتحقق.. أو تتحقق بصعوبة، وهناك أشياء صعبة قد تستبعد التفكير في تحقيقها، لكنها تتحقق من تلقاء ذاتها، بالصدفة، أو بجهد بسيط.. إنها مثل الهدايا التي تتلقاها بدون مناسبة.
(5)
كلما فكرت في فكرة الهدايا، ومفاجآت الحظ السعيد، غلب على تفكيري أمر "القوى الخفية" التي تعيد صياغة أفعال البشر، فتجعل الصغير كبيرا، والكثير قليلا، وتغير المسارات، وتبدل الاتجاهات، وتأخذ الهند من ماجلان لتعطيه مالم يكن في الحسبان.
(6)
تخيلوا أنكم تقفون عاجزين أمام باب حديدي ضخم لقلعة محصنة، وكل منكم يعرف أن الحبيب المفقود أو الحبيبة المنشودة سجناء بداخل القلعة الحصينة! وتخيلوا أن الحارس العجوز الوحيد للقلعة أخبركم بكل هدوء، أن الحبيب والحبية بانتظاركم في أبهى صورة لو استطعتم الدخول، وأبلغكم أن محاولة كسر الباب أو اختراق الجدار صعبة إلى درجة المستحيل، وأنها قد تستغرق العمر كله بلا جدوى! فما هو الحل؟ وما هي أسهل طريقة لعبور الموانع وإنقاذ الحبيب أو الحبيبة؟
(7)
أعرف واحدا من الأبطال الأقوياء ظل يحلم بأطنان من المتفجرات، لتدمير الباب أو فتح ثغرة في الجدار، وعندما اجتهد وحصل على قدر معقول مما فكر فيه.. الله يرحمه بقى، مات أثناء تنفيذ التفجير..!
(8)
وأعرف أيضا عاشقا نحيلاً لا يؤمن بالعنف، وكان كل ما فعله هو التفكير في البحث عن المفتاح.
(9)
أيوه "المفتاح..
إنه "الصغير" الذي يفتح "الكبير".. إنه "قيراط الحظ" الذي يتفوق على "فدان الشطارة"، و"هكتار القوة".
هل تأملتم فكرة المفتاح، وأدركتم سحره وقوته؟
هل تأملت الفارق بين المتسرعين في تحطيم الأبواب، وتدمير الجدران، وبين الباحثين عن مفاتيح الدخول بسلام؟
هل تأملت الفارق بين العنف والسياسة؟.. بين الغلظة والحكمة، بين الخناق والوفاق، بين العقل والقمع؟
(10)
تخيلوا..
(11)
هل تخيلتم؟
إذن أنتم الآن على الطريق الصحيح..
إذن أنتم مؤهلون للعثور على المفتاح..
(12)
تخيلوا دائما، فالخيال نعمة..
تأملوا دائما، فالتأمل حكمة..
فقد حكى العابر عن تجربته قائلاً:
بعد الخيال والتأمل يتحقق عادة "الواقع المنشود المسعود"، ولا يفرض نفسه علينا "الواقع الموجود المنكود".