في بعض الأوقات يكون اندهاش المؤسسة الإخبارية، ببساطة، من الأشياء التي لا تخطئ. حصل ذلك قبل يومين عندما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية وللمرة الأولى إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الوجود الإيراني في سوريا "شرعي" جنبا إلى جنب، بطبيعة الحال، مع الوجود الروسي هناك – على النقيض من تواجد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، والذي بحسب ما صرح به لافرورف، لا يعتبر شرعيا. أضفى إعلان لافرورف ذاك نوعا من المصداقية على فكرة أن السيناريو المهدد الذي حذر منه المعلقون الإسرائيليون في السنوات الأخيرة بات الآن يتحقق أمام أعيننا على الأرض.
وبذلك يكون المحور الذي يبدأ في إيران وينتهي على ساحل المتوسط في لبنان، والذي تسيطر عليه قوى طالما وصفتها إسرائيل بأنها أعداء شيطانية تسعى لتدميرها – إيران وحزب الله ونظام الأسد وغيرها – قد حصل الآن على ختم شرعية رسمي وعلني من قوة مثل روسيا. يصعب من وجهة النظر الإسرائيلية تخيل سيناريو أسوأ من هذا السيناريو.
يأتي التهديد المباشر والآني من طرف حزب الله. لم تتبدد بعد ذكريات حرب لبنان الثانية التي وقعت في عام 2006. حينها، وعلى مدى ما يزيد على شهر، لم يتمكن عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين من التغلب على ما يقرب من ألف من مقاتلي حزب الله لمنعهم من الاستمرار في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وشل القطاع الشمالي بشكل كامل.
صحيح أن هناك في إسرائيل اليوم من يحاول تصوير تلك الحرب على أنها تكللت بالنجاح، بدليل أن حزب الله منذ ذلك الوقت لم يتحرك ضد إسرائيل عبر الحدود الشمالية، ولكن لا يعرف على وجه التأكيد ما إذا كانت القيادات العسكرية العليا في إسرائيل تعتقد ذلك بالفعل.
إلا أن المؤكد أن حزب الله، خلال ذلك الوقت، أصبح أقوى وأقدر. صرح مؤخراً وزير الإسكان يواف غالانت، الذي كاد أن يصبح رئيسا لهيئة الأركان، بأن حزب الله يمتلك مائة ألف صاروخ جاهزة للإطلاق، وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن العدد وصل إلى مائة وخمسين ألفاً. ما من شك في أن هذا رقم ضخم جدا.
من الواضح أنه حتى لو تمكنت الأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ من اعتراض بعضها، فإن كثيراً من هذه الصواريخ، فيما لو نشبت حرب حقيقية، سيصل إلى أهداف حيوية داخل إسرائيل. ويذكر أن حماس، التي تملك عدداً أقل بكثير من الصواريخ وبجودة أدنى بكثير، تمكنت من إغلاق مطار بن غوريون لمدة ثمانية وأربعين ساعة خلال الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014. لا يحتاج المرء لأن يكون متشائما حتى يفترض أنه فيما لو نشبت حرب حقيقية مع حزب الله الآن فإن النتيجة ستكون أسوأ بكثير.
عندما تورط زعيم حزب الله حسن نصر الله في القتال في سوريا لإنقاذ نظام الأسد، شعر المحللون الإسرائيليون بالارتياح. كانوا حينها يقولون: دعوه يبلي نفسه بنفسه، حيث أنه بذلك سيخسر مقاتليه ويفقد شعبيته، وبذلك لن يعود مصدر خطر على إسرائيل.
جاهز للحرب
ولكن يبدو اليوم أن النتيجة جاءت معاكسة تماما لما توقعوه أو تمنوه. صحيح أن حزب الله فقد ما يقرب من ألف مقاتل، وخسر بعضاً من الدعم الشعبي الذي كان يتمتع به في مختلف أرجاء العالم العربي حينما كان يقاتل إسرائيل، ولكنه يخرج من الحرب الأهلية السورية قوة عسكرية مجربة وقادرة على شن حرب حقيقية، وليس فقط مجرد قتال من النوع الذي يخوضه الفدائيون.
طفا على السطح قبل شهرين ما يمكن أن يعتبر دليلاً على أن حزب الله يُنظر إليه في إسرائيل على أنه "جيش صغير". وذلك حينما أجرى الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية وصفها بأنها "الأكبر خلال العشرين عاما الماضية"، بحسب ما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بمشاركة عشرات الآلاف من الجنود الذين كانت مهمتهم في تلك المناورات التعامل مع وضع افتراضي ينفذ فيه حزب الله اجتياحاً داخل الأراضي الإسرائيلية سعياً منه لاقتحام بعض البلدات الإسرائيلية.
نقل موقع واي نيت الإخباري عن ضابط إسرائيلي كبير القول بأن إسرائيل لن تسمح أبداً لحزب الله بأن يسيطر على أي أراض داخل إسرائيل. إلا أن مجرد أن يناقش الجيش الإسرائيلي مثل هذا الاحتمال يثبت مدى الجدية التي يتعاملون بها مع التهديد الذي يشكله حزب الله.
إلا أن المشكلة من وجهة النظر الإسرائيلية تكمن في أن ذلك لا يقتصر على حزب الله. فمنذ سنوات، ما فتئت إسرائيل تحذر من أن إيران هي مصدر الخطر الأكبر الذي لا يهدد وجود إسرائيل فحسب وإنما يهدد السلام في العالم بأسره.
هذا هو المنطق الذي اعتمده رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو طوال حياته المهنية، بل وحوله إلى حجر الزاوية في سياسة إسرائيل الخارجية وفي سياستها الدفاعية. والآن، وبعد إخفاقه في المحاولات التي بذلها لإفشال أو إبطال الاتفاق النووي مع إيران، يجد نتنياهو نفسه أمام قوات إيرانية تتواجد على مسافة لا تبعد عن حدود مرتفعات الجولان أكثر من خمسة كيلومترات.
مع ذلك، مازال لا يوجد داخل سوريا انتشار ذو بال للقوات العسكرية الإيرانية، ولم ينشئ سلاح الجو الإيراني قواعد له فيها. إلا أن نظرة خاطفة على الخارطة، وخاصة بعد أحدث انتصارات حققتها قوات الأسد في شرق سوريا وبعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، تظهر خطاً مباشراً يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ثم إلى لبنان.
لا يفوت معلقو القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الفرصة كلما أمكنهم ذلك لاستعراض هذه الخارطة وشرح ما فيها من تهديد. وبدلا من أن يبقى نظرياً ومقتصراً في وجوده على خطابات نتنياهو في الأمم المتحدة، ها قد أصبح التهديد الإيراني واقعاً ملموساً وعلى مرمى حجر.
فشل الصداقة مع بوتين
رأي نتنياهو هذه المشكلة تقترب، ويبدو أنه اعتقد بأنه سينجح في موازنة قوة إيران المتزايدة من خلال روسيا. ولذلك استثمر في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر مما استثمر في أي زعيم آخر في العالم، حيث اجتمع به ما يزيد عن ست مرات خلال العامين المنصرمين.
وعلى الرغم من أن العلاقة الشخصي بين الرجلين قد تكون جيدة، وهذا ما تفاخر به نتنياهو في كل فرصة سانحة، إلا أن ذلك لا قيمة له من الناحية السياسية. لا يملك المرء إلا أن يخمن ما الذي شعر به نتنياهو وهو يسمع وزير الخارجية الروسي يتحدث عن "شرعية" الوجود الإيراني في سوريا. لربما أفضل وصف لذلك هو ما يتولد لديك من شعور حينما يبصق أحدهم في وجهك.
وخلاصة القول هي أن الخيار الذي تواجهه إسرائيل الآن ليس بسيطا. الانطباع السائد هو أن ائتلاف حزب الله وإيران مصدر خطر حقيقي، وحينما تستقر أوضاع نظام الأسد، وكل المعطيات تشير إلى أن ذلك حاصل لا محالة، فسوف يصبح الجيش السوري عاملاً آخر يضاف إلى هذه المعادلة التهديدية. ثم تأتي المظلة الروسية لتعزز من قوة هذا المحور. في هذه الأثناء، يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يستمر في التغريد عبر تويتر، وبشكل متزايد، حول إيران، إلا أن تهديداته لا أثر لها إطلاقاً في عالم الواقع.
بحسب ما يمليه المنطق البسيط، ينبغي على إسرائيل أن تتصرف الآن، وقبل أن يستمد هذا المحور مزيداً من القوة والتمكين. ما فتئت إسرائيل ترسل إشارات تفيد بأن ذلك بالضبط هو ما تنوي فعله. وكانت تلك هي الرسالة المقصودة من عشرات الهجمات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف سورية على مدى العامين الماضيين.
أعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان فقط هذا الخميس بأن إسرائيل لن تسمح لإيران بأن تبقى في سوريا ولن تسمح لسوريا بأن تتحول إلى موقع متقدم ضد إسرائيل. لم يعط ليبرمان تفاصيل حول الآلية التي ستمنع إسرائيل هذه العملية من خلالها، مع أن التهديد باستخدام القوة واضح في كلامه.
فهل إسرائيل على طريق شن حرب ضد حزب الله في لبنان أو ضد القوات الإيرانية في سوريا؟ بناء على ما يرد في التغطية الإخبارية للتلفزيون الإسرائيلي، هذا ما ترغب المملكة العربية السعودية في أن تقوم به إسرائيل، وتلك هي الطريقة التي فسر بها المعلقون الإسرائيليون التهديدات السافرة التي صدرت عن المملكة العربية السعودية ضد حزب الله وضد لبنان بعد "استقالة" سعد الحريري من موقعه كرئيس لوزراء لبنان. فالجيش السعودي، الذي يتكبد الهزيمة في اليمن المجاورة، ليس بإمكانه في الواقع أن يشكل أي تهديد للبنان عن بعد. أما إسرائيل، فبإمكانها أن تفعل ذلك خدمة للسعوديين.
ما يوجد لدينا هنا في الظاهر هو عبارة عن فرصة نادرة: حرب إسرائيلية ضد بلد عربي بدعم كامل ومكشوف من المملكة العربية السعودية، ومن الدول الخليجية وربما أيضاً من مصر.
يندر لمثل هذه الحالة أن تتكرر. في عام 1982، ظن رئيس الوزراء مناحيم بيغن أنه كان يملك الحرية الكاملة في أن يعمل ضد الدول العربية الأخرى كيفما شاء، وكان ذلك أحد الأسباب التي سمحت له بشن حرب على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. أما في الظرف الحالي، فلا يبدو مؤكداً ما إذا كانت إسرائيل على وشك استغلال هذه الفرصة.
مع كل التقدير والاحترام لأهمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لا تجد في إسرائيل من يتحمس لسفك الدماء خدمة لمصالح ولي العهد محمد بن سلمان. كما أن نتنياهو يدرك جيداً أنه حتى لو لم تكن الحكومة السعودية تأبه في واقع الأمر بالفلسطينيين إلا أن الرأي العام في المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي قاطبة لن يسمح للسعوديين بإبرام تحالف وثيق مع إسرائيل دون أن تقدم الأخيرة تنازلات من نوع ما، حتى لو كانت شكلية ورمزية، لصالح القضية الفلسطينية. وبالنظر إلى وضعه السياسي الحالي في إسرائيل، لا يملك نتنياهو دفع مثل ذلك الثمن في الوقت الراهن.
إنهاء السلام
ومن وجهة نظر سياسية، هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن ذلك. إن من أبرز إنجازات نتنياهو – فيما يتعلق بالرأي العام الإسرائيلي - الوضع الأمني الهادئ نسبياً الذي تحقق لإسرائيل خلال السنوات الثمان الماضية، أي منذ أن استلم السلطة للمرة الثانية.
ففيما عدا عملية الجرف الواقي في عام 2014، أحجم نتنياهو طوال فترات حكمة على مدى أحد عشر عاماً (بما في ذلك فترته الأولى ما بين عام 1996 وعام 1999)، عن القيام بأي حملات عسكرية واسعة النطاق. ولنقارن ذلك بما فعله سلفه في رئاسة الوزراء، إيهود أولمرت، الذي شن حربين كبيرتين خلال عامين، إحداهما في لبنان عام 2006 والأخرى في غزة عام 2008، وتمخض عنهما مقتل ما يزيد عن 2500 لبناني وفلسطيني وإسرائيلي.
وكما تم التنويه به، من شأن أي مواجهة عسكرية مع حزب الله أن تضر بسجل نتنياهو، وليس فقط لأن حزب الله طور قدراته وعزز من إمكانياته وليس فقط لأنه تمكن من الحصول على عشرات الآلاف من الصواريخ.
وإنما لأن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه إذا ما هوجم حزب الله في لبنان، فإن رد الفعل لن يأتي فقط من لبنان بل وأيضاً من سوريا حيث يتواجد حزب الله هناك بكثافة. ولعله لهذا السبب لم تعد إسرائيل تتحدث عن "الجبهة اللبنانية" وإنما عن "الجبهة الشمالية"، أي لبنان وسوريا معاً.
إذن، نعود ونكرر التأكيد على أن المعضلة ليست بسيطة. فرغم كل المصاعب والأخطار، تتمتع إسرائيل حاليا بتفوق عسكري واضح على حزب الله، طالما أن الجيش السوري بقيادة الأسد لا يكاد يتواجد هناك، وطالما أن إيران لم تنشئ بعد قواعد لها في سوريا. إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة لغير صالح إسرائيل، وبناء عليه فثمة منطق في اغتنام الفرصة والتحرك على المدى القريب.
والعامل الآخر الذي يؤثر في صناعة القرار هو الاحتمال الكبير بأن تنظم انتخابات خلال النصف الأول من عام 2018 بسبب التحقيقات الجنائية التي تجري ضد نتنياهو، الأمر الذي قد يدفعه إلى المجازفة وخوض مواجهة عسكرية، ظنا منه بأن الرأي العام سيتوحد من ورائه وسيدعم الحكومة أثناء الحرب. ومع كل ذلك، ولو كان للمرء أن يخمن، فالأغلب أن إسرائيل ستختار الانتظار، فالمراهنة على الحرب في هذا الوقت بالذات يمكن أن تكون تكاليفه باهظة.
ميدل إيست آي
بريتي باتيل وإسرائيل: انتهاك فظيع للعرف الدبلوماسي
سيناريوات حربية بموازاة "استراتيجية ترامب" ضد إيران