عنوان المقالة مستعار من المرحوم د. إبراهيم شحاتة في كتابه بهذا العنوان؛ قبل قليل من فتك السرطان بآماله لبلده من موقعه كنائب لرئيس البنك الدولي.
نقدم في هذه السطور برنامجا للإصلاح الحقيقي، في مصر ويقوم على فرضيات، كما يرتكز على محاور:
فرضيات مشروع الإصلاح:
الفرضية الأول: هو أن النظام في مصر يعتقد أنه الأحق بحماية مصر، والأجدر بمعرفة مصالحها، والأكثر كفاءة في خدمتها. وقد أكد الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة هذا المعنى، حيث أكد عدة مرات أنه يعرف المشاكل كافة، وأنه يعرف الحلول كافة. وبناء على ذلك، صدّق الشعب في البداية. وبمرور الوقت، فإن نتائج الأداء أصبحت كارثية، بل إن الرئيس السيسي يصر على ولاية ثانية حتى يستكمل ما بدأه، وحتى يرى الناس الثمار المتأخرة للإصلاح السياسي والاقتصادي.
الفرضية الثانية: هي أن النظام يعمل في تناغم مؤسسي، وأن النتائج التي نراها هي نتيجة التعاضد والتساند بين هذه الأجهزة، وليس هناك فصل بينها كما ينص الدستور.
الفرضية الثالثة: هي أن ثقة النظام في أنه يعمل خيرا لمصر، وعدم رغبته في الكشف عن خطته خوفا من الحسد وأهل الشر - كما قال صراحة - دفعه إلى السرية المطلقة في كل أنشطته، كما دفعه إلى الهيمنة على كل مفاصل الدولة، بما في ذلك الأجهزة الرقابية، فلم يعد هناك مجال للمراجعة أو المحاسبة. ونحن على يقين بأن النظام لا يمكن أن يعتذر، ولن يجدي الاعتذار بعد أن يرى بنفسه الآثار المدمرة لسياساته في نهاية المطاف.
قسم كبير من الشعب المصري لم يكترث بالطريقة التي تغير بها النظام، ولكنه كان يأمل أن يرى نتائج إيجابية فورية
ونذكر بأن قسما كبيرا من الشعب المصري لم يكترث بالطريقة التي تغير بها النظام، ولكنه كان يأمل أن يرى نتائج إيجابية فورية، بدلا من ظهور النتائج في القرن القادم. ولا شك أن الرئيس عبد الناصر قد ندم، وقد أودى به الندم بسبب التناقض بين سياساته ونتائجها من ناحية؛ وبين آماله في مصر من ناحية أخري. وحتى لا يقع هذا النظام في المأزق نفسه، وحتى لا تلومنا أجيال قادمة على أننا لم ننصح ولم نحذر، فإننا ندق ناقوس الخطر بشكل متحضر، ولا يجب أن ينظر إليه على أنه عمل عدائي أو أنه جريمة، أو غير ذلك من الأوصاف التي يوصم بها كل من أراد خيرا لهذا الوطن.
الفرضية الرابعة: هي أن هذا الوطن، رضي النظام أو أبى، ملك لكل أبنائه، ولا يُقبل مطلقا أن يهيمن فريق السلطة على بقية المجتمع؛ ويفرض عليه رأيه، وأن يظن البعض أن مصر قد أصبحت قسمين: مصر للنظام وأتباعه، ومصر لبقية الشعب المصري. ونصر على أن التفاضل بيننا يكون بقدر ما قدمنا لهذا الوطن، وليس بقدر ما حصلنا عليه منه.
الفرضية الخامسة: أنه ما دام النظام يعتقد اعتقادا جازما أنه يرى ما لا نرى، وأنه يهدي إلى سبيل الرشاد، فلماذا لا يفسح المجال للصوت الآخر، خاصة بعد أن اتسع الاعتقاد بأن النظام صار في ناحية والوطن في ناحية أخرى؟ لماذا لا يسمع النظام صوت الوطن الذي حُرم من أي صوت له حتى الآن؟
الفرضية السادسة: أن مجلس النواب والأجهزة الرقابية والدستور؛ يُفترض أن تدافع عن مصالح الوطن، وأن تكون الصوت الآخر المعادلة. وليس عيبا أن تخطئ السلطة، ولكن العيب أن تمنع غيرها من أن يعلن رأيه في سلوكها؛ لأن هذا الغير، بصرف النظر عن موقف السلطة، هو شريك في هذا الوطن، حتى ولو أبعد بعض الوقت.
الفرضية السابعة: أن الشعب مفهوم عام ومنقسم، وهو مصدر السلطات وصاحب السيادة، وأن النظام وكيل عن هذا الشعب، فيجب على الشعب أن يعلن رأيه في تصرفات الوكيل، ولا يجوز للوكيل أن يصادر حق الأصيل في التعبير، حتى لو ظن أنه يحتكر الحقيقة.
الفرضية الثامنة: هي أنني لست طرفا في الانقسامات والانتماءات التي أشعلت معارك تصفية الحسابات؛ خصما من مصالح الوطن.
إلى تشكيل جبهة وطنية شاملة لكل النخب، ولكنني وجدت تباطؤا وترددا
ويبدو أن تفتت المجتمع المصري لن يسمح بتشكيل جبهة واحدة، ولذلك يمكن أن تقوم جبهات متعددة ما دامت تتفق في هدف واحد
ويبدو أن تفتت المجتمع المصري لن يسمح بتشكيل جبهة واحدة، ولذلك يمكن أن تقوم جبهات متعددة ما دامت تتفق في هدف واحد، وهو أن تكون جميعا الصوت الآخر. الذي يفصل بين الصوتين هو هذا الشعب والدستور والقانون، دون تخوين ودون انتقاص من وطنية أحد، كما يذهب الإعلام البائس في اغتيال شخصيات من يتجرأ على الدفاع عن مصالح الوطن
ولو كانوا فعلا يمثلون الحقيقة لكانوا أول من يرحب بالصوت الآخر، ولكانوا كالمؤمن الواثق من كتابه حين يلح على الملائكة يوم الحساب "هاؤمُ اقرأوا كتابيه"، وهو المعنى الذي استلهمه السيد عمرو موسى عنوانا لمذكراته.
أما وظيفة هذه الجبهات، فتتحصل في تنفيذ برنامج الإصلاح الذي يقوم على ثلاثة محاور:
محاور برنامج الإصلاح:
المحور الأول: طويل الأجل، وهو استخدام قدرات الدولة في سد الفجوات الثقافية عند المجتمع المصري؛ على النحو الذي فصلناه في مشروعنا الثقافي، وسوف نبعث به إلى مختلف الأجهزة في مصر، علما بأن هذا المحور يمكن أن يطبق في العالم العربي كله؛ لأن من شأنه استعادة العقل، بدلا من الخرافات السياسية والدينية التي حلت محل العقل في الجسد العربي، فكان ما نراه من مآس.
المحور الثاني: أن تقوم هذه النخب في مصر بمهمة الصوت الآخر والتعبير بشكل جماعي عن رأيها في ما يجري في مصر، وأن يكون لها مساحة لمخاطبة الرأي العام، بعد أن صار واضحا أن المعارضة الرسمية مستحيلة، وأن نظام الحكم شيء والنظام السياسي شيء آخر تماما، ولا توجد المعارضة الرسمية الحقيقية إلا في نظام سياسي؛ لأنها والحكومة تسعيان إلى الهدف نفسه، وهو المصلحة العليا للوطن.
المحور الثالث: أن تنشأ في جميع الدول العربية جبهات ثقافية وفكرية؛ تضع الخطط للتعاون مع الدولة على سد الفجوات الثقافية، ويمكن إسناد بعض هذه المهام إلى أجهزة الجامعة العربية ومكتبة الإسكندرية؛ لأن الشعوب العربية قد نزع عقلها عمدا، فأصبح الاستبداد مغريا وواقعا، وأصبحت المجاميع من هذه الشعوب عاجزة عقليا وفاقدة للوعي، فلا تميز بين الخطأ والصواب، أو بين المصلحة والضرر .
العدو الاستراتيجي لا يزال في فلسطين
مصر.. أحلام المشاركة وأوهام المقاطعة