ما يحدث من تصعيد طائفي في المنطقة، وفي نفس الوقت تبريد شامل يصل إلى حد الدفء مع العدو المركزي والرئيسي؛ القابع في أرض فلسطين وغيرها من الأراضي العربية، يحتاج منا إلى محاولة للفهم لتحديد ما يمكن للشعوب فعله. فقد أصبحت كافة شعوب المنطقة العربية شعوبا بلا دول وبلا قوة تحميها. بل على العكس، أصبحت نظم الحكم نظما معادية لها، سواء كانت تنتمي بلا مواربة للعدو الصهيوني، أو تميل إلى القوة الكبيرة التي أعتبرها مركزا لصراع استراتيجي مع العرب "السنة".
إذن، فأرض العرب تتحرك بين عدو استراتيجي لن يتغير، وهم الصهاينة، وعلى الناحية الأخرى مجبرة على الدخول في صراع كبير مع النظام الإيراني. وهناك فارق بين العدو الاستراتيجي والطرف الإقليمي الآخر في صراع استراتيجي: فالأول هو عدو وسيبقى كذلك، دون اعتبار لمدى قوتك، فمهما كنت قويا أو ضعيفا فسيبقى عدوا. أما في مجال الصراع الإقليمي الاستراتيجي، حتى لو كان طائفيا، فإنه يعتمد - إلى حد كبير - على مدى قوة الطرفين، فيقل ويزيد طبقا لموازين القوى، وربما يتحول في وقت ما إلى نوع من التعاون الإقليمي ضد القوى الدولية.
وهناك سؤال رئيسي: من يمثل الخطر الرئيسي علينا الآن، نحن الشعوب العربية؟ إن المشروعين المتنافسين على المنطقة، واللذين يقتسمان - أو يحاولان ذلك - هما المشروع الصهيوني، والمشروع الإيراني، وكلا منهما يسعى إلى إثبات أن المشروع الآخر هو الخطر المحدق على العرب.. وتتحكم في معظم الدول العربية الآن؛ أنظمة إما صهيونية أو تتحالف مع إيران. فالنظام المصري والنظام السعودي والإماراتي والأردني وحركة فتح الفلسطينية.. أنظمة معلنة لا تخجل من إثبات علاقتها بالكيان الصهيوني. كما أن الأنظمة العراقية والسورية تتحالف مع النظام الإيراني، فهناك مناطق صراع في لبنان واليمن تحاول القوى الداعمة لإيران إحكام السيطرة عليها. ومن العجيب ان المحاولات التي سعت إليها القوى الشعبية في ثورات الربيع العربي؛ لتقوية المنطقة العربية وإخراجها من حالة الرخاوة لتصبح قوة قادرة على حماية شعوبها وأرضها، قوبلت بحالة من التوجس، بل والفزع من كل الأطراف.
من غير المنطقي أن تصمت دول تدعي انتماءها للسنة، وعداءها للمشروع الإيراني والصهيوني وتترك الشعب السوري فريسة للتدخل الإيراني
ربما كان الصراع المذهبي أحد محاور الصراع، إلا أنه بالتأكيد - كما أرى - ليس مركز الصراع على الإطلاق
لذلك، فلا بد من توضيح مركز العداء، وأنه هناك في أرض فلسطين، وأن أي محاولة لجعل مركز الصراع في مكان آخر هي محاولة ليست صحيحة؛ إما أن تكون بنية حسنة وهذا منطقي بعد حجم الجرائم التي قام بها النظام الإيراني بسوريا أو بنية متصهينة تستغل الحس الديني وتحول مجرى الصراع الوجودي.
إن القوى الرئيسية في المنطقة هي إيران وتركيا ومصر، لاعتبارات جيوسياسية وسكانية، ولن تصبح السعودية أبدا - لاعتبارات كثيرة - إحدى القوى المركزية.. تصبح قوة فقط عندما تلحق بإحدى القوى السابقة، ولكنها تدفع بنفسها إلى القاع بكل حماسة منذ مساهمتها في تدمير مصر، وعدائها المعلن مع تركيا، وأصبحت مع جارتها الصغرى (الإمارات) ذراع الصهاينة الباطش.
القوى الرئيسية في المنطقة هي إيران وتركيا ومصر، لاعتبارات جيوسياسية وسكانية، ولن تصبح السعودية أبدا إحدى القوى المركزية
مقبلون على أمور معقدة وخطيرة، وإعادة تشكيل واسعة. والإصرار على العداء المذهبي كمركز للصراع يخرجنا من الصراع الحقيقي
الجديد على التصعيد بين السعودية وإيران
مَن سيربح مِن حرب إسرائيلية على لبنان؟